بفستان ملكيّ من توقيع "ديور" أطلّت الأيقونة سيلين ديون في العرض الأخير لافتتاح الألعاب الأولمبية، وعبر "ترنيمة الحب" خاطبت شعوب العالم، وكم استحقّت بها وقفة الصمود.
القلب خفق بقوّة ونحن من أصابتنا هذه المرّة حالة تشنّج بعد تساؤلات عدّة انتابتنا في تلك اللحظة الأيقونية، ليس تشكيكاً في قدراتها بقدر ما هو تقرّب منها: هل ستؤدّي الأغنية بالمستوى الذي تريده؟ هل ستصل إلى مستوى الطبقة الخارقة؟ هل سيؤدّي فرط الإحساس إلى إصابتها أمام الملأ بنوبة جديدة؟ وإذا بالملكة تتجلّى في صورة سيلين ديون، صوتاً وحضوراً محاطة بالشعلة الأولمبية وبين أحضان حارسها برج إيفل.
العناد الفنّي أعادها إلى العالم، وقفت في البلد الذي كان شاهداً على ذروة شهرتها، صدح صوتها بترنيمة الحب للراحلة إديت بياف، رفعت يديها وحلّقت طائراً حرّاً عاش في الأسر مدّة طويلة.
قبل أربع سنوات، ألغت ديون جولتها العالمية "Courage" وكشفت منذ عام ونصف العام عن إصابتها بمرض نادر "متلازمة الشخص المتيبّس"، كان سبباً في إسقاطها عنوة عن المسرح ودفعها بالقوّة للتوقّف عن الغناء. اختارت أن تشارك رحلة الألم مع جمهورها، متنفّسها، لأنها شعرت بالذنب لتقصيرها الفنّي تجاهه، فترجمت هذه الرحلة عبر وثائقي "I Am: Celine Dion"، مؤكدة قبل كشف النقاب عن تفاصيل رحلتها المؤلمة أنها ليست ممّن يستسلمون، تتحمّل الألم لكنّها لم تنه بعد كتابة فصول حياتها الفنية... لم يحن الوقت بعد.
قالت بتأثّر شديد في مقابلة مع الإعلامية هدى قطب قبيل عرض الوثائقي: "سأعود إلى المسرح، حتى لو اضطررتُ إلى الزحف أو مخاطبة الجمهور بحركات يديّ. سأفعل ذلك، سأفعل ذلك"، والأهم عندما شدّدت في كلامها على أنها ستعود "لأنني أريد ذلك وأفتقده، لا لأنّه يتعيّن عليَّ العودة أو لأنّني بحاجة إليها".
اليوم عُدتِ ملكة على عرش لا يمكن هزّه، وبينما كنتِ تصدحين بصوتك " Dieu réunit ceux qui s'aiment"، كنّا نبكي تأثّراً. والدموع التي ذرفتِها لظنّكِ أنّكِ لن تعتلي مسرحكِ مجدداً لم تذهب سدى. وكل دمعة مالحة سقطت على وجنتيك ما لبثت أن اعتراها الخجل أمام وجعك، فتحوّلت عذبة كروحك النقيّة.
لم تخطئي عندما كشفتِ عن عالمكِ المؤلم لجمهور حيّا فيكِ شجاعة لا نظير لها، لأنّكِ حتّى في لحظات ضعفكِ قدّمتِ قوّة لمن شاركوكِ الألم، فغدوتِ ثائرة، منتفضة على الوجع.
عام 1996، علا صوت سيلين ديون في افتتاح الألعاب الأولمبية في أتلانتا، يومها أدّت أغنية "The Power of the Dream"، محقّقة انتصاراً عالمياً بصوت حدود أوتاره الصوتية السماء. وفي عام 2024، هذا الصوت نفسه لمع كماسة نادرة في العرض الأخير لافتتاح الألعاب الأولمبية، وبرج إيفل الشاهد الملك.
توجهت ديون إلى جمهورها بعد الأداء الحابس للأنفاس قائلة: "لقد كان شرفاً لي أن أقدّم عرضاً الليلة في حفل افتتاح باريس 2024، والسعادة تغمرني للعودة إلى إحدى مدني المفضلة". وأضافت: "سعيدة أكثر بالاحتفال بهؤلاء الرياضيين الرائعين، مع جميع قصصهم عن التضحية والإصرار، الألم والمثابرة. جميعكم ثابرتم من أجل حلمكم، سواء فزتم بميدالية أم لا، آمل أن يعني وجودكم هنا أن حلمكم قد تحقّق."
المثابرة والإصرار من مزايا ديون، صحيح أنّ الجمهور عاش صدمة الألم بعد مشاهدته تفاصيل نوبة الشخص المتيبّس التي وثّقتها في الوثائقي، لكنّه كان مواكباً أيضاً لرسائلها في عدم الاستسلام من خلال تدريبات الصوت المكثّفة التي كانت تخضع لها بهدف استعادة صوتها الذي "خنقه" المرض النادر. وهو ما نقلته عنها هيئة الإذاعة البريطانية منذ أشهر، مؤكدة أنها تشهد تقدّماً ملحوظاً في استعادة صوتها بعد جهد وتدريب بدون كلل.
إعلان العودة واستمرار رحلة التكيّف مع المرض النادر، مهمة ليست سهلة، ومن المؤكّد أنها ستتعثّر في لحظة ما، غير أنّ رمزية العودة عبر افتتاح الألعاب الأولمبية أتت لتؤكد أنّ صوت سيلين ديون أفقد المرض النادر تسلّطه عليها، لذلك استحقّت هذه الأيقونة تصفيقاً عالمياً انطلق من باريس وسيكمل طريقه إلى لاس فيغاس، لكن رويداً رويداً. وهذا ما كانت تحاول أن تقوله في الأشهر الأخيرة بعد ظهورها المفاجئ ضمن حفل توزيع جوائز "غرامي"، وتصريحات "العزم" التي أطلقتها مع هدى قطب، ورحلة ألمها وانتفاضتها في الوثائقي، وصولاً إلى ظهورها في مناسبات عدّة حتى إطلالتها الأخيرة في باريس... جميعها إشارات كانت تجزم بأنّ الملكة عادت... بطلةً فخرية للألعاب الأولمبية.