النهار

عن المرأة المصريّة في تمظهراتها التلفزيونيّة
نبيل مملوك
المصدر: "النهار"
عن المرأة المصريّة في تمظهراتها التلفزيونيّة
الممثلة منى زكي في مسلسل "تحت الوصاية".
A+   A-
من القراءات الرمضانيّة والتركيبات النقديّة السريعة التي تركض خلف كل حلقة تلفزيونيّة، يمكننا بهدوء التركيز على ما قدّمته الشاشة التلفزيونيّة المصريّة من إشارات وتجسيدات للواقع وإن اختلفتْ طرائق المعالجة. فالمرأة المصريّة احتلّتْ مكانة مهمّة في الأعمال سواء دراميًّا أم كوميديًّا أو اجتماعيًّا، أربع نساء ولن نقول نجمات حملن القضايا الأكثر حساسيّة وعكسنها بتعقيداتها ليتركن إشكاليّة واحدة كيف يولد الحلّ بتفاعل المشاهد أو بتحسّس السلطات المختصّة لمكامن ضعفها؟ يسرا، نيللي كريم، منى زكي وريهام حجّاج، أربع نساء اتخذن التمثيل لإيصال قضيّة النّص ومؤلّفه وإن تخلّخلتْ أحيانًا طرائق التعبير والتجسيد.

الكوميديا والمشكلة
 
اختارت يسرا في "ألف الحمدلله ع السلامة" (انتاج العدل غروب 2023) النًّص الكوميدي الذي لا يشبهها لإعادة طرح مشكلة الإرث وتعاطي المرأة الأمّ مع الاحتيال الذكوريّ، ولأنّ النّص الكوميدي المركّز الذي قدّمه نجوم كبار كعادل إمام أو سمير غانم أو محمود عبد العزيز ببعض الأعمال السينمائيّة ليس ملعب يسرا، اصطدمت الفكرة والأداء بالمساحات الفارغة نصيًّا، فصار المشهد يسهب في تقديم نفسه والحلقات تتكاثر إلى الضعف، ربّما دون أن تكون مصحوبة بنفس تشويقي عوّدتنا عليه يسرا في أعمالها الدراميّة السابقة. هذا الأمر لم يخفِ القضيّة النسائيّة الإنسانيّة الأساس وفتح أفقًا للمغامرة أكثر بغية البحث عن مصدر احتيالهم على إرثها ومنح العنصر الشبابي مثل ميان السيّد و"عنبة" (بويكا) و غيرهما القدرة على التعبير عن ذواتهم وإبراز مواهبهم التمثيليّة خصوصًا أن بعضهم يعدّ من الوجوه الجديدة.
 
ما أنقذ يسرا من هذا الإرباك النصّي والكوميديا المتخلخلة الحضور الكوميدي لشيماء سيف (فوقيّة) ومحمد ثروت (أكرم) وبعض العناصر التلفزيونيّة التي منحت العمل هويّة، فضلاً عن أن السيناريو انتهى بحلول واضحة غير اشكاليّة وهو ما يريح العقل العربيّ منذ الأزل أي ما يعرف بالنهاية السعيدة.
 

القانون وسيّدة المجتمع
 
لم تخرج ريهام حجّاج في مسلسل "جميلة" (إنتاج عدل غروب 2023 ) من شرنقة مسلسلها السابق "يوتيرن" (2022 ). فالمرأة المثاليّة المقتدرة ماديًّا والمحاصرة بالأقربين المتآمرين لم تختفِ، لكن ما هو نوعيّ أن تتقدّم هذه المرأة بمنطق التمرّد في وجه القانون والقضاء المصريّ الذي يرفض منح استثناء في مسألة الإجهاض الذي عدّ منذ فيلم "المذنبون" في سبعينيات القرن الماضي جريمة كبرى. فجميلة، المستشارة في النيابة الإداريّة، وقعت ضحيّة الخبث والغيرة والحقد عبر تلقيح اصطناعيّ تسبب لها بالحمل من شخص غير زوجها زياد (هاني عادل) الذي جسّد دور الرجل المتفهم والشرقيّ الهادئ والمتعقّل وهذا ما يحسب للنّص الذي تمرّد على صورة الرجل التقليديّة لتكون جميلة (ريهام حجاج) بذلك نموذجاً للمرأة المصريّة التقدميّة المناهضة لمنطق القانون الأحادي.




