يسود الوضع اللبناني مع بدء السنة الجديدة واقع يكاد الكثيرون من المراقبين كما الدول لا يصدقونه من الجمود والتفرج على تفاقم الأزمات بدءاً بأزمة تعطيل تشكيل الحكومة مروراً بالأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية وما بينها اشتداد أخطار أزمة اتساع التفشي الوبائي لفيروس كورونا مع ما شهدته الأعياد من تصاعد كبير في أعداد الإصابات وبلوغ الضغط على المستشفيات ذروته.
ومع ذلك تفتقد الساحة الداخلية أي حركة أو اتصالات وأي مبادرة لكسر الجمود القائم منذ شلت الحركة عقب التحرك الذي قام به البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وهو التحرك الذي أخفق آنذاك في استيلاد الحكومة الجديدة تحت وطأة الخلافات الواسعة التي برزت بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري فيما لا يبدو بعد أي أفق لتحركات جديدة من شأنها أن تعيد إحياء المشاورات والاجتماعات بين عون والحريري. ولكن أوساطاَ سياسية بارزة لفتت في الساعات الأخيرة إلى أنه سيكون من غير المنطقي إطلاقاً بل من غير المحتمل أن يبقى الوضع على هذا الجمود والمراوحة كأن حالة البلاد تسمح بترف عض الأصابع إلى أمد غير محدد ومفتوح في حين تتهدد البلاد فعلاً أخطار مصيرية داخلياً وخارجياً لا يبدو أن كثيرين يدركون طبيعتها أو يقدرون مدى أخطارها.
ولفتت في هذا السياق إلى أنه إلى جانب تفاقم الازمات الداخلية التي تطبق على اللبنانيين من حدب وصوب بدأت التطورات الإقليمية في المنطقة تشكل عاملاً طارئاً لا بد للبنان أن يتحسب لها بدقة لأن أي تطور سلبي قد ينشأ في المنطقة سيرتد على لبنان فوراً لكونه احدى ساحات الصراع للنفوذ والقوى الإقليمية والدولية المتجاذبة. ولذا فإن لبنان سيجد نفسه معنياً مباشرة بما بدأ يرتسم من اخطار بين ايران والولايات المتحدة عبر التحركات العسكرية التي سجلت في الأيام الأخيرة لئلا تكون ثمة تطورات حربية محتملة قبل نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب وتسلم الرئيس جو بايدن السلطة في العشرين من كانون الثاني الحالي. ولا يمكن إغفال التطورات المتصلة بالضربات الإسرائيلية في سوريا وكذلك التهديدات الإيرانية المتصلة بذكرى مرور سنة على اغتيال الجنرال قاسم سليماني علماً أن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله سيتحدث مرة أخرى في اقل من أسبوع عن هذا الأمر في كلمة يلقيها مساء الاحد المقبل.
وسط هذه المناخات الضاغطة إقليمياً تبرز تكراراً ملامح قلق دولي على الوضع في لبنان الأمر الذي ترجمته فرنسا في تأكيد سفيرتها في بيروت استمرار المبادرة الفرنسية وبقاء فرنسا إلى جانب لبنان في السنة الجديدة. وأمس، أفادت وكالة الأنباء المركزية أن مجلس الأمن الدولي الذي كان عقد جلسة حول الاتفاق النووي مع ايران أوائل الأسبوع التأم على هامش هذه الجلسة في اجتماع ثان جرى فيه عرض للأوضاع في لبنان واستمع المجلس إلى تقرير من 7 صفحات أعدته الدائرة العسكرية والاستخباراتية في الأمم المتحدة واعتبرت فيه أن لبنان يمر في مرحلة هي الأخطر وجودياً منذ نشأته وتضاهي ما شهده من فتن وأحداث في العام 1860 و1975 خصوصاً على الصعيدين المالي والكياني. وأشارت هذه المعلومات إلى أن المجلس استمع إلى شرح قدمه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش عن التطورات اللبنانية.
وفي انتظار ما ستحمله الأيام الأولى من الأسبوع المقبل في شأن أزمة تشكيل الحكومة مضى البطريرك الراعي أمس في حملته على معطلي تشكيل الحكومة مشدداً على أنه "لا يحق لأحد ولأي فريق من الجماعة السياسية أكانوا معنيين مباشرة أو بطريقة غير مباشرة أن يعرقلوا الحكومة من أجل حسابات ومصالح آنية أو مستقبلية فيما لبنان سائر بسرعة نحو الانهيار الكامل والإفلاس".
وقال "يا لها من مسؤولية تدميرية أقوى واشمل من تدمير مرفأ بيروت لأن دمارها يطال الشعب كله وحياة الدولة بكاملها".
وسط هذه الأجواء الملبدة سياسياً لم يكن الوضع الوبائي أقل سوءً إذ تتصاعد اعداد الإصابات بفيروس كورونا بما يثبت التفلت المجتمعي الخطير الحاصل خلال فترة الأعياد والذي دفع رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي إلى الإعلان مساء أمس أننا فقدنا السيطرة على الوضع الوبائي في البلاد بسبب الفوضى التي شهدناها في الأسابيع الماضية مع عدم التزام تدابير الحماية وأكد الاتجاه إلى اصدار اللجنة توصية بإقفال البلد واتخاذ إجراءات حازمة وإلا ستتجه البلاد إلى نموذج بالغ الخطورة. كما تصاعدت أصوات نيابية مطالبة بإلحاح بالإسراع في إقفال البلد لثلاثة أسابيع على الأقل بعدما تبين أن المستشفيات بلغت ذروة الاستيعاب للمصابين في غرف العناية العادية وغرف العناية الفائقة.