حلّت عارضة الأزياء اللبنانية ماري تيريز حنّا ضيفة في "النهار"، وقدّمت شهادة حياة حول تفاصيل ما حلّ بها في الرابع من آب. وعلى الرغم من عرض الحلقة منذ نحو أسبوع، فإنّ الصدى الذي حقّقه كلام ماري تيريز، ومضمون قصّتها، كان لافتاً، لأنّه لم يخاطب أوجاع الرابع من آب فحسب، بل حاكى أوجاع الشباب والاضطرابات اليومية التي يعيشها في بلد متخبّط، ما إن يهنأ بأيّام فرج حتى تأتيه لعنة من هنا وهناك تكبح الطموح والنّظر إلى المستقبل.
عندما وصلت ماري تيريز لإجراء المقابلة، انتابني القلق، وخفت أن يكون وقع حضورها قاسياً عليها، لسببين: الأول قدومها إلى مبنى "النهار"، الذي كان شاهداً على أنين بيروت بشهدائها وجرحاها، والثاني قصّها للمرة الأولى تفاصيل مؤلمة وموجعة لتاريخ الرابع من آب، بعد نجاتها من موت محتّم.
بيد أن ما كانت عليه ماري تيريز كان بعيداً من التكهّنات. أطلّت شابة جميلة ذات ابتسامة عريضة لم تفارقها. علّقت لحظة وصولها بثقة وعفويّة تُشبه خفّة ظلّ شخصيّتها: "لم أصفّف شعري. شعرت بأنني أريد أن أطلّ على طبيعتي. رفعت شعري هيك، ووضعت قليلاً من المكياج". بمعنى آخر أرادت ماري تيريز أن توصل رسائل كثيرة أبعد من الانشغال بمظهرها الخارجي، فما يسكن في داخلها أعمق بكثير من تصفيفة شعر ومكياج مهندس، لأنّها متمسّكة بمقولتها: "تبقى الرّوح مُتوجّعة، حالمة، مستمرّة".
ماري تيريز ناجية من انفجار الرابع من آب، شعرت بعد ثلاث سنوات من وقوع الجريمة بأنّها جاهزة لسماع صوتها وهو يروي ما حصل معها في ذاك اليوم المشؤوم، وكيف وجدت نفسها أمام الممثل السوري معتصم النهار...منقذها.
تعترف بأنها إلى اليوم توهم نفسها بتخطّيها ما حصل: "لا أستطيع. يزيد شعور التأثّر أكثر كلّما مرّ الوقت". وتتابع: "أحكي اليوم قصّتي بعد ثلاث سنوات، لأنّني - قبل ذلك - دخلت في مرحلة الإنكار. لم أشعر بأنّني جاهزة للتحدّث عن تفاصيل ما حصل لي في ذلك اليوم. بعد ثلاث سنوات، أشعر بأنّ ما أريد الحديث عليه ليس مجرّد قصّة، بل كلام من شأنه أن يكون مؤثّراً في نفوس كثيرة. هناك من خسر حياته. أنا نقطة في بحر أوجاع غيري. لكن قدرتي على التعايش مع ما حصل وتخطيه، وما أصبحت عليه اليوم، قد يكون ملهماً لنفوس كثيرة".
في الرابع من آب، كانت ماري تيريز تعمل في منزلها، الذي يبعد عن مرفأ بيروت نحو 550 متراً: "كنت في أكثر مكان نشعر فيه بالأمان، لكن هذا الأمان غاب في ذلك اليوم. فيما كنت أعمل داخل غرفتي، سمعت الانفجار الأول، تنبّهت إلى الزجاج، لكنني لم أعطِ أهمية لذلك، خصوصاً أنّ من يعيش بجوار المرفأ معتاد بعض الشيء على الأصوات اليومية التي تصدر. وفيما واصلت العمل، لفت انتباهي تصاعد الدخان. أيقنت أن شيئاً ما غير اعتيادي يحصل. خرجت من غرفتي، وتوجّهت إلى غرفة الجلوس حيث الواجهة زجاجيّة. شعرت بضغط قويّ. وفيما كنت أهمّ بالهرب، وقع الانفجار الثاني الذي قذفني حَوالَي ثلاثة أمتار".
استيقظت ماري تيريز، واكتشفت حجم الأذى الذي تعرّضت له، وكانت مهمّتها الأساس الوصول إلى هاتف كي تطلب إلى عائلتها عدم البحث عنها تحت الركام لأنّها توفيت: "لا تبحثوا عنّي لأنني متّ". فنّدت عارضة الأزياء ما حصل معها، حينما وجدت نفسها في داخل سيارة، وبجانبها فتى في عمر الـ15 عاماً يساعدها كي لا تفقد الوعي، فيما كانت المفاجأة بسائق السيارة الممثل معتصم النهار، الذي وصل بها أولاً إلى مستشفى في بيروت، واتّضح أنّها أيضاً مدمّرة بفعل الانفجار، ليقود سيارته عشوائياً إلى أحد المستشفيات البعيدة عن مكان الانفجار، ولتبدأ رحلة إسعاف ماري تيرز.
تعلّق ماري تيرز عن معتصم النهار قائلة: "قال لي الطبيب: عليك أن تشكري من أوصلك إلى المستشفى لأنه بسببه أنت على قيد الحياة. لو ما معتصم النهار أنا لست على قيد الحياة، هو شخص إنسانيّ. ظلّ على تواصل معي بعد خروجي من المستشفى. وفي كلّ 4 آب يتّصل بي ويعايدني، لأنني اليوم أعتبر أنني أبلغ من العمر 3 سنوات، وليس 26 عاماً". وتتابع: "زرته بعد خروجي من المستشفى، وشكرته لأنّه أنقذ حياتي، فقال لي: وضعني الله في طريقك لأنه أراد إنقاذك".
آلام وتخبّطات مرّت بها ماري تيريز، لكنّها وقفت من جديد: "فقدت ثقتي بنفسي، ولم أعد أرى نفسي بالصورة الجميلة التي اعتدت أن أراها. كنت أعلم أن الطريق طويلة، خصوصاً أنني خسرت فرصاً عالمية بسبب الندبات والجروحات، لكنني عندما بدأت أمشي قلت في قرارة نفسي: لن أوقف الحلم. وأصررت على أنّ "المجتمع لا يقرّر إن كنت أريد ان أصل أم لا. فمن يؤمن بشيء ويملك الثقة الكافية، سيصل مهما كانت الطريق طويلة. وأيقنت بعدما حصل معي أنّ على الإنسان أن يعيش الحياة ببساطتها، وألا يتعلّق بالأمور الثانوية، فلنتعلّم معنى الحياة ولماذا نحن هنا".