لا تزال الدراما في مجتمعها الضيّق. لا تزال تظهر خجولة على الرغم من امتلاكها سمعتها. ثمّة دراما جلفة. أخرى وجودية. الأخرى لا تخطر على بال، لأنها بلا حلول وهي تقوم بمداعباتها المتهورة. معظم ما قدّم هذا العام، انساق إلى رذيلة الحنين، حتى ولو قام على الالام الإنسانية. لم تتظهّر الدراما كالقبل المدوية، لأنّها زهت بنفسها، قبل أن يزهو بها الآخرون. ثمّة من اعتبر نفسه محور الكون، بحيث لم يملك الذكاء ليتصنع شيئاً من التواضع. هكذا، اخترع الواحد والآخر أمياله البحرية وهو لا يزال بعيداً من ميله الأرضي الواحد على سطح لم يعالج نفسه بصنف من أصناف الحلوى. أحد المؤدّين في "نظرة حبّ" وَدَّ دراماه وهو لا يزال في مراحل التصوير. ثمّ، وقع على واقع أنّ الدراما لم تقدر سوى أن ترتاب بصحّتها. أن تقرأ جزءاً من سمعة الدراما في دراماه. ما حصله "دراما". لا وجهة في الدراما. لا وجهة تصح. ولا وجهة صحيحة. ولا وجهة تملك آداب مجاملة الصحّ. فجع المؤدّي بلحس "نظرة حبّ" أذن الدراما لا أكثر. تَعَلُّم العزف ضرورة. ولكن جزءاً واسعاً ممّن يعزفون لم يتعلموا العزف. هكذا، وجدوا أنفسهم فوق نضيدة من التبن، لا فوق الصفات. ولا أمام الأرغن. ذلك من عجرفة لا تذهب إلى غرفة لكي تنام.
لم تملك الدراما في رمضان العام 2024 فضيلة تبديد الأحزان. إنها الأضعف في استعراضاتها وفي ابتعادها عن فناءاتها الفسيحة، لأنها إذا ودعت نفسها ودعت نفسها مغمومة من ردود المشاهدين. ولكي لا يظلم منتجو الدراما ،لم يترك هؤلاء الدراما مغمومة وهي تواجه الضيق من الواقع على الأرض، لا ممّا يخطر على البال. الأزمة الاقتصادية في المقدم. حلقة عنيفة من حلقات لا تزال خدودها موردة. اضطراب الحال الاقتصادية قاد إلى لا توازن، إلى تراجع مرحلة التوسع في انتاج الدراما. الاقتصاد في لبنان اقتصاد ريعي. لا يزال كذلك. اقتصاد هشّ لا يقوى على المقاومة والصمود. ولأنّ السلطات لم تسمح في أن تمرّ الدراما في المفاهيم الاقتصادية بحيث ينظر إليها بتقدير، كواحدة من الوجهات الاقتصادية الصحيحة، لا يرتاب أحد بقواها على توفير الرواسخ الاجتماعية والاقتصادية، ما يجعل الجميع كاسباً، بقيت الدراما كابتسامة خالة زائرة أو عمة كهلة. حين أنها تمتلك من الإشعارات الواضحة، لا الخفية، الكثير، من تأمين الوظائف إلى تشغيل القطاعات من الفندق إلى المطعم و"تتبيلة" تغطية جزء من قطاع تأجير السيارات واتباع السلوك نفسه في قطاعات أخرى.
