النهار

"أبو ملحم" و"إم ملحم"... ما أحوجنا إلى المحبّة والمصداقيّة!
إسراء حسن
المصدر: "النهار"
"أبو ملحم" و"إم ملحم"... ما أحوجنا إلى المحبّة والمصداقيّة!
أبو ملحم وإم ملحم.
A+   A-
كرّمت مدينة عاليه، منذ يومين، الفنانين القديرين أديب وسلوى حداد المشهورين بـ"أبو ملحم" و"إم ملحم" من خلال إزاحة الستار عن تمثالين برونزيين لهما وسط المدينة، في حفل نظّمته البلدية بالتعاون مع أولاد الفنانَين الراحلين ورعاية وزارة الإعلام. التمثالان اللذان حملا توقيع الفنانة التشكيلية غنوة رضوان أيقظا حنيناً ورغبة في حضور شخصيّتين كانتا عرابتين لكلّ "صلحة" تصبّ في خير أبناء الحيّ أو القرية.
 
 
كلمة العائلة ألقتها نضال ابوشرف، الحفيدة التي أهدت التكريم إلى "الوطن المأزوم لبنان وضرورة عودته الى نبض الحياة الحرة الكريمة كما نتمناه وتمناه جدي دوماً وإحياء ذاكرة الوطن عبر عظمائه الخالدين".

وتحدثت عن "الثنائي الاستثنائي أبو ملحم وام ملحم الذي دخل إلى بيوتنا قلبنا وبيوتنا بلغته الجبلية وأسلوبه القروي الشفاف".

أضافت: "أبو ملحم، كنتَ معتدلا ومنفتحا على الغير، لبنانياً مؤمناً بالعيش المشترك، متمسكاً بالرجاء وديمومة وطن الأرز. وقد آلمتك النزاعات السياسية ودفعت ثمنها مراراً. رجل رؤيوي مؤمن بدور المرأة النهضوي والحضاري في المجتمع والحياة. ومع ام ملحم كانا شعاعين يكسران العتمة الحالكة التي كنا نعيشها في بلدنا المأزوم".

واعتبرت انه "ترك اثراً كبيراً فينا وساهم مع ام ملحم في نهضة المسرح اللبناني. كان نصير المظلوم وحبيب الثقافة والشعر الشعبي، شاهرا سيف الحق، نادرا نفسه في مملكة العدل والعنفوان والضمير".
 
 
لم تسنح للجيل الجديد فرصة التعرّف على فحوى المضمون الكوميدي الاجتماعي الهادف الذي كان يقدّمه الثنائي في "يسعد مساكم" كل مساء ثلاثاء على "قنال 7"، لكنّ الأكيد أنّ عبارتي "شو عاملّي فيا أبو ملحم؟" أو "مثل حكايات أبو ملحم" رنّت في آذانه، كتعبير على الإنسان الرافض للخلافات والهادف للوحدة و"الصلحة".
 
الصورة من صفحة غنوة رضوان على فايسبوك
 
وواقع الأمر، ما أحوجنا اليوم وفي عزّ ما يمرّ به لبنان من ويلات أن تزيّن شاشاته المنقسمة والمقسّمة سياسياً لشخصية كـ أبو ملحم بطربوشه وشرواله ولبّادته القطنية وطيبته وابتسامته الشهيرة. علّ هذه الشخصية لو كانت حاضرة تقنع السياسيين بالعدول عن خلافاتهم رأفة بالمواطنين الذين ائتمنوهم على تسهيل حصولهم على لقمة عيشهم وتوفير أبسط حقوقهم المدنية والإنسانية بدل إغراقهم في مكبّات النفايات وشحّ المياه وظلمات المنازل وانعدام الأمان.
 
