إيمان إبراهيم
باهت رغم الألوان الزاهية، فارغ رغم تزاحم شخصيات وجودها لزوم ما لا يلزم، شارف مسلسل "تغيير جو" على نهايته (كتابة منى الشيمي ومجدي أمين)، لا شيء سوى الفراغ حيناً والحشو حيناً آخر.
خيبة أمل لم نتوقّعها من مسلسل يحمل توقيع المخرجة مريم ابو عوف وأسماء النجوم منة شلبي وإياد نصار، مع عودة للنجمتين شيرين وميرفت أمين، ومواقع تصوير بين بيروت والقاهرة، أعدّت كل العناصر اللازمة لنجاحه وأُسقط عامل الورق، فخرج العمل باهتاً، تستمر بمشاهدته بدافع الفضول، إلى أين سيصل كل هذا الخواء؟
الحوارات ثرثرة فارغة، المشاهد مجرد حشو، لو حذفت نصفها لما تغيّر السياق الدرامي، الشخصيات الجانبية دخيلة لا على القصة الرئيسية فحسب بل على العمل كلّه، الذي يدور حول حقيبة شريفة (منة شلبي)، فقدتها حين جاءت إلى بيروت حاملة معها أوراق منزل العائلة لتوقّعها الخالة زوزو (ميرفت أمين) المقيمة في بيروت.
سُرقت شريفة في وضح النهار، فاضطرت للعودة إلى نزل خالتها، هناك التقت بفارس (صالح بكري)، تظنّ أنّ علاقة حب ستربطها بخالد (إياد نصار) الأستاذ الجامعي الذي التقت به صدفة في أحد مقاهي بيروت قبل أن تتعرض للسرقة، وبعدها في نزل خالتها ليساعدها في استخراج وثيقة سفر بدل الجواز الضائع، إلا أنّ شريفة تقع في حب فارس.
قصة حب باردة كما الثلج. يحاول الممثل الفلسطيني صالح بكري التحدّث بلهجة لبنانية، تخونه أدواته كممثل، يحاول التركيز على اللهجة فيخرج بأداءٍ باهتٍ، باردٍ، مصطنعٍ، حتى منة المعجونة بموهبة لا يختلف عليها اثنان، عجزت عن مدّ هذه العلاقة بالدفء.
لا تقف المشكلة عند أداء بكري فحسب، ثمّة ممثلون نشاهدهم للمرّة الأولى على الشاشة، أو ربما نلتفت لوجودهم للمرّة الأولى، أداؤهم إحدى أبرز نقاط ضعف المسلسل. مخارج الحروف رديئة لدى عدد كبير منهم، تضيع الحوارات وسط تمتمات مبهمة.
الطامة الكبرى الموسيقى التصويرية التي ترتفع عندما يتحدّث الممثلون ويطغى صوت الموسيقى على الحوار فتشعر بأنّك أمام فيديو كليب. هي كارثة الكوارث، نتساءل كيف أغفل القيّمون على المسلسل هذه الثغرة فمرّت دون أن ينتبه إليها أحد، وكأن العمل أعدّ على عجل، وعند العرض كان أوان الإصلاح قد فات.
تشاهد نصف العمل الذي يمتدّ إلى 15 حلقة دون أن تدري ما المغزى منه. هل هو قصة حب رومانسية تعيشها البطلة في بيروت؟ في هذه القصّة ماذا يفعل إياد نصار ما دوره في العمل؟ هل هو عمل يعالج مشاكل الآباء مع أولادهم المراهقين من خلال علاقة إياد وابنته؟ مشاهده مع ابنته تنقصها الكيمياء، ومشاهد ابنته مع أصدقائها في المدرسة تبدو حشواً لا لزوم له.
المشاهد الفارغة في العمل كثيرة، يطالعك بعضها فتظنّ أنّها النقطة التي يبنى عليها لمنعطف جديد في الأحداث، يتبيّن مع تصاعد الأحداث أنها كانت لزوم ما لا يلزم.