من مسلسل "تاج"
تستطيع الدراما أن تغطي هذا القدر. ولكن تفعيل الأمر يتخطى إقرار القانون المهني للنقابات إلى تعجيل وضع طرق إعداد الدراما على سكة تعنى بتحقيق وسائل الإشباع (في جزء منها) من ذاتها كقطاع إنتاجي. لا كقطاع قليل السكر، يكاد لا يحيا إلا في شهر الصوم. جزء من منح القطاع حساسيته في تنمية الموارد. إذ ذاك، لا يعود يخضع لا للإلهام ولا للوميض. يصبح جزءاً من تطور غير متوقع للنظام المالي. هذه واحدة من حيويات عيش القطاع. استمرار القطاع. الأزمة الاقتصادية الخانقة، تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة، انهيار العملة المحلية، تعاظم التضخّم. عوامل جعلت حياة الدراما مليئة بالمشقات، ما دفع المنتجون إلى القفز فوقها بسلوك الكيان الفردي سلوكه في المنشأة والاقتصاد. تمتع المنتجون باتباع سلوك الدوافع في ابتكارات رفضت الانقياد إلى مفهوم الاسترخاء وسط الأزمة. تغطية محسوسة في مواجهة العالم الاقتصادي الفظّ.
إذن، لا تزال الدراما طبقاً مقلوباً على وجهه. لن تتقد دوماً ما لم ترتب حاضرها على ماضيها في قراءة تدفعها إلى مستقبلها، بحيث لا تراوح في طفولتها ولو بدت راشدة في بعض المنتجات. هذا سبب حاسم في وجود الدراما كقطاع لا صلاح له وهو يولد رؤوسه من تحت شراشف السرائر الخفية. ثمة أسباب أخرى في هذا القدر الضخم، أولها سيطرة النجم أو النجمة على بسطاء العاملين في التأليف للتلفزيون، بحيث أضحوا يعلمون سلفاً أنهم محكومون بالتأليف لمن يمتلكون أهمية حاسمة في عمليات انتاج الدراما وفي بيعها بعد وجودها على قيد الحياة. وهي سيطرة كلية لا سيطرة جزئية. لا سيطرة على الوحدات الجزئية في الدراما. إذن، لا محتوى إلا على عواطف النجم، عواطف تكشفه على حقيقته، أو حقيقتها، عند أدنى هفوة. هكذا، ترتب الدراما على فخر بعض النجوم، براغماتية بعضهم، أناهم العليا. هكذا، اضحى شرط عدم تجريد النجوم من أسلحتهم شرط الدراما في إشعاراتها الأولى والأخيرة. قدر من المشاهد، الكلام. قدر من المقاطع، الحوارات، الجلوس إلى مائدة الصمت المعبّر. لا يمكن هجر هذه الشروط، ليوجد النجم إلى جوار نفسه لا إلى جوار الآخرين أمام مرأة مهشمّة، تفخر قطعها ببرودته أو بحريته المطلقة. لأنّ بعض المخرجين لا بجرؤون على إطلاق ملاحظة أمام النجم أو النجمة. رجال وسيدات منزوعو العظام يسيلون في أدوارهم بكميات كبرى من الملح الزائد والفلفل والتوم والكزبرة. لعب عابد فهد، كمثال، مع محمد عبد العزيز في "نقطة انتهى" فوق طبقاته لا فوق طبقات إظهار الاهتمام بتقديم الدراما باهتماماتها وشروطها وحاجاتها. شخصية لا ترضى بهجرها ولا باعتبارها سوى مصدر الرقة والقوة في الدراما. رقيتها السحرية. شخصية يدور كلّ شيء حولها، حتى الشفقة عليها. شخصية مشحومة، لا يهمّها سوى نفسها لا محاور الدراما ولا طرقها. جراد البحر ينتصر على تغذية البحر بالسمك.