ماذا لو جمع "أبو ملحم" و"إم ملحم" الفرقاء المتخاصمين على "سفرة عشاء" ودسّوا في وجباتهم "الاتفاق على حبّ الوطن" والخروج بابتسامات بريئة صادقة تمهّد للقاءات مثمرة تخلّص اللبنانيين من آفة "اللا دولة"، وشغور موقع رئاسة الجمهورية والعديد من الاستحقاقات المعلّقة. فبرنامج "يسعد مساكم" كان قائماً على إحقاق "الصلحة" بين العائلات اللبنانية بالعقل والمنطق بعيداً من العواطف الطائفية والجميع كان يحصل على "النهاية السعيدة" بضحكة، فماذا لو حصل لبنان على نهاية سعيدة لأزماته وعاد بلداً يصدّر الثقافة والحكمة والفنّ، تماماً كشخصية أديب حداد، الشاعر والكاتب والممثّل والمفكّر. وتماماً كـ "إم ملحم" رمز المرأة القوية المفكّرة الذكية والحاضرة اجتماعياً. فأديب وسلوى حداد كانا "أبو ملحم" و"إم ملحم" على الشاشة وفي الواقع... صادقَين، يحملان صوت الجيران وأبناء الحيّ ويقصّان مشاكلهم وحلولها، علّها تكون عبرة.
 
 
التمثالان اليوم يزيّنان عاليه، وإن لم ينطقا، فإنّ تاريخهما "المؤرشف" يروي رغبتهما الدائمة في تثبيت الصورة النموذجية للعائلة اللبنانية وبالتالي مجتمع ودولة مثاليين.
 
 
 
حداد من مواليد عاليه عام 1912، زاول مهنة التعليم في الجامعة الوطنية، وهناك تعرّف إلى زميلته سلوى الحاج، لتجمعهما مادّة الأدب العربي في بحار قصائد الحبّ الأبدي الذي توّج بزواجهما عام 1941 ورُزقا ثلاثة أبناء هم: زياد ودنيا وراغدة. اشتهر حداد بمواهبه الشعرية والزجلية كتابة وارتجالاً، مقدّماً مسرحيات زجلية.
 
غادر أديب في العام نفسه مهنة التعليم ليعمل مع أخويه في الأردن حتى العام 1943. وفي العام 1952 أتت الفرصة الذهبية وحان وقت الرسالة الفنية. تقدّم أديب الشاعر إلى محطة الشرق الأدنى وفي جعبته برنامجاً حمل عنوان "جولات الميكروفون" أثار إعجاب القيّمين. تعاقد في العام 1958 مع محطّة الإذاعة اللبنانية ليقدّم برنامج "صباح الخير" مرّتين في الأسبوع، مسجّلاً 390 حلقة حقّقت نجاحاً كبيراً، وتلاه عبر الإذاعة اللبنانيّة برنامج آخر "الدنيا صور" من 200 حلقة.
 

في العام 1959، انتقل من الإذاعة إلى "قنال 7" مقدّماً برنامج "أبو ملحم" الذي استمرّ عرضه حتّى عام 1965 بالأبيض والأسود من 250 حلقة. لم يتوقّف الراحل عن العطاء الفنّيّ، فقدّم برنامجاً جديداً حمل عنوان "يسعد مساكم"، أطلّت عبره وجوه درامية دخلت عالم "الزمن الجميل"، أبرزها: إيلي صنيفر، علياء نمري، الياس رزق، ليلى كرم، لميا فغالي.
 
في العام 1966، صدر المرسوم رقم 82 عن رئاسة الجمهورية اللبنانية بمنح أديب حداد وسام الأرز الوطنيّ من درجة فارس، وجاء في مادته الأولى: "فنّان أديب تميّزت رواياته وتمثيلياته بمعالجة المشاكل الاجتماعية والأخلاقية بحكمة ورويّة، فأدّى بذلك عن طريق الفنّ، الخدمات الجلّى، في مجال التثقيف الاجتماعيّ والأخلاقيّ والتهذيبيّ".
 
مُنح في العام 1965 وسام البابوية الفنّي الفرنسي من باريس ونال جائزة أفضل برنامج تلفزيوني.
 
 
كان يسعى الراحل من خلال برنامجه أن ينقل إلى الجمهور رسالته الأفلاطونية المثالية التي كانت تدعو إلى العيش المشترك الحقيقي والوحدة الوطنية الأصيلة، فهل حقّق ما كان يتمنّاه وقد شهد لبنان على حرب أهلية في العام 1975 وما تلاها؟


اقرأ في النهار Premium