في مقابل مشهد طوابير البنزين وتحليق سعر صرف الدولار، شهدت مدينة جونية واقعاً مختلفاً، تطلّبته الصّحة النفسيّة للمواطن اللبناني المتخبّط بالفوضى التي أوجدها زعماؤه: عائلات وشباب هرعوا إلى مجمع فؤاد شهاب الرياضي كي ينعزلوا بالموسيقى والفنّ عمّا هو خارج أسوار هذا المجمع في حفل مجّانيّ أحياه "دي جي رودج" والفنانة اللبنانية نانسي عجرم حمل عنوان "نحنا لبنان".
تصوير: مارك فياض
في تمام التاسعة والنصف مساء، غصّ المدرّج والملعب باللبنانيّين الذين حجزوا بطاقاتهم المجانيّة واستعدّوا للغوص في رحلة "دي جي رودج" الممتعة، هاتفين باسم لبنان وعاصمته بيروت.
قدّم الـ "دي جي" المخضرم عرضه المعتاد، لكنّه كثّف من الأغاني الوطنية أمام حشود بالآلاف: "لبنان رح يرجع"، "اشتقنالك يا بيروت"، "عم بحلمك حلم يا لبنان"، مطعّماً إياها بالنفس الشرقيّ والغربيّ، وملبّياً أذواق حضوره في تقديم مزيجه الذكيّ من الموسيقى الإلكترونية، عبر حضور القديم منها كما الحديث.
تصوير: مارك فياض
انضمّ الحدث الفنّي إلى المبادرات التي انطلقت منذ فترة، والتي دعت إلى ضرورة إعادة لبنان إلى خريطة الفنّ والثقافة والموسيقى بالأسلوب المجانيّ، حيث تكاتفت مرّة جديدة الأيادي البيضاء لأجل تأمين جميع المستلزمات الكفيلة بإقامة حفل على أكبر الملاعب في لبنان وبأحدث التقنيّات والمؤثّرات البصريّة.
تصوير: مارك فياض
تقول شانتال طربيه، وهي واحدة من المنظمين للحفل في شركة "JCT برودكشن"، إنّ تنفيذ هذا الحفل المجانيّ يستحق العناء، خصوصاً في هذه الفترة؛ وذلك في سياق تعبيرها عن سعادة خاصّة تغمرها لرؤية الجيل الشبابي الذي عانى ما عاناه يستمتع بهذه اللحظة.
وتقول في حديث لـ"النهار": "أصررنا على أن يكون الحفل مجّانياً فوق أرض الملعب الأكبر في لبنان، ملعب فؤاد شهاب، أحد أقدم الملاعب"، منوّهة بالتدابير الأمنية "التي نفّذت على أرض الملعب؛ فالتنظيم والأمن عنصران أساسيّان بالنسبة لنا، وسبق لهذه الشركة أن استضافت في التسعينيات الفنانة الراحلة وردة الجزائرية، والسيدة ماجدة الرومي، وعمرو دياب، وبينك فلويد وسكوربيونز. وكنّا نسعى لحضور هؤلاء النجوم في المهرجانات الفنية حتى نعيد لبنان محطة أساسيّة للفن. اليوم، إنجاز هذا الحفل يعتبر خطوة مهمّة بالنسبة لنا، وأصررنا نحن والفنانة نانسي عجرم على أن تنفيذه يجب أن يكون بشكل مجاني".
تصوير: مارك فياض
شعور السعادة كان جليّاً على الفنانة نانسي عجرم التي اعتلت المسرح ووجّهت كلمتها من قلبها إلى قلب جمهورها: "لأنّ لبنان يستحق ذلك وأكثر، نحن هنا. لأن إرادة الحياة والاستمرارية لدينا أقوى من كل شيء نحن هنا. لأن نحن لبنان وأنتم لبنان، نحن هنا". وتابعت: "اشتقنا، أنا اشتقت كثيراً، لقد اشتقت لكم، وإذا بقلكم إني مبسوطة معكم ما بكفّي".
وحرصت عجرم على توجيه الشكر لجهود كلّ من بلدية جونية وشركة "JCT برودكشن" وبيار الضاهر، الذين آمنوا بضرورة تفعيل حفل كهذا لأجل نثر الفرح على اللبنانيين.
تصوير: مارك فياض
قدّمت عجرم في الحفل برنامجاً فنّياً جمع بين أرشيفها القديم وجديدها، فحضر جديدها "صح صح" وأغاني ألبومها "نانسي 10" مروراً بالقديم الذهبي لديها. فنانسي تصرّ دائماً في حفلاتها على إعادة شريط بداياتها في "أخاصمك آه"، و "آه ونص"، و"يا سلام" كتذكير ضمني برحلة صعودها إلى النجومية التي لم تأتِ إليها على بساط من ذهب.
ظهرت عجرم على جمهورها بإطلالة ناعمة، تغمرها ابتسامة الرضا، التي ازدادت بعدما لمست حاجة الشباب اليوم - على وجه الخصوص - إلى مبادرات فنية وموسيقية، تنتشلهم من قدرهم المفروض عليهم، والذي لا يشبه أسلوب حياتهم المحب للحياة.
تصوير: مارك فياض
حصدت عجرم ترند السوشيل ميديا ضمن هاشتاغ "نانسي في جونيه"، و"وّلعت الجو"، وزرعت بسمة مسائية على جمهور حضر من كلّ لبنان، وتفاعل افتراضياً على مواقع التواصل الاجتماعي مع أجواء الفرح "المجانية"، التي باتت مطلباً تبنّاه أخيراً عدد من الفنانين والمنظمين والمنتجين، ويجب أن يُستكمل، لأنّ الصورة البيضاء الوحيدة للبنان اليوم باتت متجسّدة فقط بالثقافة والفن والموسيقى، أما الباقي منها فـ"مسروق" من الحاكمين بأمر البلاد، ولا حياة لمن تنادي.