"كل الإشيا بتعيش لتنتهي بلحن جديد، الفرق بين الحرية والخضوع تخيير"... كلمات فرقة "مشروع ليلى" في أغنيتها "3 دقايق"، وظّفتها في مسيرتها الفنية التي أعلن مؤسّسها حامد سنّو انتهاءها بشكل مفاجئ. "مشروع ليلى هل هم مثليّون؟ من هو حبيب حامد سنّو؟"، من الأسئلة الأولى التي تظهر عند البحث عن الفرقة على محرّك البحث "غوغل". اتّهامهم بـ"الشذوذ الجنسي وازدراء الأديان" لدعمهم المثليّة وانتقادهم التشدّد الديني، وضعا الفرقة اللبنانية محطّ تصويب منذ انطلاقها في العام 2008 من الجامعة الأميركية في بيروت.
يبدو أنّ أعضاء الفرقة: حامد سنّو، وهايغ بابازيان، وفراس أبو فخر، وكارل جرجس تعبوا من الحملات المناهضة التي رافقتهم. ألغيت حفلاتهم في لبنان ومصر والأردن، وهُدّدوا بالقتل والاضطهاد، ولم يسلموا من سلطة رجال الدين المتحكّمة في مجتمعاتنا. حفل الفرقة الذي ألغي في جبيل عام 2019 شكّل علامة فارقة في مسيرتها، بعد مهاجمة بعض المراجع الدينيّة لها بسبب مثليّة حامد سنّو وكلمات أغنياتهم "المسيئة للأديان".
لبنان لم يكن الوحيد في قمع الفرقة، بل سبق أن مُنعت حفلتهم في الأردن عام 2016، وفي مصر عام 2017. وبحسب سنّو، في حديثه الأخير مع بودكاست "سردة"، فإنّ دولاً أخرى منعت حفلاتهم، لكنّه لم يتم تناول الموضوع إعلاميّاً. وهو ما اضطرّ الفرقة إلى التفكير في الانتقال إلى أماكن أخرى، لو كانت ترغب في الاستمرار.
أغاني الفرقة جسّدت محاولات تحرّرنا من القيود البالية، وحبّنا لأنفسنا بالشّكل الذي نحن فيه. خلال استماعنا لها، مشاعر متضاربة من الحب والفرح والنقمة تنتابنا. ليست صدفة أن تصل أغاني الفرقة إلى ملايين العرب. نجحوا في تجسيد واقعنا المكبّل، وسعوا للانقضاض على البلاء الذي يسود مجتمعاتنا الرجعيّة. "مشروع ليلى" نقل قضايانا وحقّنا بالانتماء لأيّ هويّة مهما كانت.
اعتزال مشروع ليلى أعاد إلى أذهاننا الناشطة المصريّة الكويريّة سارة حجازي، التي رفعت علم قوس القزح في حفل القاهرة. حينها، اعتُقلت حجازي لمجرّد دعمها مجتمع الميم/ عين التي تنتمي إليه. غادرت إلى كندا هرباً من البيئة، التي قمعتها، قبل أن تنتحر في عام 2020 تاركةً رسالة: "التجربة قاسية وأنا أضعف من أن أقاومها". سارة رحلت، ومشروع ليلى تبعها في تجسيد واضح للتضييق الذي يواجه كلّ من يرفع الصوت بوجه سلطات القمع والاضطهاد.
"مشروع ليلى" جزء من مجتمع الميم/ عين في لبنان، وكان واضحاً من كلام حامد سنّو في حديثه الأخير أنّ الفرقة لم تعد قادرة على تحمّل الضغوطات "الهوموفوبية" وإلغاء حفلاتها التي رافقتها منذ انطلاقتها"، يقول الناشط اللبناني ضوميط قزّي لـ"النهار". ويربط قزّي بين انتحار سارة حجازي والاعتزال، الذي كان سبباً لدوّامة الشعور بالذنب التي لاحقت سنّو. "هذا مؤشّر خطير على أنّ شخصية مشهورة لديها امتيازات كحامد لم تتحمّل الضغوط، على الرّغم من أنّ الفئات التي يدافع عنها ترى فيه مصدراً للتعبير عن ذاتها". وفي رأيه أنّ "مصير الحريات في لبنان مرتبط بنا، فكلّ المعنيين بالحريّات والنضال التقاطعيّ مطالبون بعدم الخضوع للهجمات المتصاعدة".
ما ناله "مشروع ليلى" من قمع وتضييق ليس سهلاً في بلاد تُقتل فيها الأحلام، وتُسجن الأفكار المطالبة بالحريّة. شكّل الاعتزال انتصاراً لمن رفض تقبّل الفرقة التي أحبّها الملايين. هم فعلاً انتصروا على الحرية والتحرّر من القيود التي كسرها سنّو وزملاؤه. اعتزال "مشروع ليلى" ليس عابراً، فهو تكريس لسلطة المنع على حساب من يؤمن بتقبّل الآخر. الغريب أنّ تتالي الهجمات على المثليّين يرافقه القمع، ثمّ الانكسار، وهو نفسه الذي كسر الجسر بين الفرقة وجمهورها. اليوم، يهلّل "الهوموفوبيون" للأنظمة المرهِّبة، التي دفعت "مشروع ليلى" وأمثاله إلى ترك مجتمعات تفتقر إلى الإصغاء المعنويّ لمشاكلها.