نصادف في الساحة الفنّية ألقاباً لا تُعدّ ولا تُحصى لشخصيات تدفع الجمهور الى عدم تقدير المواهب الذهبية في هذا العالم الممزوج بالكلمات والألحان والصوت أو الكاريزما. هي ألقاب لشخصيّات ما تلبث أن تتّضح حقيقتها عندما تولد وتختفي في فترة قصيرة ضمن موجة "الترند" السطحية. لذلك، فإنّ حاملي لقب "مطرب" أو "نجم" يوضعون أمام مسؤولية ما يطلق عليهم من ألقاب.
ومساء الجمعة يشهد على موهبة ذهبية أضاءت المسرح بلمعانها في "فوروم دو بيروت". ليس تبخيراً لصاحب صوت جميل، فللمسرح أيضاً شخصياته، فماذا لو كان ناصيف زيتون يجمع الصوت والأداء والكاريزما ومتعة المشاهدة والاستماع معاً لنجم يحسن اختيار الكلمات والألحان من نجومها. يستحق زيتون أن يكون بين النجوم الثابتين في لمعانهم.
أوّلاً، لم يعد الجمهور بمختلف فئاته العمرية يتفاعل مع فنان لا يصدح صوته كما صدح صوت زيتون في "الفوروم"، طيّع موسيقى أغنياته بحنجرة لا تعرف الاهتزاز، قدّم روائعه التي ردّدها محبّوه، مطالبين إيّاه بإعادة أداء عدد منها.
ثانياً، يفقه زيتون جيّداً معنى أن يكون نجماً محبوباً، لذلك يعي مسؤولية أن يكون لديه منهج ثابت في فنّه يخضعه لتعديلات تتناسب مع الحداثة، لكنه لا يحيد عن الهويّة والموهبة الفنية التي أوصلته إلى أدراج الشهرة.
والأهم من ذلك، أن زيتون تجاوز النجومية والشهرة، وأفلح في إيجاد أرضية مشتركة بينه وبين جمهور هدفها الأساس إسعاده ومناجاة حالاته العاطفية والإنسانية، وهو بات يعلم أنّ كل هذه العناصر كفيلة بضمان بقائه في أعلى القمّة ضمن خيارات ستشعره بالفخر والرضى كلما استعاد أرشيفه الفنّي.
هكذا كانت أجواء حفل "الفوروم" الذي نظّمته شركة "Double Eight Production" لمتعهد الحفلات ميشال حايك. أحياه زيتون حاملاً معه جرعة لا تقدّر من السعادة طردت الهموم والأوجاع. على مدى نحو ساعتين، غنّى من دون كلل، أدّى مختاراته الفنية بطاقة إيجابية من الصعب ألا تصيبك في العمق، فتجد نفسك متخلّياً عن الكرسيّ، ملوّحاً بيديك نحو ساحة الفرح التي أوجدها، مطلقاً العنان لحنجرة أخرجت الطاقات السلبية واستبدلتها بأخرى طعمها الجوهري الشعور بالسرور والترفيه.