النهار

بعد نجاح دينا الشربيني وإخفاق مهيار خضّور... أسئلة برسم المنتجين اللبنانيين
المصدر: "النهار"
بعد نجاح دينا الشربيني وإخفاق مهيار خضّور... أسئلة برسم المنتجين اللبنانيين
مهيار خضّور وماغي بوغصن في مسلسل "ع أمل".
A+   A-
إيمان إبراهيم
 
انتهى الموسم الثاني من مسلسل "كامل العدد" (بطولة دينا الشربيني وشريف سلامة وإسعاد يونس وميمي جمال) وهو في القمّة عند الحلقة الـ15. كان يحتمل المزيد من الحلقات لكنّ صنّاعه ارتأوا موسماً مختصراً كما الموسم الأوّل، أكمل بنجاحٍ تصاعدي قلّما تجده في المواسم الثانية، حيث تنحاز الذاكرة دوماً إلى الأقدم.
 
يستوقفك أمام نجاح المسلسل اسم الشركة المنتجة "إيغل فيلمز" لصاحبها المنتج جمال سنان، الذي قدّم مسلسلاً تحدّث عن براعته المصريون. كان كمن "يبيع الميّة في حارة السقّايين"، غامر ولم ينجح فحسب، بل تفوّق في مصر أم الدراما وأبيها، كما في الكويت حيث ينتج منذ سنوات مسلسلات يختلف حولها النقّاد. وعندما وصل إلى لبنان، تراجع رافعاً شعار الدراما العربيّة المشتركة في شهر رمضان الموسم الدرامي الأكثر مشاهدة.
 
في "كامل العدد" كان ثمّة إجماع على أنّ المسلسل متكامل، قصّة وسيناريو وحواراً وإخراجاً وأداءً. أعدّ النص ببراعة (كتابة يسر طاهر ورنا أبو الريش)، الأحداث مترابطة، الأدوار متوازنة لا يطغى أحدها على الآخر، لا تشعر بأنّ ممثلاً نجماً دسّ أنفه في السيناريو ليقتطع مشهداً لزميله ويضيف مشهداً لنفسه ويلمّع صورته على حساب السياق الدرامي.
 
السياق الدرامي نفسه متماسك، ليس ثمّة تراخٍ ولا أحداثاً مفتعلة. كما الحياة، تسير بيوميات بعضها مثير وبعضها لا يُذكر، المثير فقط حاضر في "كامل العدد". العلاقات الإنسانية صادقة، والأمومة بأجمل وجوهها. لا وجود للأم الخارقة التي تطلب من أولادها الخلود إلى النوم فيلبّون الطلب عاجلاً بعد أن يتمنّوا لها ليلة سعيدة، بل أطفال يشبهون أطفالنا، تخوض معهم الأم معارك يومية معتادة قبل النوم وعندما ينامون يعمّ الصّمت والهدوء المنزل الخارج من ساحة حرب.
 
أبطال "كامل العدد" ليسوا خارقين، ليسوا مثاليين، ليسوا غارقين في الفضيلة ولا الرذيلة، هم أشخاص عاديون اجتمعوا في جوٍّ تسوده البهجة. رغم كل المشاكل وكل الأسى، تبقى البهجة عنوان العمل الذي يعطي المشاهد طاقات إيجابية يحتاج إليها مع اجتياح مسلسلات العنف الدموي الشاشة.
 
أبدع المخرج خالد الحلفاوي في النهوض بموسمٍ ثانٍ، جاء بعد أشهر على رحيل الممثل مصطفى درويش، تذكّره صنّاع العمل من الحلقة الأولى حتى الأخيرة، أفردت لذكراه لقطات لم تبدُ دخيلة على النص، ولا مجرد استجرار للتعاطف، ولا لزوم الترند وأنّ نجماً رحل ومسلسلاً أراد اقتطاف اللحظة الدراميّة في ذروتها، بل لحظات صادقة بالعمق.. يدرك المشاهد صدق الأحاسيس النابعة من فريق عمل صعقه رحيل الممثل الشاب الذي ظلّت صورته معلّقة فوق الجدار وفي قلوب المشاهدين.
 
