تنطلق الأحزاب والقوى السياسية الممثلة في مجلس النواب من الأرقام التي أفرزتها الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، لتبني حساباتها بدقّة أكثر هذه المرّة استعداداً للدورة الثانية التي حدّدها رئيس مجلس النواب نبيه في 13 تشرين الأوّل.
وفي حين أضحى الجميع متّفقاً على أنّ ما سرى في الانتخابات السابقة لرئاسة المجلس ونيابته لا يسري على انتخابات الرئاسة لعدد من الظروف الموضوعيّة من جهة، ولاختلاف التحالفات لكلّ مركز وهذا ما حصل بالفعل، ولو أنّ نتيجته صبّت في مكان واحد، فإنّ التحالف الذي بناه بري لتأمين 65 صوتاً يختلف عن التحالف الذي بناه بو صعب، والتحالفان لا يمكن جمعهما في انتخابات الرئاسة، أقلّه حتى الساعة.
وإنْ كان من المتّفق عليه أنّ الورقة البيضاء التي جمعت فريق الممانعة ونالت نحو 60 صوتاً، لا يزال من الصعب جمعها على اسم مختلف نظراً للاختلافات العميقة بين المكوّنات الأساسية لهذه المجموعة، فإنّ الانظار تتّجه على الضفة الأخرى التي اتفقت على اسم ميشال معوّض ونال عبرها 36 صوتاً نتيجة غياب 4 نواب يصبّون لمصلحته، ما يعني 40 صوتاً فعليّاً، خصوصاً أنّ هذا الفريق تحرّك عبر مرشّحه وأحزابه لمحاولة حشد أكبر عدد من الأصوات لتعزيز حضور معوّض، في المرحلة الثانية.
كثفت قوى المعارضة أو القوى السيادية، لقاءاتها وعملها في المرحلة التي تلت الدورة الأولى على جبهتين، الأولى هي تثبيت التحالف الذي انطلق منه معوّض ونال فيه 36 صوتاً، وهو لا زال ثابتاً حتى الآن خصوصاً بعد تأكيد رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكيّ وليد جنبلاط أنّ معوض لا زال مرشّحه.
ولكن في المقابل وبحسب أوساط الحزب التقدّمي الاشتراكي أنّ هذا الاستمرار يستند إلى مشاورات جديدة يجريها الحزب مع معوّض، ومدى إجاباته على الطروحات التي يتمسّك بها، خصوصاً بما يخصّ رفض المواجهة مع الفريق الآخر، وكيفية تقييمه لتنفيذ القرار 1559 الذي يمكن أن يجرّنا إلى مواجهة، بالإضافة الى الطروحات الاقتصادية والعلاقة مع صندوق النقد، وعناوين كان قد طرحها الحزب سابقاً، والأهمّ خطته لتأمين الأكثرية داخل مجلس النواب، اذ، وبحسب المعطيات، حتى الساعة هذه الإمكانية ضعيفة جدّاً، وبناء على هذا الأمر سيُبنى على الشيء مقتضاه بالنسبة إلى الدورات الأخرى، إذ لا يمكن الاستمرار الى ما لا نهاية بمرشح ليس لديه فرصة الوصول، وخصوصاً أنّ لدى الحزب أسماء عدّة بديلة.
أمّا على طرف "القوات" و"الكتائب" فهما مستمرّان بدعم معوّض، الذي يتمتّع بكامل المواصفات المطلوبة التي طرحاها، ويمكن أن يشكّل نقطة التقاء مع بقية الأطراف خصوصاً أنّ معوّض أثبت أنّ لديه حضوره وتمثيله المستقلّ وهو غير مرتبط بأيّ حزب أو فريق ويملك هامشاً من الحركة، لكن ضمن ثوابته التي تلتقي الى حدٍّ كبير مع الثوابت الأساسية للحزبين، هذا ويؤكّد الحزبان أنّهما ليسا بصدد دراسة أيّ اسم آخر غير معوّض في الوقت الحالي في حال أبقى على ترشّحه.
