بعد أسبوع على مغادرة الرّئيس السّابق ميشال عون قصر بعبدا وانتفاء أيّ مؤشرات إلى إمكان ملء الشّغور الرّئاسي في وقت قريب أو منظور اتّخذ انعقاد "مؤتمر اتفاق الطائف" بدعوة وتنظيم من السّفارة السّعودية في بيروت أبعاداً بارزة شغلت الوسط السّياسي الدّاخلي والبعثات الديبلوماسية في لبنان نظراً إلى الدّلالة الإيجابيّة التي حملها المؤتمر في توقيته شكلاً ومضموناً. وإذا كانت الانطباعات الأساسيّة التي تركها انعقاد في قصر الأونيسكو تركّزت على كثافة الحشد السّياسي الكبير الذي استقطبه من خلال المروحة الواسعة للمدعوين فإنّ ذلك لم يكن أمراً عاديّاً في زمن يحتاج فيه لبنان إلى خطوات عمليّة لجمع القوى السياسيّة قاطبة على قواعد حماية الدّستور والنّظام المنبثقين من اتّفاق الطائف في ظلّ ممارسات مديدة من انتهاك الطائف .كما أنّ الدّلالة الأبرز الأخرى تمثّلت في الرّسالة التي أوصلتها المملكة العربية السعودية إلى جميع المعنيّين في الدّاخل والخارج حيال عدم تخلّيها عن حضانة الاستقرار اللّبناني وعودتها إلى تأكيد حضورها من خلال الطائف.
وفي هذا السّياق جاءت المداخلات والكلمات والخطب التي أُلقيت في المؤتمر الذي تميّز بالحضور الحاشد والعابر لمعظم القوى والاتّجاهات السّياسيّة والطائفيّة باستثناء "حزب الله" لتشكل معالم تمسّك إجماعي باتّفاق الطائف الأمر الذي يتّخذ بعداً إيجابيّاً للغاية في ظلّ الظروف التي يعيشها لبنان.
وفي البارز من خلاصات الكلمات والمداخلات شدّد راعي المناسبة السّفير السعودي وليد بخاري على أنّ "مؤتمر اتّفاق الطائف يعكس اهتمام السّعودية وقيادتها بالحفاظ على أمن لبنان ووحدته واستقراره والميثاق الوطني". وقال: "نعوّل على حكمة القادة اللّبنانيّين، ونعرف تطلّعات الشّعب الذي يسعى للعيش باستقرار. نحن بأمسّ الحاجة إلى تجسيد صيغة العيش المشترك والحفاظ على هويّة لبنان وعروبته"، محذّراً من أنّ "البديل عن الطّائف لن يكون إلّا المزيد من الذّهاب نحو المجهول". وبرز إعلان السّفير السّعودي أنّ "فرنسا أكّدت لنا أنه لن يكون هناك أيّ نية أو طرح لتغيير اتفاق الطائف"، مشيراً إلى أنّ الاتّفاق محط اجماع دولي ويؤكّد نهائية الكيان اللّبناني.
من جهته، شدّد الرّئيس فؤاد السنيورة على أنّ "الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من التجربة تفيد بأنّ لبنان يقوم على قوّة التوازن المستدام، الذي يحقّق الاستقرار". وقال "لا حلّ طائفيّاً أو فئويّاً، بل هناك حلّ واحد فلبنان يقوم بالجميع أو لا يقوم، ويكون للجميع أو لا يكون". وختم "حسن النوايا هو المبدأ الذي يجب أن تبدأ به أيّ مبادرة أو حلّ، والأهمّ اليوم الوصول إلى رئيس للجمهوريّة يؤمن باتّفاق الطائف ويرعى العودة إليه ويسعى إلى تثبيته والالتفات إلى الممارسة الصّحيحة لتطبيقه".
أمّا عن الهدف من اتّفاق الطائف فقال وزير الخارجية الجزائري السّابق الأخضر الإبراهيمي الذي حضر خصّيصاً إلى بيروت للمشاركة في المؤتمر: "الهدف من اجتماع الطائف والهدف من العمل الذي أوصلنا إلى اتفاق الطائف والهدف الذي تحقّق في الطائف كان يعني أوّلاً وقبل كل شيء إنهاء الحرب. ثانياً ملء الشّغور الذي حلّ بعد انتهاء ولاية الرّئيس أمين الجميّل لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ثالثاً فتح الطّريق أمام اللبنانيّين جميع اللبنانيّين لبناء دولتهم الجديدة وكان هناك أمل كبير ألّا يتوقف عمل اللّجنة الثلاثيّة بالخروج من الطائف، بل أنّها ستواكب عمل لبنان من أجل إعادة بناء الدولة وإعمار لبنان".
وفي موقفٍ يُظهر الالتفافَ المسيحي – الإسلامي حول الطائف اعتبر المطران بولس مطر، ممثّلاً البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّ "المسيحيين والمسلمين أمّة واحدة في اتفاق الطائف، ونحن في لبنان أخوة بالوطنيّة والعروبة والإنسانية، فنرجو من اللبنانيين وضع خلافاتهم تحت سقف الأخوة وليس فوقها". ورأى أنّ "عودتنا إلى الطائف فرصة للبنان، فالنّظام السّياسي خاضع للتّبديل ضمن حوار يجب ألّا يتوقف"، مشدّداً على أنّ "الحوار واجب علينا بمحبة وأخوة".
