هي المرّة الأولى التي يُدخل الشيف رمزي شويري الحزن في قلوب جمهوره العربي الكبير، لكن من دون أن يقصد. فقد قضت مشيئة الله أن يغادر هذه الدنيا عن عمر يناهز الـ 52 عاماً بعد تعرّضه لأزمة قلبيّة حادّة، مخلّداً في الذاكرة أرشيفاً ذهبياً من عالم فنون الطبخ الذي تمرّس فيه لسنوات عبر الشاشة الصغيرة، ومؤلّفاته، وصولاً إلى الدروس التي خصّها لطلاّب أرادوا أن يحذو حذوه في عالم المطبخ الواسع.
أعطى الشيف رمزي الروح لأجمل الوصفات التي تنقّلت بنجاح من جيل إلى جيل، ومن بيت إلى بيت لتكون جزءاً أساساً من الطبق اليوميّ للمائدة العربية التي وصلت بفضله إلى العالمية.
عندما أذيع خبر وفاة الشيف رمزي مساء أمس، أعادت إلى مواقع التواصل الاجتماعيّ مختارات من مقاطع فيديو لفقرة المطبخ التي كان يقدّمها ضمن برنامج "عالم الصباح" على شاشة "المستقبل"، إذ أحدث حينها ثورة في فنّ الطهي في العالم العربيّ بين عامي 1993 و2010، من خلال إطلاق أوّل برنامج تلفزيوني عربي للطهي المباشر، تعدّى عدد مشاهديه العشرة ملايين مشاهد يوميّاً.
غصّت تعليقات أصدقائه ومحبّيه بكلمات رثاء أجمعت على إنسانيته وتوظيفه فرصة الشهرة ضمن رسالة إنسانية ووطنية في آن معاً.
يقول الإعلامي منير حافي في حديث لـ"النهار": "فقدنا برحيل الشيف رمزي كفاءة وطنية وإعلامية. حزنّا كثيراً على فقدانه، وأسفنا عليه لأنه لا يزال في ريعان شبابه وفي عز العطاء". يضيف: "نتذكّره زميلاً عزيزاً في تلفزيون "المستقبل" في أيامه الذهبية، لأنّ المؤسّسين ارتأوا أن يكون أوّل شخصية عربيّة تطلّ على الجمهور مباشرة على الهواء في فقرة رائدة في العالم العربيّ ضمن برنامج "عالم الصباح".
انطلاقاً من الزمالة التي جمعتهما في "المستقبل"، يرى حافي أنّ أساس المحبة التي كسبها الشيف رمزي كانت في المحتوى الذي كان يقدّمه، لاسيّما تعاطيه المميز مع الجمهور الذي كان يتحدّث معه مباشرة، ويضيف: "العديد من النساء كنّ يشعرن وكأنهنّ يطبخن معه مباشرة. أمّا على الصعيد الإنسانيّ، فقد كان شخصاً دمث الأخلاق، متعاوناً ومجتهداً والدليل نجاحه في فقرته التلفزيونيّة وتقديمه أكثر من كتاب متعلّق بالطبخ، لاسيّما كتابه الأوّل الذي بيع منه أكثر من 650 ألف نسخة". ويختم حافي في رثاء الشيف رمزي قائلاً: "هو الأصل، عندما يبدأ الأصيل يظلّ الأوّل في الذاكرة، يضاف إلى ذلك تجربته الأكاديميّة في معهد "الكفاءات" التي ساهمت أيضاً في جعل رسالته مستمرّة."
الإعلامي والممثل جوزف حويّك يضمّ صوته إلى حافي، فهو كان أيضاً من الرعيل الإّعلامي في برنامج "عالم الصباح"، ويقول في حديث لـ"النهار": "رسّخ الشيف رمزي في عقول ووجدان الناس أسلوبه في تقديم الوصفة وتعاطيه مع الجمهور وتواصله، جميعها كانت صفات مختلفة وفريدة من نوعها. أدّى رسالته بتفانٍ على مدى سنوات من خلال "عالم الصباح" وفقرة المطبخ، وهو ما كنّا نلمسه من خلال تعاطينا سويّاً، سواء على الهواء أم في الكواليس. للأسف رحل عنّا باكراً إثر الأزمة القلبية التي تعرّض لها، لكنّ رسالته الكبيرة ستبقى حاضرة ومستمرّة عبر مؤسسة "الكفاءات".
