النهار

"ميّاس" وبيروت... "نحن أبناء الحياة" (صور وفيديو)
إسراء حسن
المصدر: "النهار"
"ميّاس" وبيروت... "نحن أبناء الحياة" (صور وفيديو)
من عرض "قومي" لفرقة "ميّاس" (تصوير: نبيل اسماعيل)
A+   A-
لم يكن خيار الجمهور اللبناني الذهاب إلى حفل فرقة "ميّاس" العالمية الانضمام إلى مشهدية "اللبنانيْين"، بقدر ما كان رغبة في الوقوف إلى جانب مدينة بيروت المكسورة ورفع لافتة عريضة تناديها وتهتف بأعلى الصوت: "قومي".
 
قبل الوصول إلى قلب بيروت، يعتريك الحزن، بسبب الشوارع الخالية، التي لا تلبث أن تمتلئ بمواجهة كلّ نكسة، فتشعرك بمؤشّرات الحياة، ونبض القلوب، لا سيّما حين تقترب من واجهة بيروت البحرية، حيث يجذبك من بعيد صوت موسيقى لفرقةٍ رفعت اسم لبنان عالياً في العالم، فتنفض عنك مزاجيّة اليأس، وتنضم إلى رحلة وطنية بامتياز، مدّتها 80 دقيقة.
 
 
أكثر من خمسة آلاف شخص توافدوا من كلّ مناطق لبنان لأجل "ميّاس"، تمركزوا في مقاعدهم بانتظار خطاب وطنيّ تُرجم على شكل مسرحيّة ساحرة، بَطَلاتها 100 راقصة جسّدن بيروت بضعفها وجبروتها في آن.

مشهدية تحدّث عنها عريف الحفل الإعلامي ريكارود كرم، فأتت كلماته بمكانها: "بيروت التي لا تموت، تتعثّر، تعود وتقوى. تنزلق في متاهات وتفاصيل وأحقاد وحروب، تتفجّر، تنكسر وتبكي دماً ودموعاً، لكنها تعود وتقوم".
 
 
  
توجّه إلى الحضور: "أتيتم من كلّ مكان لتقولوا لبيروت: قومي يا بيروت، قومي يا جنوب، قومي يا بيروت. من بيروت دعونا نجدّد العهد سوياً، لم ولن نستسلم لأننا أبناء الحياة. نحن أقوياء بقوة الحق... أقوياء أقوياء".

ألعاب نارية تحدّت صوت الانفجارات، وزيّنت سماء بيروت بعد الاعتداءات المتكرّرة عليها من مسيّرات العدوّ. ساد الصمت، وبدأت قصّة "بيروت"... قصّة نديم شرفان مع مدينة الصمود، ومقاطع شعرية ونثرية حملت صبغة ثائر آخر، هو علي المولى، وإيقاعات حرّكتها مشاعر هاري هاديشيان المرهفة، وتنفيذ احترافي بمعايير عالمية للمؤثرات السمعية والبصرية عبر شركة "Velvet Productionz"، ومديرها التنفيذي أحمد عيتاني.
 
 

كان يا مكان مدينة اسمها بيروت، عظيمة، ترقص حرّة كطائر فينيق، تتغنّى بجمال حضارتها وفكرها وفنّها وتتنفّس سلاماً. تعثّرت بيروت، وتكشّفت الحقائق عبر اعترافات المدينة للمرّة الأولى، فتقول عاتبة في لحظات كسرها تناجي خالقها: "بمَ أتباهى؟ بشعب مدّع، مغيّب الوعي، باع الحضارة وقبل مماتها رثاها...؟ أنا، وبكلّ ما أوتيت من قداسة، كفرت بكم. بالله عليكم، ماذا يفعل جلدي تحت أظفاركم؟ّ كيف طاوعكم أن تشوّهوا وجهي البريء... فيا هل ترى أما زلت ترى؟ أيعقل أن تبقى صامتاً بعد ما جرى؟ أيّها الرّب الرحيم. صار ملكي عقيماً، عرشاً بلا وارث، وثقافة العصر القديم مجداً بلا حارس... أنا حبيبة الملايين... آخرتي كانت عانس، امرأة لم تلبس ثوب زفاف بلون طهرها الشفاف، لم تكتمل أنوثتها... أنا الحقيقة المكروهة من الضمائر المشبوهة".
 
 
أمام صمت مهيب ولوحة الوجع التي تراقصت على الكلمات والايقاعات، صوّر نديم شرفان كيف تبدو بيروت وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة تستغيث بالخالق إنقاذها وابعادها عن شبح الازمات والشرور.

صدح الصوت الملائكيّ للرائعة عبير نعمة، وهي تناجي المدينة المهزومة قسراً بأغنية فيروز "لبيروت". نادتها كي تنفض الركام عنها وتعانق من جديد طائر الفينيق لأنها "ست الدنيا".
 
 

توالت العروض الراقصة راوية قصة "قومي" بأصوات سيّدات الدراما اللبنانية، على غرار تقلا شمعون وكارمن لبس وندى بو فرحات وسينتيا كرم، فترافقت أبيات الشعر مع لوحات فنيّة مبتكرة أعادتنا إلى العصور القديمة تارة، وإلى الفولكلور اللبناني والدبكة البعلبكية وقرطاج والملكة أليسار ومملكة البحار في مزيج إبداعي. تكاتفت مناطق لبنان جميعهاً لإقناع بيروت بالعدول عن استسلامها، واشتعلت المدرّجات تصفيقاً حينما خصّت "ميّاس" الجنوب بلوحة استعراضية إحياءً لصمود أهله. كانت مشهديّة تقشعر لها الأبدان، حينما خاطب الجنوب بيروت قائلاً: "نحن الحجارة وأنت الماس. دمت لنا فخراً وعزّاً ونصراً يا أرقى المدن. لولاك لم نكن، أنا جليد لا يذوب. أنا ستّارة العيوب. أنا الجنوب".
 

 
ارتدت بيروت لبرهة ثوب الحداد بعد عذابات جعلتها واهنة عصيّة على النهوض، فجاء من مدّها بجرعة القوّة السحريّة من شتّى بقاع لبنان. خلعت الثوب من جديد، استعادت جناحيها، وحلّقت بين نيران الأشرار بجبروتها، وصرخت لأجل نفسها: "يا بيروت... قومي".
 
 

 
تمحور العرض بمجمله حول الحضارة الفنيقية العريقة وتصديرها للحرف، واكتشافها اللون الأرجواني، وانفتاحها على العالم، وصولاً إلى بيروت اليوم. وامتزجت الموسيقى بالإضاءة والخلفيات المصوّرة وأعمال الغرافيكس المذهلة، وبلغت حداثة التصاميم مجدها بقالب تكنولوجي يحاكي المستقبل، وهو ما تمسّك به أحمد عيتاني، الذي عبّر في حديث لـ"النهار"، عن فخره بما يقدّمه عبر "Velvet Productionz"، والذي "يظهر الصورة التي نريدها لمدينة بيروت".
 
 

 
ترفع القبّعة لنديم شرفان، الذي أراد أن يكون مولوده المسرحيّ الأوّل لروح روحِه مدينة بيروت؛ وترفع القبّعة له للرسالة التي أراد أن يُطلقها من هذه المدينة إلى الجاليات اللبنانية في عروض ستجوب العالم.

رفع شرفان عبر "ميّاس" الصوت عالياً، داعياً اللبنانيين إلى التكاتف والتوحّد والتمسّك بروح وطن لن يأتي مثيل له، وبيروت هي شريان حياة هذا البلد، الملكة الخالدة التي لا يجب أن تموت.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium