النهار

في حضرة الوجع الفلسطيني... ماذا لو كنتُ فنانة؟
إسراء حسن
المصدر: "النهار"
في حضرة الوجع الفلسطيني... ماذا لو كنتُ فنانة؟
الصورة من إعداد: ديما قصاص
A+   A-
حلّ، منذ بداية البطش الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، سؤالٌ جدليٌّ: هل يجب إلغاء الفعاليات الفنية، وأن يجلس جميع الفنانين في منازلهم يعبّرون بكلمات أو فيديوات عن تضامنهم مع الوجع الذي يمرّ به أهل غزة؟

هذا السؤال الجدليّ قسّم الآراء بين الفنانين، فمنهم من وجد نفسه مكبّلاً غير قادر على ممارسة نشاطه الفنّي، فاختار ترجمة حزنه عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، منتقداً في الوقت نفسه زملاءه الذي يمضون في إحياء الحفلات والمسرحيات أو حتى تصوير أعمالهم الدرامية الأخرى، فيما اعتبر آخرون، على المقلب الآخر، أنّ المضي في النشاطات الفنية فرصة للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني عبر التبرّع بأجره من هذه الحفلات لصالح الفلسطينيين، كما اعتبر بعضٌ آخر، في السياق نفسه، أنّ الفنان يمكنه العضّ على جرحه لساعات معدودة كي لا يخسر لقمة عيشه.

بطبيعة الحال، وكما ذُكر سالفاً، الجدليّة لا تزال قائمة، وتتفاعل يومياً، مثلما حصل مع الممثل المصري محمد سلام، الذي اعتذر عن عدم مشاركته في مسرحية "زواج اصطناعي" في اللحظات الأخيرة، والتي كان مقرّراً أن يقدّمها ضمن فعاليات موسم الرياض؛ ومثلما حصل أيضاً مع الفنانة اللبنانية إليسا التي أحيت حفلاً في ألمانيا، طالبت خلاله بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء في فلسطين، وردّت على المنتقدين معتبرة أنها مضطرة إلى العمل "لأنو هيدا شغلنا وهيدي رزقتنا".
لكن المستشار تركي آل الشيخ كان الأكثر صرامة بالإجابة عن هذا السؤال، رافضاً مبدأ المزايدة عليه، تزامناً مع استمرار فعاليات موسم الرياض، مذكّراً أنه في "سنة 1967، عندما احتُلّت دول لم يتوقّف أيّ شيء. وعند حرب لبنان لم يتوقّف أيّ شيء. وعندما حوربت بلدي 7 سنوات لم يتوقف فيها شيء، ودم السعودي أغلى لديّ من أيّ شيء".

في خضم هذا التفاعل حول حركة الفنان في مواسم الحزن، وتحديداً اليوم وما نشهده من إبادة جماعية فعليّة يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، قرّرت تقمّص شخصيّة فنّانة لها شعبية كبيرة في العالم العربيّ، وتمتّعي بقاعدة جماهيرية كبيرة لدى الجاليات العربية، فماذا كنت سأفعل وأنا غارقة في الألم؟ هل أكتفي بكاميرا هاتفي أو اقتباسات حزينة إزاء ما يجري؟ كيف يمكن أن أوظّف رسالتي الفنية في خدمة الإنسانية؟

لو كنت هذه الفنانة، كنتُ فعّلت نشاطي الفنّي أكثر من أي وقت مضى. كنتُ اعتليت مسارح العالم وقدّمت أغنيات في حب الوطن... وفي حب فلسطين. أنا على ثقة أنّ الجمهور القادم لمشاهدتي، لن يحزن إذا خصصت "ريبرتواراً" طويلاً لمختارات قدّمها عمالقة الفن من أم كلثوم، محمد عبدالوهاب، سيد مكاوي، فيروز، صباح، سيد درويش، عبدالحليم حافظ، شادية، وديع الصافي، مارسيل خليفة، طلال مداح وغيرهم كثر، فهل هناك أجمل من تلك الأغنيات التي تحيي فينا الفرح والأمل وتذكر بالبطولات العربية على المحتل؟

لو كنتُ هذه الفنانة، لفعّلت اتصالاتي بزملائي الفنانين كي نملي الساحات العربية بصوت الموسيقى والكلمات الهاتفة في مضمونها "فلسطين حرّة". 
 
ولكنتُ حثثت مصمّمي الأزياء كي يفجّروا أحزانهم بالقماش والألوان الثورية.

ولرفضت مبدأ إلغاء المهرجانات، بل جعلتها منبراً عالمياً لدعم الفلسطينيين والمطالبة بوقف أسلحة الوحش الكاسر التي أفقدتنا أكثر من 7000 شهيد.
 
ولتواصلت مع زملائي الممثلين لإحياء مسرحيات الكوميديا السوداء كالتي قدّمها زياد الرحباني وجورج خباز ويحيى جابر وسامي خيّاط ومروان نجار ولينا خوري ورفيق علي أحمد. لمَ لا؟
 
لِمَ لا تعمر الشوارع بثقافة المعارض والرسوم التشكيلية والمجسّمات التي ستعبّر عن آراء كثيرة في ما يتعلّق بما يجري اليوم؟
ما الذي يمنعني من أن أكثّف من إطلالاتي الإعلامية كما فعلت الملكة رانيا العبد الله، وكما فعل الإعلامي المصري باسم يوسف؟
ألم يردّد كل فنان في بداية مسيرته بأنّ الفن رسالة؟
 
عزيزي الفنان:
هذه الرسالة لن تكون هادفة إن جلستَ في منزلك تعلّق على صورة أشلاء طفل فلسطينيّ في ظل التعتيم الإعلامي والحظر المقصود لكلّ صوت داعم للقضية الفلسطينية على مواقع التواصل الاجتماعي. الفلسطيني الذي ينازع الحياة اليوم لا يحتاج تعليقاً داعماً من حساباتك.

هذا الفلسطيني يريد قبل أيّ شيء ردع إسرائيل عن ملاحقته في منزله وقتله وعائلته وأطفاله.
 
هذا الفلسطيني يريد بعد توفير هذا الأمان أن يأكل ويشرب. والمرضى في ما تبقّى من مستشفيات يريدون الكهرباء حتى لا تنقطع أنفاسهم المقطوعة أساساً.

الأرض والأفعال تنادي اليوم كل فنان كي يفعل بدل أن يكتب أو يعتكف ويدخل في حزن ومشاعر لن تقدّم أو تؤخّر في مساعدة الشعب الفلسطيني.

كبار الفنانين العرب على مرّ النكبات التي تعرّضت لها دولهم لم يتوقّفوا عن الغناء، بل وظّفوا شعبيتهم لتكون بمثابة صوت نضال لأجل القضية التي يؤمنون بها، فأخرجوا من فنّهم أجمل الأغنيات والمسرحيات واللوحات والكتب والروايات الوطنية.

بالنسبة لي، "الحلم العربي" يجب أن يجلب مجموعات فنية ضاغطة ومؤثّرة على الأرض، تستكمل فنّها وتوظّفه بذكاء لخدمة الرسالة الإنسانية التي تصرخ اليوم كي تجد مستمعاً ومستجيباً لنداءات النجدة من الإنسان الفلسطيني.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium