استبدلت مواقع التواصل الاجتماعي، خاصةً "تويتر"، "جلسات المقهى"، وأصبحت منصّة للمناقشات والمواجهة السياسيّة.
تحتوي هذه المنصات على عقائد متناقضة ومختلفة كلّها في مكان واحد، وبالرغم من امتلاك الحرية الكاملة للإعراب عن رأيك بقضايا عدّة، منها السياسية، أصبحت هذه الحرية والديموقراطية الافتراضية منبراً لنشر الكراهية واستخدام اللّغة الإلغائية والانقسامية. نعيش في عصر تكنولوجيا حيث الرقابة الأخلاقية شبه معدومة، فتستغل الجهات السياسية هذا الأمر وتحاول استقطاب جمهور مؤيد لأفكارها، في حين تستعين بما بات يسمّى بـ"الجيوش الإلكترونية" لنشر عقائد حزبها وأفكاره من جهة، وتأليب الرأي العام على خصومها من جهة أخرى. وسرعان ما تتحوّل هذه الوسيلة إلى حرب إلغائية، لا يمكن لأحد السيطرة عليها.
الانطلاق والدور
يُعتبر عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب ملحم الرياشي، من مطلقي فكرة "الجيوش الإلكترونية"، فهو أنشأ هذا المفهوم في معراب لحزب "القوات اللبنانية". شرح رياشي في حديث إلى "النهار"، أن القوات هي من أوّل مؤسّسي الجيوش الإلكترونية، وكان من ضمن أهدافها الأساسية حماية صورة الحزب، التسويق لعقيدته وقضيته، والدفاع عنه بوجه الهجومات التي يتعرّض لها.
أما اليوم، فيعتبر رياشي أن ظاهرة "الجيوش الإلكترونية" التي أُنشِئت لتعزيز النقاش والتعّرف على أفكار الأحزاب الأخرى، تشوّهت وتضرّرت بشكلٍ هائل قائلاً: "تشوّه المبدأ اليوم، لأنّ المجتمع اللبناني يعيش حالات عدائية وكراهية غير مبرّرة في الشكل، لكن هي في المضمون نتيجة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة وفشل معظم الأحزاب السياسية في تحسين الوضع، واليوم للأسف أصبح مجتمعنا مجزأً ومنقسماً".
ويشير إلى أن "مواقع التواصل الاجتماعي تحتوي على الكثير من "كثرة الحكي"، وتتحوّل من نقاش مثمر إلى حرب عصابات. ومن أجل إعادة النقاش يجب تطبيق مبدأين أساسيين، هما، وضع حدّ للكراهية، والتعلّم من بعضنا البعض لأنّ "المعرفة أساس البناء والحضارة".
ويشدّد رياشي على فكرة أن الكلمة أخطر من الرصاصة، ففي حال اختلفت أفكارنا ومعتقداتنا، من المهم المحافظة على مستوى الكلام، وعدم الانحطاط، لأن "الكلمة تولّد حرب".
وتعقيباً على سؤال حول الحلول الذي يقترحها النائب للتخفيف من هذه الظاهرة المؤذية، يرى رياشي أنّه يتوجب على "الجيوش الإلكترونية" العمل على وقف تشويه الآخر وإنما تقديره. وفي المقابل يجب على الناس أن تخفّف من أذيّة بعضها البعض، فالمتلقي هو أسوأ من المرسل، يريد الأذية، والسبب أن مجتمعنا مجزأ ومنقسم، في حين أن الاجتزاء عملية خطيرة تحدث اليوم في مجتمعنا.
"التيار الوطني الحرّ"، من الأحزاب التي تملك جيشاً إلكترونياً. ويقول عضو المجلس الوطني في التيار جورج سروفيم في حديث إلى الـ"النهار"، إن جيوش التيار المعروفين بـ "FEA" استهلوا مسيرتهم بعد تقييمهم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع، بالإضافة إلى محاولة استقطاب الجيل الجديد المنخرط في السجالات السياسية.
فالتيار يستخدم منصة "واتساب" للنقاشات ويتفّق عبره أفراد الحزب على الحملات التي يريدون إطلاقها أو الموقف حيال حدث مهم في البلد، عندها يُطلب من جميع المنتسبين، التوجّه إلى خطاب معيّن أو قضية ما.
يشرح سروفيم أن "جيش التيار الإلكتروني يدافع بقوّة على تويتر، من أجل إظهار وجهة نظر مختلفة عن الرأي السائد اليوم، فهو ناشط في النقاشات السياسية". مضيفاً: "نحن لا ننكر أن ردّة فعل المؤيدين للتيار تكون في بعض الأحيان عدائية أو تهجُّمية، لكنها ضمن حقّ الردّ وليست فقط بغية التهجّم، ولأنّه جيش إلكتروني أي افتراضي، ليس بامكاننا تطبيق توجيهات الحزب على الجميع، لذلك قد توجد بعض الأخطاء في هذا المنحى".
جيوش للتنمّر
تكاثرت الحملات الإلكترونية التي أساءت إلى أشخاص، منهم صحافيون ومؤثرون، يستخدمون وسائل الإعلام كمنبر للتعبير عن رأيهم. هذه الحملات استخدمتها جيوش إلكترونية لإعلان الحرب على هؤلاء، واعتماد اللغة الإلغائية، الكراهية والانقسامية، بسبب الاختلاف في الرأي. والمؤسف أن هذه الحملات تنشُر الحقد ولا تطال الشخص المستهدف بشخصه بل بأولاده وعائلته أيضاً.
ومن أبرز هذه الحملات المؤذية التي أطلقت هذه السنة، حملة التهجّم والسخرية التي طالت ابنة الإعلامية ديما صادق وطفلها الذي كان على وشك الولادة، حيث شتم بعض المستخدمين أطفال صادق على مواقع التواصل الاجتماعي، لتردّ حينذاك صادق وتقول: "عندكن مشكلة معي حاربوني قد ما بدكن. ولادي شو بدكن فيهن؟! طفل ما خلق ليه عم تدعوا عليه، جدّ ليه؟ مين زرع كل هالشرّ فيكن؟ أيمتى صار مجتمعنا هيك؟ عالعموم من هلّق ورايح كتبوا شو ما بدكن ما حردّ بحرف لأن الكلمة بتخاطب العقل وإنتو بطّل فيكن عقل، ما فيكن إلّا الغريزة. آخر كلمة، الله يرجّعلكن الإنسانية".
أصبح من المعتاد إطلاق الجيوش الإلكترونية حملات مسيئة لطرف معارض أو من فكر مختلف عبر تطبيق "تويتر"، المنصة الأكثر استخداماً للترويج السياسي وإطلاق الشعارات، ولعلّ الحملة الأشد أيضاً، كانت على الناشطة أماني دنحش التي تنتقد العهد بشراسة. إذ في الـ2020 هاجمها الجيش الإلكتروني للتيار وتمكّن جمهور الحزب البرتقالي من ممارسة الضغط على الشركة التي كانت تعمل فيها والمطالبة بإلغاء إقامتها التي كانت موسومة للعمل في الإمارات، ما أربك الشركة وجعلها تراسل دنحش لسحب إقامتها، وقالت دنحش في مقابلة لها: "وضعوا رقم هاتفي على "تويتر" وطلبوا من الجميع ارسال رسائل مسيئة لي، بالإضافة إلى وضع صور لي، لعائلتي ولوالدي المتوفّى، "انتو كيف قادرين تقطعوا برزق حدن؟".