النهار

"ستاند أب طوني أبو جودة"... بكاء من شدّة الضحك مع فنّان لم يأخذ حقّه (فيديو)
إسراء حسن
المصدر: "النهار"
"ستاند أب طوني أبو جودة"... بكاء من شدّة الضحك مع فنّان لم يأخذ حقّه (فيديو)
الفنان طوني أبو جودة.
A+   A-
في الخامس عشر من تموز الفائت انطلق الفنان طوني أبو جودة في "سولو" كوميدي حمل عنوان "ستاند أب طوني" على مسرح مونو في الأشرفية. وطوال فترة العرض الذي انتهى في 30 تموز، عبّر الجمهور عن توقه لمشاهدة شخصيّة برتبة فنّان لا تشبه "فنان" المعنى الشائع في يومنا هذا.
 
على مدى 60 دقيقة، أدخل طوني أبو جودة بموهبته المخضرمة الضحك إلى قلوب حضوره؛ والدمعة هذه المرّة التي انهمرت من شدّة الضحك حملت في أعماقها ما يمكن إسقاطه ضمن خانة البكاء من شدّة الضحك على هذا الواقع الساخر، ممّا أطلق العنان للحديث عن اللبنانيّ ونهفاته في عالم السوشال ميديا حول الهاتف المحمول وظاهرة تربية الحيوانات، وصولاً إلى السينما والدراما اللبنانية والبعض من الكوميديا في عدد من الأعمال المقدّمة. ولم يُغفل أبو جودة التطرّق إلى الواقع المأزوم الذي يعيشه اللبناني أمام الفولكور السياسي المقدّم يومياً... وأهلا بهالطلة.
 
 
في العرض المسرحيّ المتواضع، أطلق طوني أبو جودة عبر الضحكات التي رسمها صرخات واقعية، وطرح تساؤلات في محلّها، خصوصاً في ما يتعلّق بواقع المسرح الذي جاءته الضربة القاضية مع جائحة كورونا.
سأل عن مكانة مسرح الطفل اليوم، ودعا إلى ضرورة جعل هذا النوع من الفنون المسرحية مواكباً لعصر الحداثة الذي يمرّ به العالم؛ وطالب بعودة هذا المسرح مع الأخذ بمستوى ذكاء الطفل حتى يكون عامل جذب له في زمن سيطرت عليه عوالم السوشال ميديا والألعاب الإلكترونية.
 
أعطى أبو جودة هامشاً جاداً لدى حديثه عن المسرح، لا سيّما أن آخر ما قدّمه كان قبل عامين، مصارحاً الجمهور بالمتغيّرات التي طرأت على المسرح الكوميدي لجهة تناول الموضوعات حتى الكوميدية منها: "وين كنّا ووين صرنا؟"، غامزاً إلى المتغيّرات الاقتصادية التي زادت من انتكاسة المسرح.
 
في عرض "ستاند أب طوني"، قدّم طوني أبو جودة "بروفة" بالتعاون مع مهندس الضوء والصوت إيلي طرابلسي. اختار الموضوعات القريبة من الواقع، والبعيدة عن تذكير ما فعله السياسيون بمواطنيهم. لكنّه أمام هذه الجرعة التي تزيل الهمّ عن القلب، لم يُفرد أبو جودة جميع عضلاته الفنيّة. أنهى العرض مشدّداً على ما هو قادر على تقديمه في ظلّ غياب الدّعم الماليّ.
 
 
نهاية العرض كانت بتقديم "مدلي" باهر، عرض فيه أبو جودة مهاراته في تقليد أصوات فناني فترة الثمانينيّات، وكان مسك ختامه بالفنّان الأحب إلى قلبه مايكل جاكسون، إذ عمد إلى تذكير جمهوره بأنّه كان أوائل من قلّدوه عندما كان في التاسعة عشرة من عمره.
 
قدر الفنان كطوني أبو جودة أن يجهد للوقوف بنفسه لأنه مؤمن بضرورة استمرار المسرح، ولا سيّما الكوميدي منه، وقدر طوني أبو جودة أن يولد في بلد لا يقدّر مبدعيه.
 
ومنذ أن كنت يافعة، عندما كنت أتسمّر أمام الشاشة الصغيرة بانتظار ما سيقدّمه أبو جودة في برنامج "مُنع في لبنان"، كنت أغصّ بنفسي، وأقول: "لو كان طوني أبو جودة في بلد آخر، ومن دون أيّ مواربة، لَهبّ المسؤولون فيه عن الإبداعات والفنون إلى اغتنام هذه الثروة الفنيّة وتزويده بالموادّ التي يحتاج إليها ليُخرج جنونه الإبداعي الذي هو موهبة من عند الله، ولكن لا حياة لمن تنادي".
 
فالبلد الذي يُهرع إلى تكريم فنّانيه بعد وفاتهم هو فعلياً موجود صوريّاً على خريطة الفنون اللبنانية. وإن كان أبو جودة من خلال مسرحيته الأخيرة جسّ نبض الجمهور، وقدّم ما قدّم بإمكانيّات متواضعة عرضاً من القلب إلى القلب، ومن الضحكة تلو الضحكة، فقد فاز بالرّهان؛ ولعلّ هذه الافتتاحيّة تحثّ الغيارى على الفنّ لدعم المبدعين مثله، كي يمضوا مع التيّار المنتفض على واقع غير مأسوف على شبابه.
 

اقرأ في النهار Premium