يقول الشاعر نزار قبّاني في قصيدة "رائع عيد العشاق": "حبيبتي إشربي شيئاً من الحلم معي... إشربي شيئاً من الوقت"، وحقيقة الأمر أنّ الجمهور هو من شرب الحلم وأشياء من الوقت في حفل الفنان كاظم الساهر الذي أحياه مساء الاثنين الماضي في "فوروم دو بيروت".
هي ليلة من ليالي الأصالة الفنية، اعتلى فيها الساهر المسرح مبتسماً لجمهور هتف باسمه، صفّق له وانتظر بلهفة المحطة الأولى التي سينقله عبرها إلى عوالم العشّاق المليئة بالأشواق وفوضى الحب والعتب والغزل والتحدّي والاستسلام، فكانت "أحلى سهرة" غنّى فيها اللبنانيون كما العراقيون والمغتربون كلّ نشيد غنائيّ حمل أوتار القيصر.
وإذا كان صوت الساهر يطرب الآذان، فإنّ الكلمات التي خرجت منه مخاطباً جمهوره تنسجم مع طلّة القيصر، حتى في المعايدة قائلاً: "عسى أن نرى دائماً الوجوه الحلوة مبتسمة وفرحة، وأدعو الله أن يبعد عنكم كلّ مكروه ويحفظكم ويرعاكم".
هو الموعد اليتيم مع بيروت لهذه السنة الذي أتى بمثابة عرس فنّيّ بامتياز، استعداداً لتكثيف الاحتفالات في السنة المقبلة بأكثر من مهرجان كما اعتاد الساهر. وللقيصر علاقة خاصّة مع لبنان، فبعد جريمة الرابع من آب 2020، وعندما كان لا يزال دخان احتراق روح مرفأ بيروت، أصرّ الساهر على أن يأتي إلى لبنان علّه يداوي بعض الجراح بما يملك.
ويقول في دردشة خاطفة لـ"النهار": "بيني وبين بيروت لا يوجد حبّ، بيني وبين بيروت عشق لا ينتهي. بيروت الحضارة وبيروت الفن وبيروت عنوان الزمن الجميل. إنّها ملتقى الأحبّة، تواعدنا على الفرح والنجاح، وان شاء الله رح نستمر". وربّما يعود سبب ابتسامة الساهر إلى الرضا الذي يستمدّه من جمهوره في لبنان. يكرّر دائماً للمقرّبين منه أنّ نكهة الحفلات في بيروت ليست موجودة سوى في بيروت. يشعر أنّ الحبّ يصل اليه من جمهور حقيقيّ يحاول تخطّي عقباته اليومية كي يحضر لمشاهدته، وهذه خطوة يقدّرها الساهر.
لا ينسى القيصر جمهوره الوفي، فيسعى دائماً إلى ردّ هذا الوفاء القائم على علاقة متبادلة من الاحترام. ويضيف لـ"النهار": "هذا الجمهور هو السند الأكبر في مسيرتي الفنية، ولأنّي أحبّه أغنّي، كلّ فرد هو واحد من عائلتي الكبيرة".
هذه العائلة ليست جمهوره فحسب، فهو لا ينسى العشرة، لذلك وجّه تحية للشاعر كريم العراقي عبر "لا والله انت مو طبيعي"، متمنياً له الشفاء: "ندعو له بالصحة. المعاناة التي يعانيها لا نتمنّاها لعدوّنا، يا ربّ يشفيه بأسرع وقت".
غنّى الساهر على مدى ساعتين برفقة فرقة موسيقية من 41 عازفاً بابتسامة ثابتة، تشبه فرحة الأب بعرس ابنه أو ابنته، فحضرت قصائد نزار قبّاني: رائع عيد العشاق، أكرهها، ما أحبك بعد، أنا وليلى، مدرسة الحب، يجي الليل، "المستبدة" "أحبّيني بلا عقد"، "هل عندك شكّ"، وروائع أخرى: "الحياة"، "عبرت الشط"، "كلّك على بعضك حلو".
الساهر مدرسة في الكبر والتواضع بعدما دعا برقيّ الفنانة رحمة رياض للانضمام إليه على المسرح. قالت رياض بسعادة وفخر: "أنا من محبّي وفانز الفنان كاظم الساهر، هو قدوة لكلّ شاب فنان أو فنان طموح"، لتبدأ أجمل الاغنيات: "سلّمتك بيد الله" أدتها معه.
هذا العرس الفني الذي صنعه الساهر لم تكن لتكتمل مشهديّته إلّا بالانتقال من ساحة الحفل بعد انتهائه إلى شوارع بيروت، حيث سار في شوارعها مسيرة من نحو 50 سيارة هتفوا في حبّ القيصر.
وللعلم أنّ نحو 840 عراقياً حجزوا في مكاتب الشركة المنظمة للحفل Double Eight Production، الكائن في العراق، كي يأتوا خصيصاً لمشاهدة الساهر. كما استفادت عائلات لبنانية من هذا الحدث الفني ككلّ النشاطات الفنية التي انطلقت هذا الموسم، ما يؤكّد مرة جديدة أنّ لبنان اليوم لا يملك سوى قطاع الفنّ القادر على إنعاش سياحته.