أمّا الجبهة الثانية التي تعمل أحزاب المعارضة وشخصياتها عليها، فهي محاولة إقناع باقي الأطراف المعارِضة أو من هي خارج محور الممانعة على السير بخيار معوّض، وهي لم توقف اتّصالاتها منذ لحظة انتهاء الجلسة. ووفق مصادر متابعة لحركة الاتّصالات فإنّها تتركّز على 3 جهات، الأولى هي تكتل نوّاب السُنّة الذين كان لديهم موقف موحّد بعشرة أصوات، والثانية هي على بعض النواب المستقلّين الذين كانت لديهم مواقف مختلفة كالنائب نعمة افرام الذي لديه كتلة من نائبين، وكتلة نواب صيدا-جزين، وبعض المستقلين "السياديين" الذين لا زالت مواقفهم مبهمة، أمّا الثالثة فهي مع النواب التغييريين.
فعلى الجبهة الأولى يبدو أنّ هذه القوى سجّلت اختراقات إيجابية، تمثلت في اللقاءات والحركة التي يقوم بها أعضاء التكتل الوطني، خصوصاً مع معوّض والقوات والكتائب، وقد تكون اللقاءات التي جمعت التكتّل مع "القوات اللبنانية" بعد خصومة شديدة طبعت المرحلة اللاحقة، خير دليل على ذلك.
وفي هذا المجال يكشف مصدر متابع عن دور للمملكة العربية السعودية في هذا الانفتاح، حيث أبدت عدم رضا عن الخيار السابق لهؤلاء النواب، الذي كان مفاجئاً للمملكة وفُسّر على أنّه ردّ على اللقاءات والرسائل التي أطلقها السفير السعودي في لبنان.
ويلفت المصدر الى أنّ عدداً من النواب أبلغ المعنيين أنّ للمملكة "مونة" عليهم وهم لن يكونوا إلّا في الصفّ السعودي أيّاً كانت الاعتبارات، مشيراً الى أنّ البعض الآخر تحصّن بفكرة أنّ السعودية لم تصارح النواب إنّما تركت الأمر مفتوحاً وهذا كان له تأثير".
وفيما يستبعد المصدر أن يكون الرئيس سعد الحريري قد تدخّل بقرار النواب ولو كانوا من المقرّبين جدّاً، يشدّد على أنّ هناك عدّة اعتبارات أثّرت ولا زالت تؤثّر على عدد من النواب ومنها موقف الحريري وعلاقته بالقوات، إضافة الى علاقات تجمع عددًا منهم بسليمان فرنجية وتفضّله على غيره من الشخصيات، بالإضافة الى الدافع الشخصي لدى البعض الآخر، وهو ما ظهر جليّاً في غياب النائب وليد البعريني عن زيارة معراب.
ويختتم المصدر بالتأكيد أنّ الكتلة لن تعلن موقفها سوى قبل الجلسة بوقت قليل، وهي ستبقي اجتماعاتها مفتوحة، مشيراً الى الأمور تتّجه نحو الايجابية بتبنّي خيار معوّض في الجلسة المقبلة.
وإنْ كانت سُجّلت بعض الاختراقات الإيجابية على دفّة النواب السنّة، فهذا لم ينطبق على دفّة الكتلة التغييرية، التي لا زالت تعتبر ميشال معوّض من ضمن الاصطفافات، وهذا الأمر لا ينطبق مع مبادرتها ومعاييرها، وهي حتّى الساعة لم تتخلَّ عن مبادرتها، وستعمل على طرح أسماء أخرى لمحاولة الاتفاق مع باقي الكتل، وهنا تشدّد أوساط أحزاب المعارضة على أنّ التنسيق واللقاءات مع النواب التغييريين قد تراجع وقنوات الاتّصال التي كانت مفتوحة في السابق عبر عدد من النواب قد ضاقت جدّاً نتيجة التعنّت وعدم الوضوح من قبلهم، لكنّها لفتت في المقابل إلى أنّه في النهاية سيضطرّ الجميع الى التنسيق، لأنّ الجميع يدرك أنّنا أمام فرصة تاريخية لا يمكن تضييعها. وما ينطبق على التغييريين ينطبق على نواب صيدا-جزين.
أمّا بالنسبة الى النواب المستقلين والسياديين فالتنسيق لم ينقطع وهو بمنحى إيجابيّ جدّاً، وسيؤدّي الى النتيجة المطلوبة وقبل جلسة الخميس.