النهار

بيار شمعون الذي أنعشت ابتسامته الأمل المفقود...
إسراء حسن
المصدر: "النهار"
بيار شمعون الذي أنعشت ابتسامته الأمل المفقود...
الممثّل الراحل بيار شمعون.
A+   A-
بعدما أضحت الابتسامة في حياة اللبناني عملة نادرة، استوقفني اقتباس للروائي والصحافي غابرييل غارسيا ماركيز: "لا تتوقّف عن الابتسام حتى وإن كنت حزيناً فلربما فتن أحد بابتسامتك". هكذا كانت حال الممثل اللبناني بيار شمعون، زرع فينا الضحكة والفرح وجعلنا نفتن بابتسامته.

رحل صاحب الابتسامة العريضة والروح النقيّة، "الطيّب والآدمي" كما أجمع زملاؤه ومحبّوه بعدما صُدموا لفقدان هذا الإنسان العزيز على قلوب الجميع. تعرّض بيار لوعكة صحّية مفاجئة، نُقل على إثرها إلى المستشفى، خانه قلبه المحب صباح السبت بعدما كان يحرص على عدم إغفال صحّته لا سيّما وأنه كان يعاني من مرض السكري.

أرشيف شمعون المسرحي والتلفزيوني على وجه الخصوص يحفل بالأدوار الكوميدية التي أدخلت الفرح والسرور. ولعلّ الكاتب والمنتج مروان نجّار اختصر الكلام ونعى الراحل كاتباً في حسابه عبر "فايسبوك": "حتّى بيار شمعون؟ حتّى هذه الابتسامة تمحى اليوم عن وجه بلدي؟ لأيّ صوت، لأيّة ردود فعل، لأيّ ضحك يدوّي في القاعة ستولد المواقف والكلمات حيث لم يعد على الخشبة حضور پيار وامتلاكه سرّ كلّ لحظة وكلّ حرف؟".

ويروي نجّار هذه الكواليس الذهبية العتيقة التي جمعته بشمعون بعد انتهاء مسرحية "عمّتي نجيبة"، إذ يستعيد قوله له حينها: "لقد طبّقتَ نصائح براندون توماس كاملةً من غير أن تطّلع عليها"، مضيفاً: "نقلت له امتنان النصّ الكلاسيكي قبل امتنان فرقتنا وجمهورنا. كانت الكوميديا حقيقة علميّة تسري في كيان بيار بالفطرة والدراية. ما أكبر رقعة الفراغ من السعادة في بلدي، والفراغ من أمل بسعادة تستعاد. على الموعد يا بيار… هذا كلّ ما تبقّى من عزاء."

ومن يستطيع أن ينسى حضور بيار الوازن في برنامج "بس مات وطن"، إذ تقول الزميلة إليان الحاج، التي عملت معه على مدى أربع سنوات: "روح المرح التي كان يصدّرها بيار إلى المشاهد كانت متمسّكة به في الكواليس وفي حياته اليومية. كان ينثر الفرح ويملك قلباً وحضناً دافئين". وتضيف في حديث لـ"النهار": "كنّا نعلم أنه كان يمرّ في ظروف معيّنة، لكنه لم يمتلك القدرة يوماً على التعبير عما كان يخالجه في الحقيقة بصوت عالٍ، يتعامل مع كل أزمة بسلام وينتصر عليها بالضحكة. سأشتاق إلى فنجان القهوة والوفاء النادر للمحيطين به".

قدّم شمعون أعمالاً مسرحية وتلفزيونية ستبقى في الذاكرة، فإضافة إلى مسرحية "عمّتي نجيبة" وبرنامج "بس مات وطن"، قدّم "هريبة يا أوادم"، و"عريسين مدري من وين"، ومسلسل "عيوق ورفقاتو"، وخرج من عباءته الكوميدية عبر مسلسل "رصيف الغرباء" الذي كتبه شقيقه الكاتب طوني شمعون.

تقول ألين لحود التي شاركت معه في مسلسلي "الرؤيا الثالثة" و"شريعة الغاب"، إضافة إلى مسرحية "ع أرض الغجر" إنّ بيار كان بمثابة أب لها، وتضيف في حديث لـ"النهار": "كان أباً بالمعاملة والحنان، والأهم أنه كان حقيقياً وعفوياً ومتواضعاً."

تستعيد كواليس العمل معه قائلة: "كان منضبطاً في العمل رغم خبرته وحرفيته، اهتمامه بالجميع كان طاغياً، إضافة إلى محبته الحقيقية وابتسامته التي لا تفارق محيّاه. تمنّيت لو أنّ ما حصل لبيار كابوس وانتهى، لكنه تبيّن أنه حقيقة". تعترف ألين أنّ الموت حق ولكنها تشير إلى أنّ "مشكلتنا إلى اليوم أننا لا زلنا لا نتقبل فكرة الموت المفاجئ، وبيار رحل عنّا فجأة".
وزير الثقافة محمد وسام المرتضى نعى الراحل في بيان: "نجم جديد يسقط من فضاء الفن اللبناني، بعد عقود طويلة من التألق على المسارح والشاشات. بيار شمعون الذي سكن عيون أجيال في مختلف الأدوار التي لعبها، أغلق اليوم الصفحة الأخيرة من كتاب عمره الزمني، ليفتح الصفحة الأولى من كتاب عمره النوراني، وهاجر من الأرض التراب ليقيم في ذاكرة الثقافة وأشواقها". وأضاف: "عزاؤنا الحار لعائلتيه الصغرى والكبرى وللوطن الذي سيفتقد حضوره" .

ويقول وسام صبّاغ في حديث لـ "النهار": "بيار هو مثال أعلى بالنسبة لي، فلا يمكن أن أنسى أنّ أوّل المسرحيات التي عملت فيها في حياتي كانت معه بعد تخرّجي، وكانت "هريبة يا أوادم" و"نادر مش قادر". تعرّفت حينها على عملاق غطّى سماء المسرح بموهبته الكبيرة، كنت أراه بعين كبيرة. أتمنى أن أكون في يوم من الأيام كـ بيار، قادراً على زرع البسمة بين الناس كما كان يفعل. هو صاحب القلب الأبيض".

ويتابع: "كنت حريصاً على أن يكون حاضراً في زفافي، أذكر كم أدخل الفرحة في هذه المناسبة وفرّح الناس. ضيعانو! كان ينصحني كثيراً، كان ينبّهني من الأخطاء كي لا أقع فيها، وقف بجانبي في بداية طريقي. أعطاني الأمل، لا سيّما أنه جمعنا حب مشترك وهو الحب للكوميديا الهادفة وصاحبة الرسائل، راح بسرعة وفي هذه الايام الصعبة إذ لم نفلح في الالتقاء كما اعتدنا في السابق".

يختم كلامه صبّاغ بغصّة دامعة: "ذهب بيار بحالة نفسية لا تشبه ما كان يظهره علينا من ابتسامة، في ظل غياب الدولة الغافلة عن الكبار الذين هم واجهة البلد وواجهة الثقافة والابداع، بلد لا يقدر الكبار والمبدعيه ومثقفيه، موهبتنا للاسف عندما تخلق ببلد كبلدنا تُظلم كثيراً، ولو قدّر لها أن تولد في أماكن جغرافية أخرى لحازت كلّ التقدير وكانت مرتاحة أكثر".
يُذكر أنّه يتم تقبل التعازي برحيل شمعون من الحادية عشرة قبل ظهر اليوم الاثنين حتى السادسة مساء في صالون كنيسة مار أنطونيوس الكبير - جديدة المتن.



الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium