النهار

"ولاد بديعة"... سادية وسوداويّة وعنف لا يُحتمل
المصدر: "النهار"
"ولاد بديعة"... سادية وسوداويّة وعنف لا يُحتمل
سلافة معمار بدور سكر في مسلسل "ولاد بديعة".
A+   A-

إيمان إبراهيم

 

أجواء خانقة، لا شيء سوى الدماء والعنف، والثأر الذي يستجرّ ثأراً، غرق "ولاد بديعة" في سوداوية قاتمة، لا نقطة ضوء، صراع الشرّ مع الشرّ، تجد نفسك بينهما غير معنيّ فليتنصر من ينتصر ولينهزم من ينهزم.

 

وحدها كاميرا رشا شربتجي جعلت هذا السواد محتملاً، رغم مشاهد العنف الدموية. مشاهد تسير بصورة تصاعدية، كلما اعتقدت أنّ شلّال الدّم بلغ ذروته، تكتشف أنّ الذروة لم تأتِ بعد.

 

كان لمشهد إعدام القطط أن يمرّ بسرعة، لقطة لا بدّ منها للإضاءة على شخصية مختار الدباغ (محمود نصر) المرَضية المقيتة، شخصية معجونة بالشرّ منذ الطفولة، لكن مشهد القطط التي لا حول لها تتدلّى والحبل يطبق على أعناقها كان لازمة تعاد مراراً للتذكير بمشهد لا يحتاج المشاهد سوى إلى نسيانه.

 
 

تتساءل، كيف لبديعة (إمارات رزق)، هذه المرأة المعجونة بطيبة فطرية أن تنجب كل هذا الشرّ؟ بديعة التي لا نعرف لها أصلاً، وجدت نفسها على قارعة الطريقة، تقفز في حاوية نفايات لتنقذ فتاة رضيعة، احتضنتها لتعيشا حياة التشرّد، قبل أن يحتضنهما عارف الدبّاغ (فادي صبيح)، ويدفق على المرأة حباً لم يحظَ به حتى أولاده.

 

كانت بديعة بطيبتها وفطرتها وبساطتها، تشعره بأنّه صاحب كيانٍ مستقلٍ، بعيداً عن زوجته التي لطالما أشعرته بأنّها انتشلته من الحضيض.

 
 

لكن حتّى حب عارف السريالي لبديعة كان مغمّساً بالخطيئة، استغلّ طفلة بجسد امرأة، أنجب منها توأمين، عدوّين لابنه من زوجته الشرعية. عداء أودى بحياة بديعة. نقطة الضوء الوحيدة انتهت حرقاً، ليتخبّط بعدها الجميع بكرة نار تلتهم كلّ من حولها. مشهد نهاية عارف على قبر بديعة والوردة في يده مؤثر.

 

الحبّ في "ولاد بديعة" مغمّس إمّا بالخطيئة، وإمّا بالدّماء. لا فسحة وردية يستنشق فيها المشاهد عطراً ينسيه الرائحة المنبعثة من الدّباغات، رائحة العفن والمؤامرات والكره الذي تتوارثه الأجيال. حتى حبّ سكّر لزوجها كان مغمّساً بالخيانة وانتهى نهاية دمويّة.

 

لا تدرك لماذا تحمل سكر في قلبها كل هذا الحقد، هي التي عاشت في كنف بديعة وذاقت منها حناناً جعلها تذرف الدمع دماً عندما خسرتها. حبّ يكفي ليصالحها مع الدنيا. اكتشفت متأخرة جداً أنّ المرأة الصامتة ليست أمّها، وأنّ ياسين وشاهين ليسا أخويها.

 
 

سلوك سكر لا يختلف عن سلوك بنات الليل اللواتي يعملن في الملهى، رقيعة، معجونة بالشرّ لا ترحم، حتى حبّها مشوّه، وأمومتها مشوّهة. هي التي ظلمت بجبروتها جيرانها، واستولت على أملاكهم، لم تضعف سوى أمام زوجٍ لا يملك من مواصفات رجل الأحلام شيئاً. أقلّه لامرأة لم تعرف يوماً والدها.

 

تبدع سلافة التي لم تكد تخلع عنها ثوب الطبيبة أسيل الناصع البياض في "الخائن"، حتى ارتدت ثوب راقصة رقيعة، لا تثير التعاطف حتى في لحظات ضعفها. كلما لاحت في داخلها بوادر توبة تقمعها.. الشرّ فيها مؤصّل.

 

محمود نصر بدوره يخلع عنه ثوب الطبيب جواد في "كريستال"، الذي انغمس في مؤامرات الغرام والانتقام بصورة صبيانية. انتقام مختار الدباغ أبعد من مجرد رغبة في إزاحة الخصم من دربه. اكتشف طبيبه عند أوّل صدمة أنّه يعاني من ذهان، وأنّه كان يملك استعداداً جينياً للإصابة بمرضٍ نفسي، عزّزته الظروف التي عاشها، بين أمّ معذّبة، وأب لا مبالٍ. لكن خلفيته المرضية لا تعطيه أي عذرٍ تخفيفي، ارتكب جريمة شنعاء، عوقب بعاهة مستدامة. دوامة شرّ لا تنتهي.

 

شاهين (سامر إسماعيل) هو الشخصية الكاريزمية المربكة، يتصارع داخله الخير والشرّ، لكنّ مختار الدباغ لم يترك له أي خيار، والعداوات التي أورثه إياها والده قضت على بذرة الخير فيه. هو واحد من أقوى ركائز العمل، يؤدّي دوره بشغف دون استعراض.

أما ياسين (يامن الحجلي)، فهو جندي في معركة طاحنة، تراه أحياناً، وأحياناً تغفل عنه عندما يكثر الجنود المحاربون.

 

بالمجمل، يقدّم الممثلون سيمفونية جميلة من أداء مقنع، يعيد إلى الدراما السوريّة بريقها. كنّا نتمناه بريقاً ناصعاً بعيداً عن دوامة العنف، وتطبيع العنف، وخلق ألفة مع الشرّ من خلال شخصيات كاريزمية تدفع المشاهد أحياناً إلى التواطؤ معها.

 

أجواء "ولاد بديعة" تعطي انطباعاً بأنّ هذه القصّة تدور في زمنٍ مضى، يوم كانت تسود شريعة الغاب، وحده التاريخ المطبوع على قبر بديعة (2009)، ومرور سنوات على رحيلها، يعيدك إلى الحاضر، وأنّ كل هذه المعارك تدور في سوريا اليوم الغارقة بتداعيات الحرب والأزمة الاقتصادية.

 
 

تبدو عدسة رشا شربتجي ذكيّة وهي تتنقّل بين زمن الحاضر، وزمن الماضي البعيد والماضي الأبعد، هذا عن المخرجة، أما النّص فبدأ متماسكاً، بعد الحلقة العاشرة أصبح أشبه بحلقات منفصلة، محشوة بأحداث غير مترابطة، لا عقدة حقيقية ولا حلول، لا شيء منتظر، مجرّد دوامة عنف متصاعدة تجعل الاستمرار في المشاهدة مشقّة.

اقرأ في النهار Premium