مع عدّاد مرعب حطم الرقم القياسي الجديد المحلّق للاصابات والوفيات اليومية بكورونا فبلغ عدد الإصابات 4166 إصابة وعدد حالات الوفاة 21 أي حدث يمكن أن يقفز فوق هذا وماذا يمكن أن يقال؟ الواقع أنّ العدد المخيف هذا قد يكون فاجأ الكثيرين لكنه مع الأسف لم يفاجئ معظم المعنيين في القطاع الطبي والصحي الذين دأبوا منذ أسابيع سبقت الأعياد ورأس السنة الجديدة على أطلاق أجراس الإنذار والتحذير وحتى التخويف المتعمد من عاصفة وبائية ستجتاح لبنان بعد الأعياد فذهبت تحذيراتها هباءً منثوراً. هذا العدد القياسي، الذي سجل أمس، توقعه أطباء ومسؤولون سلفا بل توقعوا أن يتجاوز المعدل اليومي للإصابات بعد الأعياد سقف الخمسة آلاف إصابة، بما يعني أنّ الارتفاعات المخيفة المسجلة في الأيام الأخيرة بلوغاً إلى آخرها الذي تجاوز سقف الأربعة آلاف إصابة كانت أوّلاً حصيلة التفلّت الشعبي الواسع الذي حصل قبيل وخلال عطلة رأس السنة بعدما كانت الحصيلة بدأت تتصاعد بشكل مقلق بعد عطلة الميلاد. وإذ تتزامن هذه القفزة القياسية في الـعداد عشية بدء سريان إجراء الإقفال العام بدءاً من صباح اليوم الخميس وحتى الأول من شباط المقبل، فإنّ العدد بذاته بدا بمثابة جرس إنذار مخيف للسلطات الرسمية والحكومية والصحية والأمنية حيال طبيعة الإجراءات والتدابير التي تقرّرت والتي توصم بالاجتزاء والخلل، بما يحتّم إعادة النظر فيها بسرعة واليوم قبل الغد وإعادة فرض إجراءات بالغة التشدد حتى لو وصلت الى حدود حالة طوارئ كاملة يفرض فيها منع التجول والالتزام بالمنازل بالقوة الأمنية والعسكرية وتحجيم الاستثناءات وتحديدها إلى أقصى الحدود.
هذه الخلاصات لم تكُن بنت ساعتها، إذ بُحّت أصوات معنيين طبيين وصحيين وخبراء وهي تدعو السلطات إلى فرض إجراءات صارمة وذات طبيعة شمولية ولو لمرة لمدة ثلاثة أو أربعة أسابيع، وإلّا لن يجدي أيّ إجراء مجتزأ نفعاً في خفض الإصابات وتخفيف الأعباء الهائلة عن المستشفيات، فيما لا يبدو أنّ فئات واسعة وكبيرة من اللبنانيين تأبه للاخطار المخيفة للانتشار الوبائي أو تلتزم الإجراءات المطلوبة للحماية. ومع ذلك وقع المحظور وباتت أعداد الإصابات تُنذر بنموذج كارثي لبناني لا حاجة به للتشبه لا بالنموذج الإيطالي ولا بسواه، علماً أنّ المفارقة الصادمة هنا تتمثل في تزامن انفجار الواقع الوبائي مع تداول صورة صادمة ومستهجنة، أمس، لوزيري الصحة والاقتصاد في حكومة تصريف الاعمال يتناولان الغداء في بعلبك مع مجموعة كبيرة من الأشخاص إلى مائدة عارمة بلا كمامات وبلا تباعد وبلا أي تحفّظ. أمّا الوجه الآخر للمأساة، فيتّصل بواقع المستشفيات الخاصة التي تخوض معها وزارة الصحة معركة استقبال مرضى كورونا بعدما بلغ الوضع حدودا ًكارثية في ظلّ امتناع معظمها عن فتح أجنحتها لمرضى كورونا، إذ أنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي نفسه اضطر إلى أن يوجّه نداء الى هذه المستشفيات طالباً منها أعداد ما يلزم من غرف وأجنحة لاستقبال المصابين بكورونا للحد من انتشار هذا الوباء. ولم يخف البطريرك صدمته الضمنية من أن يكون مجموع أسرة العناية الفائقة المخصصة لمرضى كورونا 73 فقط بينما عدد المستشفيات الخاصة هو 67 مستشفى.
ولكن الحدث الوبائي لم يحجب بطبيعة الحال الأجواء السياسية الآخذة في مزيد من التفاقم والانسداد في ظل تجدد السجالات بين "التيار الوطني الحر" ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، علماً أنّ ثمة توقعات بمزيد من التأزم في الأيام القليلة المقبلة إذا استمرت القطيعة القائمة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري منذ فشل الاجتماع الرابع عشر بينهما في تشكيل الحكومة. وخرق المشهد السياسي الجامد أمس، ظهور الرئيس فؤاد السنيورة في عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري. واعتبر السنيورة انه ليس امام الرئيس عون والرئيس الحريري سوى خيارين، إمّا تأليف حكومة ترضي السياسيين وتولد ميتة، وإمّا حكومة تلبي طموحات اللبنانيين والشباب، داعياً عون إلى المبادرة والتصرف كرئيس للجمهورية وليس كرئيس لـ"التيار الوطني الحر"، ومشدّداً على التزام الدستور واحترامه . كما وجه البطريرك الراعي نداء جديداً إلى الرئيسين عون والحريري طالبا منهما عقد "لقاء وجداني ومصالحة شخصية ولقاء مسؤول لانتشال البلد من قعر الانهيار بتشكيل حكومة انقاذ بعيدة ومحررة من التجاذبات السياسية والحزبية".