النهار

نظرة حب... دراما لم تقع بعد
مسلسل "نظرة حب".
A+   A-
عبيدو باشا

تطرح الدرامات التلفزيونية حروفها وفق ما تأمر به الإنتاجات. عبادة الأوثان، واحد من الحروف هذه. وهي تقوم على إنتاج الأسماء، تقديمها كما لو أنها كاملة من كمال صناعها. ولكن الكلمات إذ تبقى، تبقى لكي تسمّي الأشياء بأسمائها. وهي أسماء لا تجيد سوى النقصان في واحدة من المفارقات الهائلة مع بعض الأسماء في بعض الدرامات، حيث تظهر فجأة كأسماء تعوزها الكفاءة. حدث الأمر في "نظرة حب" (قناة الجديد) مع باسل خياط وكارمن بصيبص في دوري بحر وقمر. 
 
لا يعود تراجع الكفاءة إلى المؤدّيَين وإلى المؤدّين الآخرين وحدهم، لأن التراجع من نص رافي وهبي وإخراج حسام علي. نص طافح بالنقائص والعيوب من عدم قواه على قراءة فنون الكلام في القضايا السياسية وطبيعة العالم الدائرة فيه. ذلك أن الدراما لا تحدق بأم العينين بوقائع شقتها مجموعة من السياسيين اللبنانيين، في واقع لم يعد واقع الله، حين أضحى واقعهم مع سيطرتهم على الحياة وهم يلقون الشكوك الكافرة على كمال صانع الحياة. إنهم آلهة الحياة، لا الإله. 
 
لم يخطر لرافي وهبي سوى أنه لن ينجز ما عدا الفن الوحيد الناجح. فن الله. غير أنه إذ فعل ظهر بمظهر المعتدّ بنفسه وهو يجهل لعبة المرايا في الحياة السياسية في لبنان. لم يكرّس ما هو مكرّس حتى. ذلك أن ما فعله أنه لم يطابق الواقع ولم يُخيّل عليه من عدم فهمه لطبيعة العالم السياسي في لبنان. هكذا ظهر كصاحب موهبة ناقصة، على الرغم من عيشه ما أمرته به التجربة في مجموعة من القيامات، بعيداً من لعنة تصوير الواقع اللبناني السياسي. حيث برم دراما "نظرة حب" على طامحين بلعب دوريهما في الحياة السياسية، ليظهرهما وهبي كغولمين مسكينين. الغولم مخلوق ناقص. نص حوّل البطلين إلى غولمين، كما مسخ الشخصيات الأخرى. وهي شخصيات لا تؤمن لا بصناعة الزمن لها ولا بصناعة الدراما. شخصيات ملعونة، لأنها لم تستطع الاستقرار في شروطها الوجودية. 
 
نص من مؤلف سوري يهدف إلى الوصول إلى التركيبة اللبنانية، بدون أن يلمّ صاحبه أن بين التنصيص والواقع أشياء لا يستطيع مؤلفون ولا كتاب أن يبلغوها من طبيعة الفاسدين اللبنانيين وقوتهم في فسادهم، هم من احتلوا مواقعهم في البرلمان والحكومة والمؤسسات الأخرى ككتب مطبوعة، يُمنع على الأصابع تقليب صفحاتها. ثمة ما هو مفقود في "نظرة حب" من السياسة وأبطالها إلى الحياة اليومية والعلاقة بين الاثنين. هكذا، ظهرت الشخصيتان كشخصيتين كاريكاتيريتين. كما ظهرت الشخصيات الأخرى كشخصيّات رحالة. شخصيات جوالة في رؤوسها لا في رأس الدراما. وفق الأمر، جُعِلت الدراما دراما لم تقع بعد. دراما تبحث عن نفسها ولا تراها، لا بالرؤية ولا بالرؤيا. لا مخلوقات إذن، تقوم على الخلق الإنساني. طموح وجود بدون وجود، في عيش لم يلامس كعوب العيش. نموذج أفلاطوني لدراما وقعت في شواش التخمين. نموذج أفلاطوني في غرام بين متناقضين. مصلح سيارات وفتاة مثقفة، لم تفكر بالخروج على نظام والدها إلا بعد إنقاذها من الميكانيسيان، إثر انقلاب سيارتها بها وبخطيبها (ميشال حوراني). مذاك لا يعود التباين بين مفهومي الشخصيتين قائماً، بعد ظهور شبح الحب بينهما ليصل العامل الأمّي إلى بلوغ حال يقينية يذكر بها بكبار المثقفين وهو يتخطى خلقه المحدود. 
 
