الموسيقى لا تعرف الكذب، وقد يكون من الجنون تخيّل العالم فارغاً من إيقاعاتها، عندها، ستكون المشهدية بالتأكيد ساكنة، حزينة، مجرّدة من الحياة والإحساس والفرح. علاقة الإنسان مع الموسيقى لطالما كانت بسيطة وبعيدة كلّ البعد عن التعقيد، خصوصاً عندما يحدث تبادل الحب والشغف بينهما. هذه باختصار علاقة رودج بهذا العالم الساحر، شغفه في الموسيقى منذ الصغر قاده لترجمة هذا الشعور ضمن مهمّة فنّية وإنسانية يمارسها منذ سنوات، غير آبه بالعثرات التي جوبه بها عندما قرّر الغوص في عالم الـ"دي جي".
يقول رودج في حديث لـ"النهار": "منذ الصغر، كنت أرغب في تحقيق هذا الحلم. كنت مصرّاً على المضي في حب الموسيقى ولم يردعني شيء، لأنّ هذا كان هوسي في الحياة. أحبّ الموسيقى وأريد دوماً أن أترجم هذا الحب وتصديره إلى الجمهور. بدأت قصّتي عفوياً، وانطلقت من دون توقّف، فحصدت للمرة الأولى في العام 1991 جائزة "دي جي" بعد فوزي في مسابقة، عملتُ منتجاً وأسست المحطة الإذاعية (Mix Fm) وبدأ هذا النجاح يكبر سنة بعد سنة، وبات هذا الشغف يستمد وقوده مع كل تقدّم ونجاح أنجزه، ولعلّ سرّ هذا التقدّم هو أنني لم أخطط يوماً لما أريد أن أصل إليه، بل أفلحت في جذب الفرص الثمينة".
بالنسبة لـ رودج: "نجاح الـ "دي جي" يبدأ بالشغف، عليه أن يحب الموسيقى من كل قلبه، يجب أن يكون قادراً على إسعاد من حوله وأن يتحلّى بالثقة والموهبة"، داعياً الجيل الجديد إلى عدم الاستخفاف بمهمة الـ "دي جي" ودراستها بأسسها الصحيحة. ويلفت إلى أن "قرار أي شخص بأن يصبح "دي جي" ليس كبسة زر، خصوصاً أنّ المهمة التي يتكفّل بها مليئة بالتضحية والعطاء. فعلى الـ "دي جي" أن يقدّم موسيقى جميلة للجمهور، وبالتالي هو عمل متواصل يصل فيه الليل مع النهار لاستعراض ما تمّ تحضيره في الأمسيات بهدف زرع الضحكات"، ويشدد رودج في هذا الإطار على أنّ النهج الفنّي الذي يتمسّك به لدى تقديمه الموسيقى يبدأ من قناعاته بعيداً كلّ البعد عن التأثّر بما هو "دارج" أو مقدّم.
يعترف رودج بأنّ القدر لعب دوراً في مسار حياته بعدما قدّر لشغفه أن يولد في لبنان: "بيروت هي مصدر الوحي بالنسبة لي، ولدت في لبنان وعشت فيه. مررنا بحروب وأزمات كثيرة، وأمام هذه المطبّات كنتُ وما زلتُ من الأشخاص الذين يحبّون البقاء في هذا البلد، بعيداً عن مطبّاته السياسية، لأنّ لبنان هو تاريخ وحضارة وحياة، وهو حقاً أجمل قطعة على الأرض. لهذا السبب قدّمت "بيروت" و"اشتقنالك يا بيروت"، باختصار هي قصة حب خاصة تجمعني بلبنان".
حصد رودج أخيراً جائزة تقديرية من وزير السياحة اللبنانية، كما حصد جائزة "أفضل دي جي في الشرق الأوسط" خلال حفل توزيع جوائز MEMA وهو يعتز بكل تقدير جديد يحصل عليه: "كل جائزة تعني لي الكثير لأنها دليل نجاح يمدّني بالطاقة لتحقيق نجاحات جديدة، ويجعلني أكثر تمسّكاً بكل فرد دعمني حتى أحافظ على هذا النجاح بدءاً من أفراد أسرتي وشريكة حياتي وفريق العمل وأصدقائي". ولا يغفل بأنّه رغم كل ما قدّمه في عالم الموسيقى، يشعر في كثير من الأحيان بأنه لم يقدّم شيئاً: "أضع دائماً أمامي تحدّيات صعبة وأريد أن أخوض التجارب بجنونها مهما كانت نتائجها، وهذا ما سأحرص على حدوثه في حفل الفنان المصري عمرو دياب المرتقب في التاسع عشر من آب بلبنان الذي أجتمع به للمرة الثالثة والعشرين".
ويكشف أنّه يعمل على أفكار ستكون مفاجأة للجمهور على مدى ساعة و20 دقيقة: "أريد أن يكون هذا الحفل العالمي إهداء لبيروت، فبعد العذاب الذي مر فيه لبنان وتفجير الرابع من آب، اخترت أفكاراً جديدة سيشهد عليها جمهور بيروت للمرة الأولى". بالنسبة لـ رودج، الشعب اللبناني ليس بخير بعد ما مرّ به: "أعلم أنّ هناك من ينتقد سرعة شراء بطاقات عمرو دياب فيما المواطن اللبناني يتخبّط معيشياً، ولا يمكن تجاهل الوجع الحاضر دائماً على الشهداء الذين فقدناهم في انفجار مرفأ بيروت والجرحى الذين ما زالوا يعانون من جراحهم، ومنهم من مُني بخسائر مادية لا تعوّض، نعلم جيداً أنّ لبنان غارق في دراما الوجع، ولكن لا يمكن أيضاً إغفال واقع أنّ هذا اللبناني هو من أعاد بلده إلى الخريطة ليعود وجهة للسياحة والسفر، وهو من أضاء الشوارع وأوجد الحلول البديلة لمشكلاته بعدما فشل السياسيون في معالجتها. وما هو مؤكّد أنّ الحدث الفني المنتظر في 19 آب سيكون بصمة جديدة للبنان أنجزها اللبنانيون وحدهم لا غير".