انضمّ الراحل إلى عائلة "الكفاءات" عام 1992 بصفة أمين صندوق الجمعية ومديراً لمدرستها الفندقيّة، وشغل منصب الرئيس التنفيذيّ للمؤسسة منذ عام 2015 وانتخب رئيساً لمجلسها عام 2021.
حصل على بكالوريوس في القانون والاقتصاد في جامعة ليون، فرنسا عام 1992، ودرس فنون الطهي في جامعة لندن. وتدرّب في فرنسا حيث أصبح عضواً فخرياً في الاتّحاد الفرنسيّ لاختصاصيّي إنتاج الحلويات والخبز. بعد كتابه الأوّل، أصدر آخرَ بعنوان "الشيف رمزي من تراث لبنان"، وهو حصيلة ما جمعه من وصفات تراثية خلال تجواله في القرى اللبنانية، وحصل في برشلونة على جائزة أفضل كتاب طبخ تراثيّ في العالم.
حقّقت موسوعته لفنون الطبخ عام 1997 مبيعات قياسية غير مسبوقة في العالم العربيّ، وفازت بجائزة Gourmand العالمية عام 2003. هو الحاصل على أربعة أرقام قياسيّة في موسوعة "غينيس" وميداليّة الاستحقاق اللبنانية من رئيس الجمهورية اللبنانية. كما كان مستشاراً لجلالة الملك عبد الله الثاني وملكة الأردن رانيا، إذ قام بتطوير وصفات خاصّة للجيش الأردنيّ، كما وكان سفيراً للمطبخ اللبنانيّ على الخطوط الجوية القطرية، حيث طوّر وصفات خاصّة بالمطبخ التراثي اللبناني.
ويقول حويّك في هذا الشقّ: "نعم، وصل إلى العالمية، أضحى أيقونة للمطبخ اللبناني، واليوم يبقى ذكراه مع كلّ خطوة في عالم الطبخ لأنّه أستاذ عِلم ومعرفة، ونحن تعلّمنا منه في بيوتنا."
أمّا الشيف أنطوان، فقد وجد صعوبة في الحديث عن زميل وصديقه، فخرجت الكلمات منه بغصّة: "خسارة كبيرة، رحيل مفاجئ، مأساة كبيرة، كان لا يزال في عزّ عطاءاته. خسرناه وخسره الجمهور العربيّ. كان يطلّ عبر الشاشة الصغيرة، علّم أجيالاً سواء "ستات البيوت" أو الطلبة الذين تخرّجوا وأصبحوا طبّاخين. دخل موسوعة "غينيس" بأكبر صحن حمّص".
ويتابع: "نتمنّى الصبر لأسرته ولكلّ محبّيه على الشاشة الصغيرة التي كان يطلّ عبرها. هو أخ وصديق وزميل، ومثال للإنسانية. يحمل البراءة الموجودة دائماً في ملامحه، متفائل دائماً ويحبّ العطاء. حظنا قليل أنّه غادرنا في عمر قصير، لكن هذه إرادة ربنا."
يستعيد الشيف أنطوان الأيام الذهبية، ويقول: "أنا والشيف رمزي أوّل من بدأ في الطبخ عبر الشاشة الصغيرة، فتحنا الفرصة للجمهور لمتابعة الطبخ المباشر. تعلم منّا الجمهور فنّ الطهي، واستطعنا أن نقدّم له مفهوماً جديداً عن الطبّاخ البعيد من الاعتقاد الشائع. فأتى مفهومنا ضمن الصورة الجميلة عن الشيف، المليئة بالعلم والخبرة والنوعية والمصداقية. حتّى أصبح خيار الشباب بأن يحذو حذونا ضمن الخيارات التي لم يعد يرفضها الأهل بعدما كان غير مرغوب فيها."
يختم الشيف أنطوان في رثاء صديقه: "خسارة كبيرة، كان وفيّاً وأنا سأظلّ وفيّاً له. كنّا نلتقي كلما سنح لنا الوقت، خصوصاً أنّه غادر الشاشة الصغيرة كي يتفرغ لـ "الكفاءات" التي أسّسها والده نديم شويري".
الوداع الأخير للشيف رمزي سيكون بعد غد الأربعاء، حيث يحتفل بالصلاة لراحة نفسه عند الساعة الثانية بعد الظهر، في كنيسة رقاد السيّدة في مجمّع الكفاءات- عين سعادة، وسيوارى الثرى في مدفن العائلة.