إيمان إبراهيم
انتهى مسلسل "لعبة حب" (بطولة معتصم النهار، نور علي، جو طراد، ساشا دحدوح، شكران مرتجى) كأنه لم يكن. هو من الأعمال التي لا تترك أثراً، حتى لهواة النوع، إذا اعتبرنا أنّ ما قُدّم كوميديا.
90 حلقة دارت في الفراغ، انطلقت مستنسخة تفاصيل مسلسل "حب للإيجار" التركي، بأدق تفاصيله، تنفيذ المشاهد، الحوارات، الأحداث المنقولة بحذافيرها دون اجتهاد مخرج أو ممثل، ثم أراد صنّاع النسخة العربية أن يتمايزوا، فتاه المسلسل وبات أشبه بقطع "بازل" أراد مبتدئ أن يجمعها فبعثرها.
بدا كأنّ الكاتب أرهق في منتصف الطريق، فأكمل عنه الممثلون المهمّة، وقفوا أمام الكاميرا بدون نص، ارتجلوا الجمل والأحداث، لم يجمعهم سوى الصورة السيلفي التي اختتمت مشكورة العمل. سيناريو يبدو أقرب إلى التصديق، من أنّ ثمّة من كتب ما شاهدناه على الشاشة، خصوصاً في الحلقات الأخيرة.
هي قصة فريدة (شكران مرتجى) التي ترشو سما (نور علي) لتوقع مالك (معتصم النهار) في حبّها، تتزوّجه وتختفي، تحقيقاً لطلب الجد الثري (حسام تحسين بك)، البناء الدرامي ركيك، بنى عليه الأتراك مسلسلاً يُعتبر الأكثر نجاحاً لأنّ أبطاله أجادوا الإقناع، خطفوا قلوب المشاهدين، بعدها جاء صنّاع النسخة العربية ليستعيروا نجاحاً بُني على كاريزما نجوم العمل فحسب.
ولأنّ عملاً مستنسخاً يعني أحداثاً متوقّعة، انحرف "لعبة حب" عن اللعبة الأساسية طمعاً في خلق الدهشة، وتسديد هدفٍ في مرمى المشاهد الذي يتوقّع الأحداث سلفاً.
لم تعد لعبة الحب والخوف من كشفها عقدة المسلسل، انحرف إلى عقد كثيرة جلّها مفتعل، محبو الكوميديا وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام أداء ينتحل صفة الكوميديا، ومحبّو الرومانسية وجدوا أنفسهم أمام علاقة حب ركيكة، سطحية، عاجزة عن ملامسة الأحاسيس، أما من يشاهد ليتسلى فحسب، فقد بدا العمل خياراً مقبولاً في فصل ميت درامياً، الخيارات فيه محدودة.
هو من الأعمال التي ينبغي بعدها أن يجلس بعض نجومه بخلوة مع الذات، يناقشون فيها خياراتهم المستقبليّة، على رأسهم الفنانة القديرة شكران مرتجى، التي قدّمت أداءً مثيراً للدهشة. هي ليست شكران التي أتقنت الكوميديا وباتت ملعبها، هي مجرد "فريدة الأسعد"، شخصية مستنسخة من التركي، كل شيء فيها مستنسخ حتى الأداء، الكوميديا مجرد تهريج، الانفعالات مصطنعة مبالغ بها، شخصية كلما تعمّقت غرقت على السطح.
أما أيمن رضا، فبدا الدور ضيّقاً عليه، أصغر منه، يشفع له أنّه أنقذ نفسه بحرفية من الوقوع في فخ التهريج، مع نص مهلهل، وبناء درامي مفقود.
بطلا العمل الرئيسيان معتصم النهار ونور علي جعلا كل هذا الفراغ محتملاً.
معتصم لم يقدّم أصعب أدواره، دخل في منافسة صعبة مع صاحب الدور الأصلي باريش أردوتش... ينتصر المشاهد العربي غالباً للنسخة الأصلية، لكنّ معتصم عبر بسلام. لم يحلّق، لكن أقلّه لم يغرق.
نور علي قدّمت دورها بعفوية، حضورها مريح، تمتلك الكاريزما وخفة الدم والعفوية، دورها من أكثر الأدوار تماسكاً رغم تبعثر الأحداث. هي شخصية حقيقيّة رغم أنّ كل ما كان يحصل معها وحولها ليس حقيقياً ولا يمكنه أن يكون كذلك.
ساشا دحدوح من نقاط قوّة العمل، بشخصية سيرين، تشتغل ساشا على أدواتها أينما وجدت، تبتكر لكل شخصية بناءً درامياً وأدواتٍ خاصّةً بها، أعطت للعمل ثقلاً، نتمنى رؤيتها بأعمالٍ تليق بموهبتها.
جو طراد أيضاً قدّم أداءً مقنعاً، رغم أنّه كان عليه أن يعيد استنساخ المستنسخ، هو الذي قدّم الدور نفسه في النسخة اللبنانية "خمسين ألف" التي سبقت "لعبة حب" بسنوات. كل الطرق كانت تؤدي به إلى تقليد المقلّد لكنّه نجا بنفسه. هو من العناصر التي ينبغي للدراما اللبنانية أن تستفيد من موهبتها بعيداً عن الوجوه المستهلكة.
أيمن عبد السلام، هو الوحيد الذي أدّى دوراً كوميدياً مقنعاً. شخصية دانيال الأصعب في المسلسل، أمسكها أيمن من ألفها إلى يائها. مصوّر النجوم الشهير، الممتلئ حباً وحقداً، ابتهاجاً واكتئاباً، يتغيّر مزاجه بسرعة البرق ولا يحتاج أكثر من سرعة البرق ليقنع بين مزاجٍ وآخر. هو أجمل أدوار المسلسل، شخصية تمر ولا تعبر دون أن تترك أثراً.
حسن خليل بدور "عبدو" من الأدوار التي تعلق بالذاكرة، أداؤه مقنع، حضوره دافئ لا يمرّ على الشاشة مرور الكرام.
انتهى "لعبة حب" وكأنه لم يكن، لم تنتظر منصّة "شاهد" نهايته لتقيم له مراسم الوداع، عرضت بالتزامن مع حلقتيه الأخيرتين، مسلسل "العميل" المستنسخ بدوره من المسلسل التركي "في الداخل"، انحرف المشهد المعتاد لأعمال الـ90 حلقة، بدل أن يحظى الأبطال بوداع يليق بإقامتهم في عقر دارنا أربعة أشهر، انشغل المشاهدون باستقبال النجوم الجدد... هكذا تسير أحوال الدراما المعرّبة، يأتي نجوم، يرحل نجوم، أعمال قليلة ترسخ في الذاكرة... "لعبة حب" بالتأكيد ليست منها.