علاقة رامز جلال ببرامج الترفيه، علاقة تجسير. لا علاقة غضب، كعلاقة ضيوف "رامز جاب من الآخر". وهو غضب سلاسل مزيّفة، لا غضب انطلاق، إذ إن التصاعد فيه يسبق تصاعده. ذلك أن كل من يحضر في البرنامج، يعرف أنه سيتعثر في المساحة المحددة، لأنه يملك بطاقة الدخول إليها. بالبطاقة مجاله المادي. لن يدفع لكي يشتريها. بالعكس.
غضب المشتركين ودموع المشتركات المنهمرة، من أعمالهم، لا من أعمال رامز جلال وحده، لأنهم لا يجادلون حين يدعون، حيث من المستحيل المجادلة أمام المبالغ الطائلة المدفوعة لهم من جهات الإنتاج.
وهبٌ بلحظة نور من فكرة لا تزال تتكرر منذ أعوام، بدون أن تنقضي، لأن ما يقدمه من لم تؤكد هويته كممثل، هجران مجال إلى مجال آخر. قفز على حكم. براغماتي يواصل جعل الحياة ممكنة بالنسبة إليه في برامج الألعاب، ما دام لا يعلق الآمال على تقديم المساعدة لنفسه بصورة حقيقية لكي يضحي ممثلاً من طراز لا يختفي في برامج الألعاب.
وهي برامج أمينة على نحو صارم في تسخيف كل شيء، من الثقافة إلى علم الاجتماع والمجادلة والسؤال. هكذا، انزلق الجميع في حفرة جورج قرداحي وهو يقدم من سيربح المليون. وحين لم يعد المليون قميصاً فضفاضاً، وُجِد في برنامج على محطة عراقية بعنوان "المليار". أدرك البرنامج التضخم المالي، كما أدركه صاحبه. وزير الإعلام اللبناني السابق يقدّم برنامجاً ترفيهياً بعد أن أضحى المليون ملياراً، لأن المليون لم يعد يثير المشاعر. الشرط بالاشتراك، أن لا تفكر. سؤال بأربعة احتمالات. أربع إجابات، يلغي اللاعب منها ثلاثة ليربح المليون، أو يستعين بصديق ليجيب عن السؤال. توهب إن لم تفكر. لا تفكر تربح. هذه هي المعادلة. لا مواجهة مع النفس. وقوف على السطوح يقود إلى التهاوي في حفرة لم تطرق من قبل. هذه برامج تقوم على تعديل السياسات العامة، أو خدمتها، وخاصة في مراحل الكساد. ذلك أن الصدمة الاقتصادية لا تقوم إلا حين يقع الكساد، إذ إن الحكومات تعتقد أن الصدمة الاقتصادية ضرورة للحفاظ على الاستقرار. سوف تعبر الصدمة سريعاً بلا إدارة اقتصادية. برامج الترفيه والألعاب تقوم على هذين المعطيين، بحيث تحوّل كل شيء إلى بضاعة، من خلال نوعين من السياسات. السياسة النقدية والسياسة المالية.
لا اصطدام بالواقع، لأن الواقع غير موجود. برامج الألعاب والترفيه لا تثير الحيرة ولا القلق عند الرأي العام، لأنها تقدم أكبر قدر ممكن من الهروب من الواقع. رامز جلال مطر لا يكف عن الانهمار. يدعو ضيوفه إلى المشاركة في برامجه، كما تدعو الدول إلى مشاركة الشباب في الخدمة العسكرية. إنه في الواجهة يراه الكل ويدّعون عدم رؤيته، لكي يشتغلوا كندل في برامجه وهم يقضون حضورهم بالقيام بجميع الأعمال، بما فيها إذلال الأنفس بوجودهم على موائد لا تفتقر إلى الطعام. طعام يؤكد التوقع بأن الطعام لا يقتصر على الطعام بالمعنى المباشر، إذ إن الكسب المادي أشد من الطعام. مبالغ مجزية على ما يؤكد مديرو الإنتاج. بشرط تأكيد التوقع. تسطيح الإدراك وإزالة الشكوك بأن الحياة لا تصغي إلى ما عندها.
لأن الحياة بالحصول على تأجيل الصور المؤلمة أو إخفائها، ما لا يريد إنتاج أن يراه قط. ثمة شركات تعمل في هذا المجال. مجال المال. عمل منتظم، يخفي الوقائع، الحقائق، اليوميات، الأوضاع المأزومة، في أمور لن تغيب عن الإنتاجات الرمضانية. التسطيح وظيفة حقيقية، تقيم في عقول المنتجين. ثمة اقتصاد ناشئ في برامج التسطيح. نظرية اقتصادية جزئية تؤدي إلى جمع الأعمال في مخازن الترفيه، وهي في أعلى قدر ممكن من التسطيح. للأخير ديناميكياته الواسعة مع رامز جلال. كمية النقود المتوافرة في اقتصاد الترفيه مضروبة بسرعتها. سرعة التأثير وسرعة الصدام مع ما هو قائم على الأرض. لا علاقة للأمر بتوزيع الثروات. لأن أصحاب الثروات لا تساورهم الشكوك الجلية في الاتفاق على أن ما يصرف لا علاقة له بالثروة، ولو ساورت المشاركين فكرة مقاسمة الثروة مع أصحابها. الثروة لأصحابها، بدون أخطاء. هذا جزء من ما نطق به الجدود وما سينطق به الأحفاد.
توزيع الثروات، ليس جزءاً من القواميس الموقرة، لأن الثروة كتاب الأثرياء المقدس، تستعمل أجزاء منها على ما يشتاق من لا يمتلكون الثروات إليه. وهذا تعثر بواحدة من المفردات الصعبة بعد مفردة التسطيح المدمرة. تبسيط مفرط للمحتوى الفكري في التعليم والتربية والأدب والثقافة والفن. ألعاب كألعاب الفيديو، وهي ألعاب العرافات والعرافين المضيئين في أجهزتهم. برامج رامز جلال تقدم وقائع تخلو من الحقائق وأخطاء زائفة وأخطاء غير زائفة. الأخطاء غير الزائفة نادرة. ذلك أن وراء طبعات برنامج رامز جلال فرق إعداد ترى في الظلام أكثر مما ترى في الضوء. لا تقييم شخصية من شخصيات المشاركين ولا قراءة خاصة، إذا وقع القفز فوق القراءة البالغة الخصوصية، القراءة الشجيّة، مؤكدة أن الدور الحيوي لهذه البرامج هو في تعديل المحتوى ليجذب من هم قليلو التعليم أو الذكاء. فظاظة جلال واسعة النطاق من سيطرتها على ضيوفه من عدم قدرتهم على هز أكتافهم أمام الضغوط المالية، إنهم في حلم يقظة عميق، لا من طبيعة العلاقة بينهم وبين جامعيهم، بل من أموال هذه الأعمال. وهي أموال عالية. ولكنها لا شيء من رأس المال.
يرد ذكر الاسم مرتين في نسختين من نسخ برامج رامز جلال. يجيء الاسم لكي يمارس الأعمال المتاحة. وهو يدري ما هي. لذا، سرعان ما يأتي لإنجازها وهو يمر أمام الجمهور بأوقاته العصيبة. أوقات تظهر ولا تعاش. النتيجة: تضاؤل الفكر النقدي العام، من خلال إضعاف المعايير الفكرية. ثم تعميق فكرة الإضعاف. مساهمة في تحويل المجتمع إلى مجتمع تصبح فيه ثقافة الطبقة الحاكمة، العادات الثقافية للطبقات الحاكمة، راسخة باعتبارها الثقافة الشرعية، ما يقلل من قيمة رأس المال الثقافي للطبقات الاجتماعية التابعة، على ما يقول بيير بورديو. ما يحد من قوى حراكهم الاجتماعي في مجتمعاتهم .
رامز جلال أداة في مجتمع واسع، لا يراد له أن يلتزم قيم حياته. رامز جلال خاسر في شركات الإنتاج. شركات رابحة. خاسر ولو وجد نفسه في العناوين، بعيداً من النوم في العراء أو في محطات القطار العتيقة. إنه يمارس الخوف من سقوطه بإسقاط جمهوره. عصفور مغرد في سرب، لا خارج السرب. سرب يؤكد أن السوق تصويت يومي على القيمة. وأن قيمة الفرد في إهدار قيم الجماعة أو احتمالات تشكلها. جهد إداري ضخم، لا فنّي ولا ثقافي، في قطاع الترفيه. ما يقوم جهد بالغ، كقيام شركة. الميزانية التقديرية أولاً. ثم ميزانية الإنتاج، في مناطق بناء مريبة. إنها شركات أكثر تناغماً مع الذات من استلهامها ما تراه مثالياً في بعض شركات الإنتاج الأميركية والأوروبية والآسيوية، حيث إن قطاع الفن في الولايات المتحدة الأميركية يوفر ثلاثة ملايين وظيفة برأسمال ١٤ مليار دولار.
كما هي الحال في الهند حيث تبلغ تداولات قطاع الفنون ٥ مليارات دولار، بارتفاع بنسبة الضعف عن عام ٢٠١٧. تضاعف من خدمات الإرسال الفوري وتقنيات الذكاء الاصطناعي. قيمة صادرات القطاع التركي تصل إلى نصف مليار دولار. أضحى العالم العربي في القطاعات المهارية هذه. قطاعات تعوّل على الاقتصاد باستعمال الماكينات، بحيث يدفع المشاهد إلى فتق أكياس الرمل الموجودة لكي يصنع منها وحوله. لكي يصنع منها رماله المتحركة. هذا إمعان في موت الإنسان، موت الإنسانية.