دخل المايسترو هاروت فازليان في رهان فنّي رابح لأنّه نابع من رؤية موسيقية جادّة تجمع ما بين الرقيّ والحداثة ضمن مفهوم فنّي منوّع يُترجَم عبر سلسلة أمسيات شهرية حملت عنوان "The Fabulous Series" قُدّمت مجاناً في كازينو لبنان، ضمن فعاليات "مهرجانات جونية الدولية".
الموعد المنتظر في "صالة السفراء" بالكازينو هذه المرة كان مع الرائعة سميّة بعلبكي في أمسية بعنوان "Viva La Divas"، قدّمت خلالها تحيّة للمكتبة الفنّية الساكنة في ذاكرتنا تحت مسمّى "العصر الذهبي للموسيقى العربية".
تصوير: نبيل اسماعيل
اعتلت بعلبكي المسرح وقررت أن تخاطب جمهوراً ذوّاقاً توّاقاً للفن بصوتها الطربي الأصيل. هي الأستاذة التي يليق بها أن تتفاعل وتشعر بعظمة ألحان محمد عبد الوهاب، بليغ حمدي، محمد الموجي، الأخوين الرحباني، زكي ناصيف ومحمد القصبجي، وتنطق بكلمات المبدعين كـ مرسي جميل عزيز، الشاعر حسين السيد، مأمون الشناوي، توفيق بركات وغيرهم، فتتجلى هذه الخلطة السحرية بصوت ملائكي لامس بدفء الآذان المنصتة والمثمّنة لرسولة الطرب الأصيل عن حق.
قدّمت بعلبكي 12 مشهدية تجلّت عبر أغنيات لسيّدات الفن العربي: أم كلثوم (ألف ليلة وليلة)، وردة (أكدب عليك، في يوم وليلة)، فيروز (طريق النحل، أهواك، وطني)، أسمهان (إمتى هتعرف، يا حبيبي تعالى)، ليلى مراد (يا مسافر وناسي هواك، الدنيا غنوة)، صباح (عالضيعة)، والفنان زياد الرحباني (ميس الريم).
لم يكن الجمهور الحاضر وحده محلّقاً في سماء الطرب، لكن للمايسترو هاروت فازليان والأوركسترا المؤلفة من 25 موسيقياً متعة مضاعفة على المسرح، الذين انسجموا في هذه الرحلة الموسيقية رغم قساوة الرحلات التي يعبرونها في حياتهم اليومية.
12 أغنية قدّمت في ساعة وربع الساعة، لكنّها أتت كالنسمة السريعة الناعمة في وجدان كثر، وكأن هذا الوجدان لم تكفه هذه الجرعة المقدّمة، فتمنّى لو أنّها تطول حتى لا يفقد طعمها بعد الحفل.
تصوير: نبيل اسماعيل
بعبلكي تشعر بما أحسّ به الجمهور، وتقول في حديث لـ"النهار": "هذا هو لبنان الحقيقي وهذه ثروتنا الحقيقية. رغم المآسي وما نمرّ به، لا نزال نعيش في هذه العظمة، والجمهور يمدّني بالطاقة والإمكانية للتجلّي".
تعترف بأنّ الوقوف على مسرح "صالة السفراء" لم يكن أمراً عابراً: "يأتي هذا الحفل بعد مشاركتي في "مهرجانات بعلبك الدولية"، وبعد بعلبك، قلت في قرارة نفسي: أين ستكون الخطوة المقبلة؟ خصوصاً أنّ ما قبل بعلبك ليس كما بعدها. لكن ما حصل أنّ هذه الأمسية أتت تكملة لتلك المحطة العظيمة في حياتي وحياة كل فنان، وربحت الرهان: من بعلبك إلى كازينو لبنان".
بالنسبة لبعلبكي، "نتكلم عن صرح نعتزّ به تاريخياً مرّ عليه عظماء، و"صالة السفراء" مرتبطة باسم السيدة فيروز والمسرحيات وحفلات أحياها عمالقة الفن"، مضيفة: "كما كانت بعلبك حلماً لي، فإنّ حفل الكازينو لطالما كان جزءاً من الحلم القديم المتوهّج والجميل. واللافت أنّ الوقوف في بعلبك أتى في مرحلة مفصلية من وطننا، وهو الشعور نفسه الذي عشته بعد مشاركتي في مهرجانات جونية ومن كازينو لبنان".
أمام الرمزية الشخصية التي سكنت في وجدان بعلبكي هذه المرة أيضاً، رمزية في غاية الأهمّية متمثّلة بدعم الموسيقيين في لبنان: "المايسترو هاروت فازليان قدّم سلسلة حفلات هدفها دعم بقاء الموسيقيين في لبنان لأننا نخسر طاقات الشباب من الموسيقيين الذين هاجروا، فالأوركسترا تعرّضت لعملية ذوبان لعناصرها الأساسيين".
تصوير: نبيل اسماعيل
وتعترف بعلبكي: "أنا من الفنانين الذين اتّخذوا قرار عدم الهجرة من البلد، أعلم أنّه كان قراراً صعباً ونعيش في داخل صعوباته، لكنني تمسّكت بمسؤوليتي كفنّانة تجاه بلدي. فالفنّان الحقيقي لا يكون فنّاناً إن لم يخض نفس التجربة التي يعيشها ناسه، وإن لم أكن موجودة في هذه الفترة الصعبة، فمتى أكون؟".
فسحة الأمل عاشتها بعلبكي مع جمهورها لأنها هي أيضاً كانت بحاجة إليها: "خلال أدائي "وطني" للسيدة فيروز، جاهدت حتى لا تغلبني الدمعة من شدّة تأثري. كنت أجاهد لأكمل الأغنية العظيمة التي لا تزال وستبقى تمثّلنا في أعمالنا، وهي تجسّد إحساس كلّ منّا بصدق بعيداً عن التكلف والعنتريات والهوبرات، يكفي أنها تحرّك الوجدان".
تصوير: نبيل اسماعيل
تكشف بعلبكي عن فكرة لا تزال في طور البحث لتقديم حفل "Viva La Divas" خارج لبنان، "حيث تكون فرصة لتوجيه تحيّة للسيدات العظيمات اللواتي أثّرن في مسيرة كل منّا على الصعيد العربي".
ليس هذا فحسب، بعلبكي في صدد تصوير أغنية "يعني ارتحت" التي تحمل توقيع بلال الزين ومنير بو عسّاف، وأيضاً قصيدة "عيناك باقيتان لوطني" للراحل أنور سليمان التي تعاونت فيها مع نشأت سليمان وأدتها للمرة الأولى في مهرجانات بعلبك: "تقديم الأغنيات الخاصة من أولوياتي ولو أنني أمشي فيها بخطوات بطيئة".
.jpeg)
.jpeg)
تويتر
فيسبوك
يوتيوب
انستغرام
مسنجر
واتساب
بريد إلكتروني
الطباعة