وبالعودة إلى شركة "إيغل فيلمز"، التي تنجح للسنة الثانية على التوالي في تصدّر المشهد في عاصمة الفن العربي، فقد أخفقت في عقر دارها في صناعة عملٍ محلي، إذ أعدّت لمسلسل "ع أمل" كل عناصر النجاح، لكنّها نزعت عنه صفة المسلسل اللبناني.
 
كان بإمكان المسلسل أن يكون لبنانياً خالصاً. نص قوي لكاتبته ندين جابر، التي صاغت قصّة متكاملة، حبكة قوية، تشويق متصاعد، شخصيات مدروسة، حوارات صادقة، خطوط دراميّة تتقاطع بذكاء وممثلون محترفون... كان بإمكان المسلسل أن يحلّق بعناصر لبنانية خالصة، إلى أن تصدّر اسم الممثل السوري مهيار خضور المشهد بدور نبال.
 
مهيار الذي نجح في الموسم الثالث من "للموت"، بدا حضوره في "ع أمل" نافراً.
 
ماذا يفعل أستاذ جامعي سوري في الجامعة الأميركية؟ الحجّة الدرامية أنّ نبال يملك جنسية أميركية تخوّله التدريس في الجامعة. كان بإمكاننا تفهّم وجود ممثل سوري، ونزع صفة الدراما اللبنانية عن المسلسل لو كان الممثل من الأسماء الوزانة في عالم التسويق، وعالم التسويق هذا لا علاقة له بالموهبة، قد يتفوّق مهيار بأشواط على الأسماء البيّيعة لكنّ للسوق كلمة أخرى.
 
لم يكن حضوره مقنعاً في بيئة لبنانية خالصة، لمسلسل يعالج مشاكل نساء لبنانيات ظنّ المجتمع حين تحرّر أنّ كل نسائه تحرّرن، ليضع اليد على جرحٍ لم يندمل بعد، ويكشف عن حقيقة أنّ بعض النساء ما زلن يعانين في بيئات متحجّرة لم تنقرض بعد.
 
أما عن المخرج السوري رامي حنا، فإنّ وجوده في مسلسل لبناني لا ينزع صفة المحليّة عن المسلسل، إذ سبق للمخرج التونسي الراحل شوقي الماجري أن أخرج أهم المسلسلات السورية الغارقة في محليتها.
 
بدا كأنّ شركة الإنتاج تعترف علناً بأنّ الدراما اللبنانيّة حرف ناقص، هي نفسها التي تنتج مسلسلات مصرية وكويتية، تشاركها شركة "الصباح" التي بدورها تنتج مسلسلات مصرية وسورية، انتقلت من الدراما المشتركة إلى السورية المحليّة، حتى إنّ الممثل اللبناني الكبير جوزيف بو نصار حين شارك في مسلسل "تاج"، كان عليه أن يتحدّث باللهجة السورية لأنّ المسلسل محلّي لا مكان فيه إلا للسوريين وللفرنسيين المحتلين.
 
الشركتان لم تقدّما أي عملٍ لبناني يضاهي إنتاجاتهما المحليّة التي يقدّمانها في دول الجوار، ظلّ المسلسل السوري على مدى سنوات خارج التسويق، كانت المحطات العربية ترفضه لأسباب سياسيّة، لكنّ صنّاع الدراما السورية المؤمنين بصناعتهم لم يفقدوا الأول، ظلّوا حريصين على إنتاج أعمال بميزانيات محدودة للاستمرار في عملهم، شغفهم وهويتهم.
 
فإن كانت أهم شركتين في لبنان تأنفان عن إنتاج أعمالٍ لبنانية خالصة، بنصوص قوية وممثلين أثبتوا حضورهم في الدراما المشتركة التي تمّ تسويقها على نطاق واسع في العالم العربي بالاتكاء على أسماء نجوم سوريين ونجمات لبنانيات في خلطة يبدو أنّها لم تعد مغرية كثيراً، فمن سينتج أعمالاً لبنانيّة؟ وإن كان المسلسل اللبناني بالفعل حرفاً ناقصاً وصنّاعه فقدوا الأمل في تسويقه فلماذا لا يعلن منتجونا وفاة الدراما اللبنانية، نقابلها بالإنكار ثم بالقبول ثم بمشاهدة الدراما المشتركة والترحّم على فنٍ لم يجد من يحتويه فلفظ أنفاسه الأخيرة؟

اقرأ في النهار Premium