تؤلف نادين جابر نص " ع أمل " بشغف. تؤلفه مشددةً على مركزية العاصمة، أهميتها الفريدة في قيام مجتمع ديمقراطي متحضر؛ الالتزام، التحفظ في الأرياف. الأحداث الفارقة هناك. هكذا تقوم الكوارث الماحقة في الريف، حين أن المدينة ساحة تجارية لا تعيش إلا على الرفعة، الرخاء، اقتناص الفرص. بداية عهد "يسار" الجديد (ماغي بو غصن) في المدينة، بعد أن فجر أخوها وجهها بالشطوب في الريف. نحن في بدء ثورة عهد جديد مع امرأة حامل يلقي بها أخوها "الأخلاقي"، الاندفاعي، في النهر. "أصولي" يمتلئ بدم التقاليد. إذ يرى أن الإذلال في امرأة تحالف نفسها أو تحالف الآخر في خروجها معه إلى زواج متوازن، لا إلى زواج مُستعمَّر. زواج استعمار. زواجه اللازم زواج لم يعد موجوداً سوى في رأسه، ولو أن "ع أمل" يعيده إلى فقرات الدين المكررة. نقطة خلاف أولى: الدين حضارة في تاريخ، لا عمليات تضعفه أو تسلبه ما احتواه على مر العصور. "مسلمو جبيل" في القرون الوسطى، حين أن "الآخرين" يحيون في دول الغرب المتقدمة، حين ينوجدون في العاصمة.
تقوم الفروق بين الأرياف والمدن في "ع أمل" على سلسلة من الحروب العدوانية، بطلتها مذيعة متحررة، مذيعة نسوية اضطهدها المجتمع الريفي، برموزه، إثر تركها في مقام الموت حين أرادت أن تستكشف معناها الآخر في المدينة. إذن، طبيعة الماء في الإقتصاد الصناعي لا الإقتصاد الزراعي. هذا هو ثمن رواية "ع أمل" المفقود. لأن مرتكز الدراما الاستعباد الذكوري للإناث، لا قراءة ما يقف وراء غزو الأرياف لنفسها بالعادات والتقاليد.
تروي جابر وكأن لا شيء تغير، لا خطى لحاق بالزمن، لا وعي، لا علاقة بالتيارات والإشراقات. ما تراه في سلوك الريفيين انحلال رمزي. كأنها حرب على الأفيون. سقوط من أعلى قمة على القيم (هل لا تزال المادة نفسها)، ما لا يعتبر بعد ذا مدى تواصلي. ذلك أن نظام الحياة الاجتماعية، نظام لا يسعه سوى الاحتكاك بمسيرات التحديث وميز العلاقات الجلية بالعالم. لا شيء من ذلك، سوى المقارنات الفظة بين مجتمع مشارك بالمنافسة العالمية وآخر لا علاقة له بالحضارة. المهم أن النص لم يصور جزءاً من أهل جبيل، حزامها البعيد من حدود الملاحظة، كمنتجين للفخار والحرير. لا شيء من القراءة بين نظام ونظام. النظام الزارعي والنظام الصناعي. لا بأس. لأن لا علاقة للأمر بالعدوان على أمة. ثم، أن القراءة بين النظامين قراءة في الرأسمالية كنظام لحياة اجتماعية. وهذه من أمور منهجية غير مطلوبة، لأنها تقود إلى وقوعها في تابوتها المحكم. إذ أن قراءة من النوع هذا تقف في وجه إحلال التجديد، من ثقلها على أي هيكل درامي. تمنح الأولوية إذن، إلى الكلام على القسمة التعسفية، التنميط. الإثنان يقودان إلى التعميم. وهذه قضية من القضايا البعيدة المدى في الدرامات المحلية والعربية بالعموم. هكذا، قضى "ع أمل" باقتناص الفرصة لكي يقدم شخصياته، بعد إخراجها من صناديقها المغلقة. لأنه لم ينتبه إلى أن طبائع المجتمعات في لبنان، أضحت في حركات معادية لنفسها وهي تبتعد عن التكدس البدائي في العادات والتقاليد. لا عهد اجتماعياً جديد. هذا صحيح. ولكن مراحل الإذلال، إذلال المرأة، وقعت في حرب المقاومة المستمرة والباسلة والعنيدة في الجو الاجتماعي العام، بدون غرق في المذابح الدموية. حدث الأمر حتى في النواحي. غير أن الدراما أرادت أن تقضي على جماعة وكأنها تقضي على السكان الأصليين في أميركا.
لم تعد الثقافة الاجتماعية نفسها في الموجدات الاجتماعية. حتى إن حالات الإنغلاق باتت تحسب على أفراد لا على مجتمعات. لأن النظام المدان لا ينتمي إلى جسد ضخم ولا روح ضخمة. رجل يعنّف زوجته. هذا ليس معناه أن هذا من الطبائع الرفيعة لمعظم الرجال. وأن هؤلاء لا يزالون يقيمون في الارتياب من المرأة حد التخلص من "أزماتها" بالاغتيال المادي والمعنوي. مأزق صعب لا تقوى عليه دراما، تعرض نفسها وكأنها تلخص أو تكثف ثقافة في أداء عسكري، لا يفتح الأبواب على النقاش، قدر ما يغلقها وهو ينشر أسلوبه الموحد في عمليات تحطيم أوضاع الانغلاق الهمجي للرجال. التعميم انفصال عن العالم. التعميم، لأن الاتجاهات متعددة. والتعميم منظور جندري يقوم على علاقات القوة بين الرجل والمرأة بالانحياز إلى الأخيرة بوصفها ضحية تقوية مفاهيم الذكورة وإغنائها بعدم تقديم المساحات والمخارج لها. التضمينات في التشبيهات. ما يؤكد أن الإثارة في مناهضة ما تراه توافقات الرجال على المرأة بعيداً من معانيها الجديدة. تحديثاتها. لذا تناهضها كنوع اجتماعي يتواصل خارجياً بالترميز عبر المادة الفنية. ذلك أن النوع الاجتماعي في "ع أمل" يخلّف تداعياته على الرجال والنساء في دراما مخططة على المفاهيم الجاهزة. ما لا يحقق الاستفادة المتساوية بين الرجال والنساء.
تحليل النوع الاجتماعي هنا، يبتعد من تحليل النوع نفسه في المعرفة، بحيث يؤثر على الأقران بربطها بآليات صنع القرار. هكذا، تقف سيولة يسار بصورة فورية، لا تدريجية، في قيام شخصيات أقربائها، أخواتها بالتحديد، بعيداً من الإصلاح. إنها على مرتفع مديني وهم على جرف ريفي. جرف ذهني، لم يخضع للتحديث السياسي بالجوهر، بحيث لم يحقق التقدم بخطوات ضيقة.
تخفف القراءة البصرية من تحطيم الهيكل الاجتماعي لجماعة لحساب الجماعة الأخرى. وهي جماعة لا يهمها تعزيز الاستقرار الاجتماعي وهي تقيم وجودها على سير تقوم على التنافس المدمر لا على الديمقراطية في التلفزيون، حلبة الصراع بين الأشخاص والمفاهيم. ذلك أن التأليف يقوم على استدراج التراند. الأخير نظام في النظام. تنظيم الأعمال بدون مشاركة الأطراف في وضوح التغيير الهائل للعلاقات في المؤسسات القائمة بذاتها.
لعل "ع أمل" أقل قدرة على تحمل الوظائف هذه وهو يهيكل نفسه على التصنيف والتعميم. ولكن في مبادئ تنصف المشاركة بين الوظيفة السياسية والوظيفة التربوية والوظيفة الثقافية. إذن، يخفف رامي حنا عدم التوافق بين الفئات على أساس التقسيم، في تعديل مصالح المجموعات من خلال توليدها تأثيراً إيجابياً في تعديلاته على نظامها الاجتماعي. كأن تظهر اخوات يسار في اعلى تحقيق حاجاتهم، لا بتحديد طرق الإنتاج، بعدم توافق أزيائهم مع طباع منطقتهم ذات التنظيم الزراعي. ملابس تقدم نشاطاتهم الحياتية على مكانة الفرد البعيدة من المحدودية النظرية. أناقة. ثم، تفارق بين الفوارق البارزة بين مستويات الهيكل الاجتماعي. أنيقات، بعضهن يقصدن جامعات المدينة، حيث يخلعن الحجاب لأجل الاندماج العضوي في تحرك اجتماعي مضاد. انتقال مؤقت من فئة اجتماعية إلى فئة أخرى. أو في زواج الأخت حبيب اختها بدون تقديم خدمات الزواج، في انتظار فرصة تطليقها لكي يعود إلى الزواج بأختها. توزيع الأعمال أدى إلى وجود ياسمين صالح، مصممة الملابس، من نَشَطَّت مفهوم الخروج من ريف المدينة أو مدينة الريف في ملابس أظهرت تغيراً رئيسياً على مفهوم التبادل الاجتماعي بعيداً من الترفيه أو الإقامة في معزل.
رامي حنا يسحب تفكيره المنطقي على سؤال يتخطى سؤال المسموح وغير المسموح، حين يحيي الشخصيات كبشر لا كأشباح ولا كظلال، مع مجموعة من الأبطال الإغريقيين. جعلهم متعطشين إلى التفكير بالنفس والآخر في الآن ذاته. ذلك أن واحدة من قوة دستور "ع أمل" هو الكاستينغ. مجموعة في مدى مهول من الأداء، لأنها لم تُقِم الأداء على المغلوط، بل على طموح قريب من طموح ملوك الإسكندرية، من اندفعوا إلى فكرة اقتناء كل شيء. غير أن المجموعة في حريتها القصوى، تصرفت بمقتضى تلك الحرية، في إقامة شبكة قيضت توظيف الأدوار المركزية والثانوية في خدمة الهدف الواحد: إدارة ممثل، بكل تفصيلات التشخيص. هذا لا يعتبر عارضاً بوجود شخصيات كثيرة وسط حبكة لا تقدم نفسها دفعة واحدة.
