حزين هو لبنان. يخسر قامات فنية وأدبية لن تعوّض، ولن يسدّ فراغ رحيلها سوى الأرشيف والمكتبة والذاكرة الفنية.
رحل اليوم العملاق روميو لحود ولن يأتي من يقدّم للمسرح اللبناني الاستعراضي والأغنية اللبنانية من أعمال كتلك التي أغدقها علينا فنان من بلادي.
حزين هو صباحك يا لبنان، ففي ذكرى الاستقلال الذي لم نعد نشعر بطعمه، أتى خبر رحيل الفنان القدير روميو لحود ثقيلاً على قلوبنا، ومع رحيله أغلقت "طريق الشمس".
قد يكون الوجع الصامت أسمى الصفات التي تحلّى بها روميو لحود، ومع ذلك كان يكرر دائماً مقولة "لبنان لا يزول" وظلّ متمسّكاً بالوعد الذي قطعه لزوجته ألكسندرا القطريب بعدم الغياب عن المسرح.
روميو لحود هو صانع النجوم: عصام رجي، طوني حنا، إيلي شويري، غسان صليبا، سلوى القطريب وكثر آخرون، وهو سيد المسرح الاستعراضي. ومن يمكنه أن ينسى حضوره المرهف في "استديو الفن" حيث عمل مع المخرج الراحل سيمون أسمر لأكثر من ثلاثين عاماً ولم ينسَ العشرة، فقال يوم رحل الأخير: "لم يكن صاحبي فحسب، إنما صديقي الوحيد. وقفنا بجانب بعضنا البعض لأربعين عاماً. عملتُ معه نحو ثلاثين عاماً في "استوديو الفنّ".
أغرمت به المسارح العالمية، لكن خشبة مسرح الإليزيه نالت حصة الأسد من الأعمال التي قدّمها في مسيرته، وفي عز الحرب الطاحنة التي كان يخوضها لبنان، قدّم عليها نحو 12 عملاً مسرحياً ضمت أسماء صدحت في تاريخ المسرح اللبناني من بينها: "سنكف سنكف" (1974)، "بنت الجبل" (1977)، "اسمك بقلبي" (1978)، "أوكسيجين" (1979)، "ياسمين" (1980)، "نمرود" (1981)، "حكاية أمل" (1982)، "الحلم الثالث" (1985).
هذا التعلّق الفطري اضطر الفنان روميو لحود إلى عرض مسرحية "هرب شاهين" في العام 1975 في بعبدات، بعد إقفال "الإليزيه" بسبب تصاعد حدّة الحرب، ليعود بعدما هدأت الأحوال ويعدّل اسم مسرحية "هرب شاهين" ليصبح "اسمك بقلبي" التي قدمها في ذاك المسرح في الأشرفية ويعرض مسرحياته، ومن بينها إعادة عرض "ياسمين" لمدة شهر بعد إدخال تعديلات عليها لتكون خاتمة نشاطه المسرحي على هذا المسرح بسبب صغر مساحته إذ لا يتسع لأكثر من 300 مشاهد.
غسان صليبا
بطل مسرحية "حكاية أمل" الفنان غسان صليبا وصف الراحل بـ"الإنسان الكبير"، وعاد في الذاكرة إلى مشاركته في العمل المسرحي: "كان لي الحظ أن ألعب دور البطولة في مسرحية "حكاية أمل" التي عرضت في العام 1982 إلى جانب الراحلة سلوى القطريب. كانت البطولة الأولى لي، وكان التعاون مع لحود يحمل جمالية. هو إنسان كبير، وكأنه "كونت" أو أمير بتصرفه والهالة التي يتمتع بها".
يستعيد صليبا أيام عرض المسرحية: "لبنان كان حينها تحت الاحتلال الإسرائيلي، لكنّ روميو كان مصرّاً رغم الظروف الصعبة على الخروج بمسرحيته. قدّمنا العمل على مدى 3 أشهر وتوقفت المسرحية بسبب الحرب المستمرة. كانت إسرائيل تقصف لبنان وكان مستمراًّ بمسرحه المليء بالبسمة. خوفه الوحيد كان على طاقم العمل، وكان يردد: "خيفان عليكم أن يصيبكم مكروه وأنتم قادمون من أماكن بعيدة، سأوقف المسرحية، لكن إن أتت لي فأنا استمر بها ولكنني خائف عليكم". توقفت مسرحية "حكاية أمل" فجأة وإن كان صليبا يتمنى لو أنها صوّرت حتى تبقى في الأرشيف".
