إيمان إبراهيم
استقبل "العميل"، بطولة أيمن زيدان، سامر إسماعيل، وسام فارس المعرّب عن المسلسل التركي "في الداخل" بحفاوة شديدة.
تسير قافلة الأعمال التركية المعرّبة وليس ثمّة من يوقفها. السؤال لم يعد لماذا تعرّبون مسلسلات شاهدها تقريباً كلّ الناس، ومن لم يشاهدها يعرف قصّتها سلفاً؟ السؤال بات من سيحمل على عاتقه مهمّة الرّافعة لأحداث محروقة سلفاً، يعرفها حتّى من لم يشاهد المسلسل الأصلي؟
هل سينجو نجوم العمل المعرّب من فخّ التقليد؟ وعند المقارنة لمن ستميل الدفّة للعمل الأصيل أم للعمل المستنسخ؟
غالباً تميل الكفّة للأصيل، غير أنّ "العميل" قد يكون له كلمة أخرى، لا يشبه ما عداه من أعمالٍ معرّبة، ميزته نجومه الذين استفادوا من تجربة نجومٍ سبقوهم إلى التجربة، يدركون سلفاً أنّ المشاهد مسلوب عنصر المفاجأة، يرى قصة سبق أن شاهدها، أو سمع عنها، مهمّة صعبة لممثل يدرك أنّه يخضع لمقارنة غير عادلة، كان للتركيّ كلّ المجال ليبدع، أمّا هو فمطلوب منه أن ينجو من فخّ التقليد، أن يبدو متفرّداً وهو يرتدي قميصاً بالياً، أن يدهش وهو فاقد عنصر الدهشة. يبدو أنّ نجوم "العميل" اجتازوا الاختبار الأوّل.
أيمن زيدان، الممثل الممتلئ هيبة، ونجوميّة لا يقارعه عليها أحد، يلعب دور ملحم زعيم المافيا القادر على الإفلات من العدالة، لا يترك خلفه أثراً يشي أنّ جريمة وقعت هنا، التفّ على النّسخة الأصلية، ابتكر تفاصيل شخصيته بدقّة، كأنّ ممثلّاً آخر لم يسبقه إليها.
سامر اسماعيل بدور أمير، الضابط المطرود من مهنته ظاهرياً، يتعاون مع الشرطة للإيقاع بملحم، معلّق بين الرّغبة في الانتقام ممّن اختطف شقيقه وشتّت عائلته، وبين واجبه تجاه والدته (يارا صبري) التي تتجرّع مرارة الخيبة وهي تشاهد ابنها يمدّ يده لألدّ أعدائها. دور مركّب يؤدّيه الممثّل السّوري باحترافية شديدة، لكن ليس إلى درجة أن يقنعك بأنّه ضابط في قوى الأمن الدّاخليّ اللبنانيّ.
وسام فارس، هو الممثل المناسب في المكان المناسب، يتألّق بدور بطولة بعد أن ظلّ لسنوات يؤدّي دور البطل الثاني، يمتلك كلّ مقوّمات النّجومية، خطف قلوب المشاهدين منذ المشهد الأوّل، وأثبت أنّ الممثل اللبنانيّ ليس مجرّد "أكسسوار" لاكتمال المشهد، ينتظره مستقبل باهر إذا عرفت شركات الإنتاج المحليّة استغلال موهبته و"الكاريزما" العالية التي يتمتّع بها، بعيداً عن منطق الشلليّة.
طلال الجردي، هو الضابط الذي يحرّك الأحداث، يمسك الجميع بيده ولا يمسك أحداً، كان في إمكانه أن يكون مجرّد صلة وصلٍ، كان هو الحدث، مشاهده تُنتظر.
يارا صبري العائدة بدور أم أمير ووسام، تجعلك تسأل "لماذا غابت؟" من النجمات اللواتي نحبّ مرورهنّ على الشاشة. دافئة، صادقة، مقنعة بدور الأمّ رغم أنّ فارق العمر بينها وبين "ولديها" ليس كبيراً.
ميا سعيد، بدور الصحافية نور، يصل إحساسها دون جهد، هي من المواهب التي كان مقرّراً لها أن تكون في الواجهة، لكنّها أقصيت إلى الصّفوف الخلفيّة. تليق بها الصفوف الأماميّة، إلى مزيد من الإقناع والإبداع.
هذا عن أداء الممثلين، لكن ماذا عن سير القصّة؟
بعد مرور أكثر من عشر حلقات يلتزم صنّاع العمل بالنّسخة التركيّة، خير لهم أن يفعلوا بعد أن رأينا محاولات بعض "المعرّبين" الالتفاف على النسخة الأصليّة على طريقة "الثمن" و"لعبة حبّ" فكانت النتائج كارثية.
الأحداث مشوّقة، تسير بوتيرة تصاعديّة، لكنّ ثمّة ما لا يُقنع.
دور الضابط أمير، رغم أداء سامر اسماعيل للدور بحرفيّة، إلّا أنّ وجوده في السلك العسكريّ اللبنانيّ يبدو نافراً، لا تجدي محاولات "الترقيع"، أنّه لبنانيّ من أمٍ سوريّة عاش معها في دمشق وعاد ليلتحق بقوى الأمن.
يذكّرنا بالممثّل السوريّ قصي خولي، حين ترشّح عن الدّائرة الأولى في بيروت للانتخابات النيابية في مسلسل "خمسة ونص" لمبرّرات مشابهة. بدا المشهد يومها سرياليّاً.
كذلك دور المحامية خولة الذي تجسّده الممثلة السورية رشا بلال، بدا هو أيضاً مقنعٍاً. كيف لمحامية سوريّة أن تمارس مهنتها في لبنان وتدخل إلى قصر العدل، تقارع كبار الأمنيين والضباط؟ ولماذا كان على خولة أن تكون سورية وهي ولدت وتربّت في لبنان؟
ثمّة تفاصيل لا تأخذها الأعمال المعرّبة في الاعتبار، تصوّر في تركيا على أنّ الحيّز المكانيّ هو لبنان، وللمزيد من الإقناع يتمّ إقحام العلم اللبنانيّ في كلّ أماكن التصوير الداخليّة بما فيها مكاتب الأطبّاء. وتتمّ الاستعانة بمشاهد خارجيّة من لبنان في مراعاة لأدقّ التفاصيل، وتُهمل تفاصيل أدقّ، كأن يتمّ الاحتفاء بملحم في الحارة على وقع أغانٍ سورية و"الكومبارس" سوريّ، كأنّ التصوير يجري في دمشق وليس في بيروت، وكأن يتحدّث طبيب في قسم الطوارئ لهجة سوريّة، تفاصيل لا ينتبه لها سوى المشاهد اللبنانيّ والمشاهد السوريّ.
بعيداً عن الثغرات التي يتحمّلها حصراً صنّاع العمل، تمكّن "العميل" من حجز مكانٍ له بين الأعمال الأكثر مشاهدة، الانطباعات إيجابيّة في انتظار تطوّر الأحداث، ننتظر لقاء الشقيقين وانكشاف كلّ الحقائق رغم يقيننا أنّ هذا لن يحصل سوى في الحلقات الأخيرة، إلّا إذا قرّرت النسخة العربيّة كشف الحقيقة باكراً، ثمّ ابتكار أحداث جديدة بعيداً عن تلك التي نعرفها ولا نعرف لماذا ننتظر أن نشاهدها معرّبة.