لا يقحم رامي حنا ظهوره في "ع أمل"، لأن ما يعنيه فكرة الدراما، لا فحص حياته الخاصة وحدها بالدراما ذاتها. لن تقع حوادث شغب. لن يؤثر شيء في طريقة إنتاج الدراما. هذا نوع مهم في بنائها. الانشغال بالأفعال على رأس اهتماماته، لأن الفعل مركز الإبداع. إنه بعيد من عقلية التعليم. لا شك في أنه استذكاري. أي أنه يبني على الأنشطة العقلية القديمة في الدرامات القديمة بهدف القفز عن ما انجز بالطريق إلى دراما لا تحمل الصفات نفسها. ثم، إنه ضد الانعكاسية. لأنه يؤلف مشاهده على ما يختاره من نفسه لا ما رآه. هكذا، يخلق الأجواء. هو خالق أجواء. هكذا، يقود إلى المعنى الجمالي لا المعنى الأدبي وحده. إخراجه بعيد من النشاط العقلي البسيط. هو نشاط ملحاح ودقيق. هكذا، قاد الفريق إلى الانجذاب والانشغال بالاستجابة والإدراك والتخيل على الإدراك والجدل في المنطق ومنطق الجدل. ولو أنه لم يتابع لحظات الصمت العالية بين الشخصيات مذ وقع حادث السيارة، ما قاد رهط من ممثليه إلى المستشفى، حيث حلت لغة نشرت الصمت في أغلى لحظات دلاله. قاد الرجل كل فرد إلى فهم الأفكار العامة من خلال شخصيته في مواضعها المقصودة. ماغي بو غصن تحقق حضورها على أحسن حال. إنها في أحسن أحوالها في دور مذيعة التلفزيون. قواها هجومية في "ع أمل". قدرة صريحة على التكيف. لا وقوع بعد في شروخ الشخصيات السالفة. إنها في شخصية يسار شخصيات لا شخصية واحدة. حية، حيوية، نزقة، حزينة تعاني جراء الغدر. لم تعد بعد تخشى أن تسلك دروبها بعيداً من شخصياتها السالفة. بالأخص في "للموت". هي المركز. مارلين نعمة كاريزما تثير أفكاراً مختلفة. كأنها قفزت في أفعالها النهائية دفعة واحدة. هذه الشابة حديقة أداء. نوال كامل تؤدي بهدوء موحٍ أمام لوعتها العوجاء على ابنتها (المذيعة). أداؤها أداء سلوكي في حوافز ورغبات ضد العادات. عمار شلق في شخصية الذكوري المحافظ حد الوفاء للحالات المشابهة يقدم الشخصية بخلفياتها وسياقها الاجتماعي والثقافي وحالاتها العاطفية والنفسية. حرفي ذو طبيعة تجد أن السيطرة هي الأقوى في الحياة لأجل الحفاظ على مستواه الوجودي. بديع أبو شقرا في واحد من أجود أدواره. مهاري، قادر على السفر باللحظات. واقعي الأداء، نفسي الأداء، معاصر يقيم شخصية مدير الإنتاج على خصالها. نقولا دانيال معلم. إيلي متري، مالك معرفة كاملة بقدرة الممثل على توضيح الشخصية وظروفها. ديما الجندي في مسار إبداعي مرتفع دوماً. الممثلات امتلكن سلاسة مدهشة. أدين على الواقع ومثاله. كأنهن نساء أبسن في معرفة الألم. رنين مطر، ريان حركة، جوي حلاق، السا زغيب. كارول عبود في أداء بعيد من التخمينات. إنها كالخاطرة، كقصيدة هايكو، تقوم صحتها على التكثيف. سيرينا الشامي بسلطة عقلها على جسدها، بدون أن تخسر إحساسها العالي الطويل كطريق. سيدات "ع أمل"، أصابع الدراما، روحها، ارادتها، أملها، بحرها السخي.
لعل "ع أمل "الأكثر إشكالية، الأكثر اكتمالاً، حين يرى فيه من يرى دراما لا مترويِّة في انحيازها الأصولي إلى النسوية وهي تقاوم اصولية الذكور في حالات الرفض الدائمة للنصف المستبعد. وحين يرى فيها من يرى قيامها على القدرات التبريرية، بعيداً من السلوكيات المعاصرة. لأن بقعة في العالم (كما وجدت في الدراما، إذا وجدت فعلاً) لا تحل محل العالم. اختلف العالم. ولكن ثمة من لا يراه قادراً على التغلب على صعوبة مواجهة الصعوبات بين الرجال والسيدات، كنادين جابر. ولكن "ع أمل" يبقى مثيراً، حين امتلك صفات لم تمتلكها الدرامات الأخرى.