أمّا أمميّاً، فدعت المنسّقة الخاصّة للأمم المتّحدة في لبنان يوانا فرونتسكا إلى "شحذ الهمم لتطبيق اتّفاق الطائف التّاريخي بما يضمن استقرار لبنان". وأشارت إلى أنّ "الاتّفاق وضع نظاماً سياسيّاً جديداً يلبّي طموحات اللبنانيّين من خلال تبنّي الإصلاحات وتنفيذها وتأسيس الانتماء الوطني".
الى ذلك، اعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنّ "المؤتمر المنعقد يؤكّد مجدّداً أنّ المملكة العربيّة السعوديّة لم تترك لبنان، والحضور الكبير هنا يشيرُ إلى تثبيت مضامين اتفاق الطائف الذي لا يزال الاتفاق الأصلح للبنان".
من جانبه، شدّد رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط على أنّ "الأهمّ اليوم انتخاب رئيس للجمهورية". وقال "المعركة الكبرى الآن ليست في صلاحيات الرئاسية الواضحة دستوريّاً وسياسيّاً، بل المشكلة في انتخاب الرئيس ولاحقاً تشكيل حكومة ذات مصداقيّة، تطلق الإصلاحات المطلوبة للبدء بالإنقاذ الاقتصادي والمالي". أضاف: "الطائف أساسي جدّاً لأنه كرّس إنهاء الحرب التي شهدها لبنان على مدى 15 عاماً. وقبل البحث في تعديل الطائف، علينا تطبيقه أوّلاّ للوصول إلى إلغاء الطائفيّة السياسيّة. من قال أنّني كوريث لكمال جنبلاط أعارض إلغاء الطائفية السياسية".
وقدم بخاري درعاً تكريميّة وميداليّة من وزارة الخارجيّة السعودية للابراهيمي لجهوده على صعيد إرساء الوفاق في لبنان والتوصّل إلى صيغة الوفاق الوطني في الطائف وقبل الطائف.
يُشار في السياق إلى أنّ الاستحقاق الرئاسي بدا حاضراً في المؤتمر الذي حضره المرشح النائب ميشال معوض والمرشح الوزير السابق سليمان فرنجية. وسئل جنبلاط على هامش المؤتمر عن موضوع ترشيح فرنجية فقال : "لا اقبل بفرنجية رئيساً ومرشحنا هو النائب ميشال معوض." من جانبه، أكّد فرنجية في دردشة على هامش مشاركته في المؤتمر عينه "أنّنا "طول عمرنا كنّا مع الطائف ولم نكن يوماً خارجه ونحن جزء منه". وعن تأثير حضوره إيجاباً بعلاقته مع السعودية قال: "نحن لبينا الدّعوة ولم نأت من أجل الرئاسة ولا من أجل أيّ أمر آخر ونحن دُعينا إلى مناسبة وطنية". وردّاً على سؤال حول تأثير ذلك على علاقته مع حلفائه قال فرنجيّة: "هل حلفائي ضدّ الطائف؟ حلفائي مثلي مع الطائف.".
ووسط الأجواء المحلية المحتدمة انتقد البطريرك الرّاعي من البحرين مرّة أخرى، أداءَ الطّبقة السياسية. فقال: "البحرين عرفت كيف تفتح قلبها وتجمع كلّ الناس، وهذه دعوة لبنان التاريخية التي وللأسف هدمها المسؤولون في لبنان، لكنّها لن تموت لأنّها في صميم طبيعتنا". وأضاف قبيل مشاركته في القداس الإلهي الذي ترأسه البابا فرنسيس أمس في البحرين " الشعب اللبناني الطموح لا يموت، وعاهل البحرين أكّد لي أنّ لبنان في قلبنا ولا نتركه أبداً."
ليف والسيناريوات اللبنانية
في غضون ذلك قالت كبيرة الديبلوماسيّين في شؤون الشّرق الأوسط في واشنطن باربارا ليف إنّ لبنان سيضطرّ على الأرجح إلى تحمّل المزيد من الألم قبل أن يشكّل البلد المتوسّطي الفقير حكومة جديدة، مع احتمال "تفكّك" كامل للدّولة.
وقالت مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، في حدث استضافه مركز ويلسون بواشنطن العاصمة: "يجب أن تسوء الأمور قبل أن يتصاعد الضّغط الشّعبي بهذه الطّريقة". وأضافت ليف: أستطيع أن أرى سيناريوهات حيث يكون هناك تفكك، حيث يكون هناك تفكّك فقط. أتخيّل بطريقة ما أنّ الكثير من هؤلاء البرلمانيّين يحزمون حقائبهم ويذهبون إلى أماكن في أوروبا حيث لديهم ممتلكات.
ولفتت ليف إلى أنّ "هناك اعتقاداً خاطئاً بين أولئك الذين لا يريدون أن يروا الإصلاحات في قطاع البنوك أو الكهرباء أنّنا لسنا بحاجة إلى هذا القرض البالغ 3 مليارات دولار لأنّ لدينا كل هذا الغاز الطبيعي".
ونبّهت إلى أنّ الحقيقة هي أنّ [التنقيب عن الغاز] يستحقّ سنوات من العمل. إنه ليس مالاً في البنك.
وقال مسؤولون لبنانيّون إنّ الولايات المتّحدة وعدت بحماية الاتّفاقية في مواجهة فوز نتنياهو. ورفضت ليف تحديد الخطوات التي ستتّخذها واشنطن لحماية الصفقة أو ما إذا كانت تعتقد أنّ حكومة بقيادة نتنياهو ستمزّقها.
قالت: "سنرى. أعتقد أنه سيكون هناك الكثير من الأصوات التي تنصحه (نتنياهو) بخلاف ذلك"، مضيفةً أنّ الصّفقة "جيّدة لإسرائيل".