وضع رئيس مجلس النواب نبيه بري عرقلة الاستحقاق الرئاسي في خانة المسيحيين، لا بل في خانة الموارنة فقط الذين بحسب قوله خلافهم ليس على الاستحقاق بل على مَن من بينهم يريد أن يكون رئبساً، ويريد في الوقت نفسه منع الآخر من أن يصبح رئيساً للجمهورية.
القاسم المشترك بينهم اعتراضهم على مَن لا يريدون، ولا يتفقون على مَن يقتضي أن يُنتخب رئيساً للجمهورية فيغرقون ويُغرقون الاستحقاق في المشكلة.
هذه الفكرة التي باتت تطرح في شكل كبير في المدة الأخيرة، باعتبار أن اتفاق المسيحيين يؤدي حكماً إلى انتخاب رئيس، وهو ما لا يعكسه الواقع بالفعل، إذ إنه ماذا لو اتفق المسيحيون على شخصية لا تتطابق مع معايير "حزب الله" فهل يتم انتخابه؟ والتسهيل له، أم نعود إلى اتهامات القوقعة ومصادرة الإرادة الوطنية، وأن الرئيس هو لكلّ لبنان وليس للمسيحيين فقط؟
وفي هذا الإطار يسأل مصدر نيابي معارض، أنه في حال اقتنع الوزير جبران باسيل بخيار سليمان فرنجية، الذي يعارضه بشراسة جزء كبير من المسيحيين وهم يشكلون أكثر من النصف، هل يعود أحد ليلتفت إلى اتفاق المسيحيين؟
ويضيف أن هناك من يطرح الأمر من زاوية واحدة، هي تعالوا واتفقوا على مرشحي أنا، وإلّا أنكم تعطّلون، مشيراً إلى أن تقزيم المشكلة لتصبح مسيحية سيصب في خدمة منطق "حزب الله" وحلفائه. فهناك من يتهم رئيس حزب القوات اللبنانية بعدم التفكير الاستراتيجي، وهو حتى الساعة لم يلتقط لحظة انفلات رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من تحت جناح حزب الله وبناء اتفاق معه يزيد هجرته ويضع الحزب في موقع ضعيف في الاستحقاق؟ هنا
يعود المصدر إلى عام 2014 حيث بقي المقعد شاغراً قرابة عامين ونصف العام حتى نضجت الظروف لانتخاب الرئيس ميشال عون، وتم الاتفاق معه بما يشبه هذا الطرح حالياً، أي الاختيار بين مرشح 8 آذار "الأصلي" سليمان فرنجية ومرشحها "التقليد" ميشال عون، فاعتمد الثاني لعلّ منسوب العواقب يكون أدنى. وقد سقطت كلها بمجرد وصول عون إلى بعبدا، حليفاً لـ"حزب الله" أولاً وآخراً، وما حدث بالأمس ولا زال ماثلاً أمام أعيننا يمكن أن يحدث اليوم ولا شيء يمنعه، ولم يعد بالإمكان الاتكال على التعهدات، فسبق أن جربت وسقطت في مهدها.
اليوم القضية هي بين فريقين وليس بين طوائف ومذاهب، فريق متعدّد الطوائف والمذاهب يريد الانتخابات في موعدها أو في أسرع وقتٍ ممكن، ويريد الإتيان برئيس يعيد للدولة هيبتها ويعيد للبنان علاقاته العربية والدولية يضع حداً للانهيار وفريق آخر متعدّد الطوائف والمذاهب يريد بقاء لبنان ساحة للصراعات والحروب وللانطلاق نحو الصراعات في المنطقة.
في المقابل لدى التيار الوطني الحر رؤية مختلفة تؤيد بمكان ما طرح ضرورة اتفاق المسيحيين، وانهم أمام فرصة في الوقت الراهن في ظل أي فئة من فرض رئيس مباشر عليهم وبهذا كان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أول الداعين إلى حوار مسيحي تستضيفه بكركي، وكرر أكثر من مرة ومن على منبر بكركي مطلبه على قاعدة "أن المسيحيين كغيرهم من اللبنانيين معنيون بأن يكون لهم كلمتهم، وبأن يسعوا لكي تكون لهم كلمة أساس في هذا
الاستحقاق".
ويرى "التيار" في موقف القوات اللبنانية ومعها الكتائب خطوة جيدة في التراجع عن تأمين حضور جلسة إذا تأكد فيها حصول مرشح 8 آذار أي سليمان فرنجية على أكثرية صلبة من 65 نائباً، ويمكن أن يشكل هذا الموقف فرصة حول حوار مباشر أو غير مباشر بين الأطراف المسيحيين للوصول إلى حل بأسرع وقت ممكن، وهناك حلول كثيرة إذا توافرت النية، لن يبقى السؤال لمن يعرقل أو يرفض التحاور، وهل لم تعلمه التجارب الماضية؟ ففكرة عزل التيار الوطني الحر عن الاستحقاق الرئاسي أو محاولة عزله أو ضربه في السياسة جربت على مدى سنوات وسقطت، وعلينا الاستفادة من التاريخ والتقاط اللحظة
المناسبة وهذا الأمر لدى الفريق الآخر.