المرأة الريفيّة والإعدام بالرّصاص
 
ساعدت شخصيّة عبد الجبّار (جمال سليمان) شخصيّة نادرة (نيللي كريم) في مسلسل "عملة نادرة" على تجديد لازمة كسر المرأة للخوف من المجتمع الذكوريّ المتحدّر من تأويلات دينيّة وتشبث بقيم ومفاهيم يجب إعادة تعريفها كالشرف والعرض والسمعة والأعراف. نادرة، الممرضّة الريفيّة، ثابرت عبر 30 حلقة لإيصال فكرتين: الأولى، التمسك بالحقّ المعنوي والكياني وهو امتلاك المرأة لإرثها الماديّ وتصرفها بهذا الإرث من دون وصيّة و قتل نادرة لعبد الجبّار أضاء على بعدين سينمائيين لهما دلالة فكريّة رديفة للانتصار والحياة: الأول خلع نادرة للباس الأسود والثاني تجمّع الأغلبيّة النسائيّة حولها كبطلة. أمّا الفكرة الثانية فتكمن بإخراج المشاهد من قوقعة الموضوعات الصعيديّة المحصورة بصراع الذكور أو رجال النفوذ، بالرغم من أنّ الصراع بين حسن أبو عصايا ( كمال أبو ريّة) وعبد الجبار ( جمال سليمان) كان قائمًا لكنّه كان ثانويًّا يساند الفكرة الأساس.
 
يعدّ هذا التمرّد الأنثوي والنصّي إشارة كبرى تمهّد لتغيير واقع الأعمال الصعيديّة أو الريفيّة خاصّة وأن المشكلات المطروحة في العمل كلّها ترتبط بالنساء سواء بالشخصيّة الأساس أو شخصيّات ثانوية.
 

الأم وصدمة روح القانون
 
خمس عشرة حلقة من مسلسل "تحت الوصاية" عرّت أيضًا شوائب قانون الأحوال الشخصيّة المصريّة. فحنان التي أظهرت تحوّل الشخصيّات الذكوريّة من الخير الى الشرّ أو بالعكس لم تستطع بفعل هذا القانون ضمان استقلاليتها الكاملة والخروج باستثناء ولم تعطَ من خلال المرافعة في آخر الحلقة الجديّة في الإنصات . ويشكّل الأداء الدرامي لزكي حلقة مغلقة لأي نقض (هدم) لمنظومة الذكورة المستمدة من الدين واجتهاد يكرّس الذكوريّة المجتمعيّة.
 
حبس حنان الذي سبقه قتل الأبوّة المساندة (عمّ ربيع) شكّلا تحديًا لدى الشخصيّة المصريّة المؤنّثة للبحث عن روح القانون قبل تعديله. وهذا ما يسوّغ حصر المسلسل بخمس عشرة حلقة مكثّفة المضمون تفاديًا لتكرار ما سبق معالجته في الأعمال المنصرمة.
 

شكّلت المرأة المصريّة ارتباطًا تلفزيونيًا قويًّا بنصّها سواء وصل هذا الارتباط بذات الوتيرة إلى المشاهد أم لا لكنّ النصوص بمجملها عكست إشارة مشتركة وهو ما ينسحب حكمًا على مشاهدة هذه الأعمال ونقدها على مدى السنوات اللاحقة حيث عاد النص إلى المنطق البديهي المتمثل بخدمة الشخصيّة والعكس صحيح.

اقرأ في النهار Premium