استدراج النص شخصياته إلى الطموح، استدراج زائف. هكذا يقرأ كلاماً لا يليق إلا بشخوص آخرين في زمن آخر. تلفيق لا التقاط من سطور الحياة. نقاش مؤلف "توأم الشعلة" القائم على الجهد الحثيث لشخصية تحلم بترتيب الأشياء من فوضاها على نظامه (غبريال يمين). لا لحظة مشرقة. أسف لا يقوى على أي أسف. أسف على عدم القدرة على الإمساك بشيء في دراما لا تسطر سوى ما هو مهترئ (يتهم الوالد ابنته بالجنون علناً، لكي لا تؤثر على نتائجه في الانتخابات). سطر من هنا، سطر من هناك. موقف من هنا، موقف من هناك. مواقف مفجعة كأن ينظم الطامح إلى لعب دور سياسي (بيار داغر) مسابقة أسرع ملتقط لحذائه من مسبح الفيلا. يسكر ويرمي حذاءه في الماء. ثم يطلب من مرافقيه أن يتسابقوا إلى الوصول إلى الحذاء لكي يربحوا مبلغاً حدّده للفائز. مشاهد لا تنوجد ولا تكتمل في مكتبة ولا في كتاب. كأن يصبح مصلح السيارات الفار من السلطات بتهمة اغتيال الفتاة وخطيبها مصلحاً بين فرقتي تهريب تتقاتلان على الغنائم. مشاهد إطلاق النار عروض مخزية، خطف الولد خطف متهافت لا فهد يقتحم المعبد، الحب المستحيل بين معظم الشخصيات الذكور والإناث التواءات موحشة. لا أثر يذكر، لا جِدّة، لا إضاءة. كل الروايات روايات رديئة تطيح باسم. كما أطاحت رواية المهرب بسعيد سرحان أحد أبرز الممثلين في لبنان. 
 
لا شمس في لحظة. لا شغف. لا منطق. لا بصمة. 
 
وأمام مقدرات الإخراج الضعيفة، أضحى عقل الدراما الكامل في ما لا يرجوه أحد. ضعف لا يتصور كضعف الإخراج. ضعف الإخراج، حوَّل المشاهد إلى يافطات. مشهد الرقص في الحلقات الأولى استغرق سبع دقائق. الإخراج سقوط جسيم، لأنه لم يستطع أن يروي قصة، لأنه ظهر كأنه يقرأ بها لأول مرة. قاد الأمر إلى سقوط عميم في التعميم. نهر لا يتوقف. هكذا بدا الأمر، بعيداً من الاحتمالات والتحولات. نهر مقلق في دراما مقلقة، لا تقوّي الأمل بالخروج منها إلى صعود. صعود من الماضي إلى المستقبل. إنها نموذج قدر بعيد من المجاز. قدر حقيقي يطوي الدراما على خطر الركود. لا عزاء، حتى في كلام على مخرج آخر هب لمساعدة حسام علي في فك الروايات من فلتانها. كأن يسعى البطلان إلى الوقوف على مكان جديد ليراوحا في مكان ناءٍ على مدى وقت لا تنجلي حقيقة فيه، لأنه لا يمت إلى الحقيقة بصلة. لن يجد العمل هذا كما وقع، لن يجد مطرحاً حتى في أرشيف محطة متفككة.

اقرأ في النهار Premium