النص واحد من أزمات الدراما إذن، بتقديمه وروده الطازجة إلى نجوم الأعمال. ثمّ، بافتقاده السعي إلى مباشرة تأسيس المستعمرة على الأحداث والتفاصيل ذات الالتقاطات الواعية. لا شيء من ذلك مع من قدّموا دراماتهم، كما تقدم المطاعم الفطور أو الغداء أو العشاء للزائرين. لا فجر. إذن، لا مساء. لا أوقات بين الوقتين. لأن الدراما، لا تزال في الوعي الأول. الوعي العمومي. وهو الأول في سلم الوعي بحسب البروفسور الروسي سافيلييف. لا تزال في الوعي الأول، بعيداً من الوعي الآخر على سلم الوعي. وعي اكتساب المعرفة من العارفين. من يعرفون كيف يؤلفون في العالم. كثرٌ. يكفي مشاهدة سيتكوم حتى يحفظ مؤلف حضوره الأول، لكي يبقى على قيد الحياة. شمعة المؤلف شمعة عيد إذا ما حققت مقايضتها بين فقرها المادي وثراء خدمتها للنجوم والإنتاج. وإذا استعصى الأمر يقوم الإنتاج على انتاج ورشة كتابة، تمزج بين الفانيلا والليمون بدون أن تملأ الرؤوس والأنوف بالروائح الحلوة. وبدون أن تهب العين ما هو منتظر منها. ورشات لا يهم أبطالها سوى اكتشاف مدى إعجاب جهات الإنتاج بمراقبتهم وهم يعملون لدنياهم وتجميدها في الصور والمشاهد المتوالية. لن نصل إذن إلى المرحلة الأخرى من المراحل الثلاث. مرحلة الإبداع. السعي إلى اختراع حياة لا قدور. القشدة لا براميل الحليب الفاسدة.
هكذا، أضحت الدراما دراما مدخنة. دراما مدخنة كالسجق المدخن. لا دراما مصممة على الأسرار، الغموض الإيجابي. لذلك ،علقت الدرامات نهاياتها بسرعة كما تعلق القرويات الجرمانيات ملابسهنّ على حبال الغسيل. نهايات متشابهة. هجرة بحرية، اغتيال، قتل، تواطؤ بين السلطات لتصفية مافيوزو. الأخير محط أعجاب في الدرامات. لن تمر دراما بدون اهتمام به. كما لن تمرّ بدون الإعجاب بالخيانات. يقيم الطامح إلى المجلس النيابي علاقة جنسية مع شقيقة زوجته في "نظرة حبّ". نزلاء البرلمان، من يحلمون بأن يضحّوا نزلاء برلمان جاهزون في الدراما، بحيث لن تستطيع أوراق عديدة استطلاع حضورهم. فكرة بوجه واحد. تعشق مولودة العائلة الثرية مصلح سيارات. يفاوض الأخير العالم من ما يستوحيه من الحياة. حياة محدودة، تنتهي بلقطات على شاطئ البحر، طويلة طويلة. كلقطات الرقص الطويلة. لقطات تكشف مدى إعجاب الإخراج بزوربا، من دون أنطوني كوين. مؤديه هو كوينه. لا ضبط. وصف، سرد، تداخل في السرد، حكايات لا يرغب أحد في طلب المزيد منها. كلام على السياسة (نظرة حبّ ، نقطة انتهى …) أو التسييس (الحشّاشون). وهي في الحالين، تعاظم المنافع الشخصية على حساب المجموع العام.
فوضى الكتابة لا من فقدان الأخلاق العامة، من فقدان أخلاق الكتابة. أو الدراماتورجيا. إنها مفقودة تماماً، بحيث لن تحتشم دراما وهي تذهب إلى إدراك تطلعات آبائها وأمهاتها. لا صَهْر، لأن لا دأب. لا دراماتورجيا. الدراماتورجيا إقامة صلات القربي بين الأشياء. تعريف المفاهيم في إقامة الحجج. تعريف المفاهيم في مزج الحجج في نظريات مدعومة بنظرية الاتّساق. وهي نظرية واسعة النطاق لها منظورات تاريخيّة ومعاصرة.