أحبّ صليبا في لحود "الفنان والإنسان الذي يعلم كيف يتصرف بكبر مع كل الناس، وحظي في المقابل باحترام أجمع عليه الجميع. رحيله خسارة، والكبار يرحلون عن لبنان في زمن نحن بأمسّ الحاجة لهم. نعزّي الفن والمسرح والأغنية والشعر والديكور والإخراج بغياب هذا العملاق الكبير".
ويتابع: "شعرت ببعده في الآونة الأخيرة، سألت عنه، فقيل لي إنه يأخذ استراحة. واليوم، عندما علمت بخبر رحيله شعرت أنه رحل بهدوء وسلام، غاب عن المجتمع ورحل بهدوء يشبه إنساناً كبيراً من دون أن يزعج أحداً".
هكذا كان الراحل روميو لحود، أراد دائماً النهوض بالمسرح بعد انتكاسات عدّة فرضتها ظروف البلد، فكانت عودة الأمل في هذه المهمّة الوطنية بالنسبة إليه من بوابة "طريق الشمس" والتي لم يكتب لها أن تبصر النور بعد رحيل الفنانة الحبيبة سلوى القطريب، لكنّه تكابر على الوجع وأعلن بحب عن العودة إلى المسرح وعرض المسرحية في كازينو لبنان.
ثمّ بعدها أعلن روميو في العام 2015 عن إعادة تقديم مسرحية "بنت الجبل" بنسختها الثالثة على خشبة مسرح "Theatre Des Arts" في جونيه، ولأنّه من أسياد المسرح، طولب بتمديد المسرحية أكثر من مرة. وكان يفخر لتولّيه سدّة الإشراف على ترميم المسرح وتجهيز الديكور.
ميكاييلا في "طريق الشمس"
تجربة ميكاييلا في "طريق الشمس" محفورة في ذاكرتها، وتعترف أنه خطر لحود في بالها منذ أيام وأرادت أن تحجز موعداً لإلقاء التحية عليه. أتيحت لميكاييلا فرصة ذهبية من خلال المشاركة في مسرحية العودة للراحل روميو لحود "طريق الشمس"، تستعيد المجد، وتحيّي صفات الفنان التي كانت حاضرة مع لحود أينما حضر.
الدور الذي أسند لميكاييلا في ذلك الوقت كان من المفترض أن تؤدّيه الفنانة ألين لحود إذ لم تفلح مشاركتها بسبب وجودها آنذاك في فرنسا للمشاركة في برنامج "ذا فويس" بنسخته الفرنسية. تقول ميكاييلا: "التحضير والتمرينات على المسرحية حينها انطلق منذ العام، ووقع الخيار عليّ وكان محتّماً عليّ ان أنجز دوري على أكمل وجه، ممنوع الغلط مع الأستاذ روميو".
تذكر ذلك اليوم خلال التمرينات حينما سمعت كلاماً حازماً من الراحل، قال لها: "إن لم تتقني دورك، سألغي عرض المسرحية". تعترف ميكاييلا أنّ أمراً ما حصل معها بعد ما سمعته من لحود، فذاكرت دورها من الفجر إلى النجر وعلى مدى يومين فقط عادت إليه جاهزة. وتنقل عن الراحل قوله بخفة دمه المعهودة: "ماذا فعلت حتى أتقنت الدور في هذا الشكل؟".
لحود كان يجلس خلال عرض مسرحياته بجانب إما مهندس الصوت أو المسؤول عن إضاءة المسرح، يحدّق في المسرح وبالممثلين. يتفاعل ويتأثّر مع المشاهد التي كتبها بنفسه، وكأنه يشاهدها للمرة الأولى. بالنسبة لميكاييلا : "هو فنان، لا يستطيع أن يترك الفن. هناك نبض وخشبة مسرح كانت تناديه دائماً. كان الأب الحاضن لكل ممثل".