مشاهد العامل المصري مع العاملة الإثيوبية خارج السياق، رغم أنّ هذه الأخيرة بدت متمكّنة من أدائها أكثر من معظم الممثلين في العمل.
مشاهد وسام (سعيد سرحان) وحبيبته أيضاً تبدو دخيلة على العمل، يتشاجران في السوبرماركت، مشهد طويل لا تدري ما الغاية منه، تشعر بأنّك تتطفّل على حوارات لا تعنيك، يفتقد "تغيير جو" اللمعة والحبكة الذكيّة التي تجعلك تتورّط عاطفياً مع أبطاله، في المسلسل لا أبطال ولا حبكة ولا حوار... لا شيء سوى مشاهد جرى تجميعها كيفما اتفق، فظهرت على الشاشة مضعضعة.
حتى السياق العام للقصة المتعلق بحقيبة شريفة بدا غير متماسك، يتمكّن العامل في المحطة من مشاهدة السارق الذي عاد ليملأ خزان دراجته النارية من المحطة نفسها التي ارتكب فيها جريمة السرقة، يضع الطعم لنفسه ويتجرّعه ويسلّم الحقيبة صاغراً، لتبدأ قصّة جديدة بطلها هذه المرّة عامل المحطة. شخصية دون ملامح، تجده يفتّش في حقيبة شريفة، يلمح جنيهاً مصرياً، يعانقه ويقبله بحرارة المغترب المشتاق إلى رائحة وطنه، يضرب لصاحبة الحقيبة موعداً يتخلّف عنه لاضطراره إلى الهروب من دورية للأمن العام لمخالفته شروط الإقامة.
وبعد عدّة حلقات يتصل الشاب بشريفة لمساومتها على الحقيبة، هو نفسه الذي ذاب شوقاً أمام صورة الجنيه يستغل ابنة بلده التائهة في بيروت بصورة قذرة.
لمحة بسيطة عن مسلسل تمرّ حلقاته دون أحداث تذكر، تعطي ميرفت أمين بحضورها الجذاب روحاً للعمل، إلا أنّ دورها يبقى مجرد دور عادي، مكانك راوح داخل المقهى والنزل الملحق به، تهتم بزوجها المقعد، تهتم بابنة أختها، تدور في حلقة مفرغة، لا شيء سوى ذلك.
شيرين بدور والدة شريفة بدت أكثر عمقاً، هي المرأة المدمنة على الأدوية المهدّئة، نزيلة مستشفى الأمراض العصبية، عبء على نفسها وعلى كل من حولها، تحاول ترميم نفسها فتهدم كل ما حولها. شخصية معجونة بالمعاناة، لا تغرق في الكآبة، ظريفة رغم كم السوداوية المحيطة بها، مشاهدها الأصدق في المسلسل.
إياد نصار حاول، لم تساعده الحوارات المعدّة على عجل، حضوره جذاب في العمل، رغم أنّ ملامح شخصيته تائهة بين دوره كأستاذ جامعي، وأرمل شاب ووالد لمراهقة لا يعرف كيف يتعامل معها، علاقته بشريفة ليست واضحة، علاقته بكل من حوله حتى بابنته يشوبها نقص، لا يتحمّل هو مسؤوليته، ثمّة فراغ هائل في بناء الشخصيات والسياق الدرامي والحوارات، تجعل كل جهود الممثلين تضيع هباءً.
كنّا نتمنى لمنّة شلبي الخارجة من أزمة أثقلت كاهلها العودة بمسلسل بمستوى "بطلوع الروح" الذي قدّمته مع شركة "الصباح" في رمضان الماضي، إلا أن "تغيير جو" كان خيبة الموسم الرمضاني، عسى أن يكون مجرد تغيير جو لنجومه، يعودون بعده بأعمال على مستوى التوقعات.