مسلسل "عَ أمل"
الدراماتورجيا مؤلف مثالي غير موجود في معظم الدرامات. هكذا، يغيب المنطق في بناء الأحداث، المواقف، كيفية تناول القيم والإستراتيجيات والنظريات المهمة في فهم الفنون والوسائط. لن يضحّي أهل درامانا شقراً بغياب الدراماتورجيا. لذلك، تبحث الشخصيات عن ذرائع، حتى بعد انتهاء الدراما. كما تبحث الأحداث والمواقف. لم تدخل الدراماتورجيا إلّا إلى القليل من المخادع. هكذا، زوّجت بعض الدرامات نفسها للفوضى. أو للأفقية. أو للوقوع بعيداً من التقميش وهي تتجنّب الاختلاط والتزاوج. فكرة واحدة. أو لا فكرة. بحيث يمكن أن يرى البطل كروبوت وهو يقود سيارة على طريق حلقة كاملة. أو أن يقيم في كوخ مهجور.
فقدان النصوص الفطنة، يقود إلى لقطات إخراجية فروية تعوّض عن ضعف التأليف. قلب ملابس بعصبية. كلوزات لا تنتهي. كلام لا يقرب الشباب الجامح لأبطال الدراما. بذا، وقف المخرجون أمام نصوص بملابس خفيفة تبحث، ولا تزال، عن ذرائع. تبحث ولا تجد. ثمّ، أنّ ثمّة ما أعاق قيام بعض الدرامات. إنه السلالة. أي تقليد الأصل وادعاء النسب في الأجزاء الأخرى. زواج لا ينجح. زواج بندوق، مبندق. "نقطة انتهى" هو الجزء الآخر من "النار بالنار" (صور المخرج الجزأين في شارع واحد). دخول شبح إلى مخدع من يخاف الأشباح. "عَ أمل" (إيغلز فيلم) راق، سوى من رقصات الرومبا في النص. نص نوع اجتماعيّ، ينمّط، ما أوقع رامي حنا في معالجة الجينات الناقصة في النص. رجال يقتلون لأنّهم يحيون بعيداً من المدينة وهم لا يتحسرون، حين تتحسر نساؤهم. ضعف النصوص، غرس الشكّ في التشكيل بصالح الشكلانيّة. "تاج" (سامر البرقاوي/ تيم حسن/ شركة الصباح) ملحمة بصرية، لم يستطع عمر أبو سعدة مؤلفها أن يصهر نفسه في نصّه كما فعل في نص "الزند". واحدة من أيقونات الدراما في تحقيقها مصنعها. مصنع ذو ملامس عاجية. كأنّ النصوص في معظمها، في إشارات تخلّف عن رؤى الصهر الكامل لدى المخرجين.
مسلسل "نقطة انتهى"
بذل الجميع مبادراتهم لكي لا تمضي الدراما في غيبوبتها. هذا محمود. احتكاك، مغامرة، فدائية. إلّا أنّ قراءة ما طرأ من تبدلات سوف لن يسمح بغرز سكين في اشد أعضاء الدراما حساسية. التلاحظ ضروري. الملاحظة. لكي لا تخف وتائر العمل. لكي لا يهجر. ما حدث، حدث كما يخرج الكوكو من بوابة ساعته، مع تبدل وقع على سلوك العالم، من حرب دولة الاحتلال الإسرائيلي على غزة وتقديم لحمها على طبق مباغت، إلى حرب أوكرانيا، إلى ما لا خير في الكلام عنه. لا شكّ، في أنّ الدراما تملك متقدي الذهن، عظماء الغريزة والصمود، من سامر البرقاوي إلى رامي حنا ومحمد عبد العزيز إذا ما عاد إلى نزله وفيليب أسمر وسيف السباعي وتيم حسن ونادين نسيب نجيم ورفيق علي أحمد وسلوم حداد وديما قندلفت ومحمد الأحمد وماغي بو غصن وعمّار شلق وبديع أبو شقرا وغيرهم. واظبوا على عدم جعل الأيام خالية. غير أنّ الكريما المخفوقة لا تصنع جبلاً. كما الجيلو. أقسى المهام أن تلاحظ. ولكن القسوة تخف إذا ما جرى غرسها في عقل الدراما والدراميين. وهذه ملاحظات، لا قرارات متهورة.