"شو في خلف البحر خبريات... وبواب بواب شي غرب شي صحاب..."، هما عملان فنيّان من بين كثيرة، جسّدها الرسّام والمهندس اللبناني طوني معلوف (37 سنة) في فنّه المميّز على حسابه عبر الـ"إنستغرام".
يتحدّث عن فنه بشغف كبير، ويرى في كلّ قصة يعايشها ، مع المقرّبين منه، عملًا فنيًّا خاصًّا. لا يتذكّر طوني في أيّ سنّ بدأ رحلته الفنية، وهو الرسام الوحيد في عائلته، "من أنا وصغير وين ما كون مع عيلتي باخذ كيس فيه أقلام ووراق وبقعد برسم".
درس الهندسة الداخلية في الجامعة اللبنانية، وتخصّص في تصميم الفنادق في أكاديميّة بميلانو. فضّل ترك وظيفته في الهندسة الداخلية، ليعمل اليوم بشكل مستقلّ "فريلانس" لكي ينسّق بين عملَيه في الهندسة والرسم. اختار اختصاصه بسبب عشقه للرسم، ذلك أنّ الاعتماد على الرسم كمهنة دون غيرها "ما بتطعمي خبز" في لبنان.
يؤمن طوني بعبارة "الفنّ ابن بيئته"، ومن يتصفّح حسابه على الـ"إنستغرام"، يشعر وكأنه في إحدى الساحات اللبنانية. فيه الوجع جرّاء الأوضاع الصعبة التي يمرّ فيها اللبنانيون، وهموم الفواتير والكهرباء، وتحليق سعر صرف الدولار، وانقطاع الأدوية... ونطالع الرسمات التي تنقل التقاليد اللبنانية، "أهلاً ميّل وبصحتك يا لبنان"...
اعتاد على الرسم خلال أوقات فراغه، ليرمي الرسمات في نهاية اليوم داخل سلّة مهملات، الى أن قرّر الاحتفاظ بها على دفتر الرسم في ما بعد.
بدأت رحلته على مواقع التواصل خلال تواجده في العاصمة الفرنسية باريس، إذ تخيّل في أسطح الأبنية فيلم "ماري بوبينز". رسم الأبنية ونشر الصورة بالصدفة عبر حسابه على الـ"إنستغرام"، و"نال إعجاباً كبيراً، ومن هنا بدأت أنشر أعمالي التي تلاقي تفاعلاً كبيراً من المتابعين".
يختار طوني الخلفية المبنية على صورة حقيقية في رسماته باعتبار أنّ هذه التقنية تدمج بين الواقع الحقيقي والرسم. خصوصاً وأنّه يستوحي رسومه من مناظر واقعية مع إضافة رسماته عليها. ويركّز على الأغاني اللبنانية الكلاسيكية، وهو ما يميّز أعماله ويجذب اهتمام فئة كبيرة من متابعيه.
رغم صعوبة الأوضاع التي يمرّ فيها اللبنانيون حالياً، إلّا أنّها تعطي مساحة كبيرة للفنّان للتعبير عمّا في داخله، بحسب طوني، "أنا ما بعرف عبّر عن شو في جواتي من خلال الكتابة أو الأغاني، شو برسم هو الوحيد يلّي بيقدر". رغم إلهامه واعتياده "الرسم بالورقة والقلم"، يعتمد طوني حالياً على الرسم الرقمي تماشياً مع روح العصر وسرعة انتشاره.
اختارت"اليونيسكو" طوني وخمسة فنانين عرب، لتجسيد أهمية الفنّ في دعم اللغة العربية. كان اللبناني الوحيد، وهو يعمل مع بعض الجمعيات غير الربحية في لبنان وسط غياب أيّ دعم رسميّ له. شارك من خلال رسوماته في كتاب "من أحياء الكرنتينا" الذي يتمحور حول انفجار الرابع من آب وكيف أثّر على منطقة الكرنتينا.
كغيره من اللبنانيّين، شكّل انفجار الرابع من آب علامة فارقة في حياته. رغم صعوبة الوضع آنذاك، نشر رسمًا مليئًا بالأمل مع تعليق "قومي من تحت الردمِ" لرجل مصاب يقوم بتنظيف الركام. وفي رسم ثانٍ، أظهر امرأة وضّبت أغراضها ولا تدري إلى أين تذهب. من رسومات طوني الفارقة أيضاً، تشجيع المغتربين على التصويت خلال فترة الانتخابات النيابية من خلال رسم للبنانيين من مختلف الدول يحلمون بالعودة إلى لبنان.
واقع الهندسة اليوم شبيه بأوضاع البلد وهو من أكثر القطاعات تأثراً بالأزمة. إلّّا أن طوني وكثراً يعملون مع شركات خليجية وأوروبية لتسيير أمورهم في ظلّ الأوضاع الراهنة. ينطبق الأمر نفسه على الرسّامين، وبحسب طوني "الموهبة وحدها لا تكفي في عصرنا هذا، والشخص بحاجة إلى علامة فارقة كي يتميّز عن غيره في ظلّ ندرة الفرص المتاحة".