يطرح هاجس الأمن في لبنان تحدياً كبيراً لما يمكن أن يكون باباً أو وسيلة للاستثمار السياسي. من هنا، كان لافتاً ما كشفه أمس وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، وبيان قوى الأمن الداخلي اليوم، عن تنفيذ شعبة المعلومات "عمليات نوعية استباقية دقيقة" خلال صيف عام 2022، أسفرت عن رصد وتحديد وتوقيف 8 خلايا إرهابية في مختلف المناطق اللبنانية، ينتمي أعضاؤها إلى تنظيم "داعش" الإرهابي. وتبين بعد التحقيق مع الموقوفين، تخطيطهم للقيام بعمليات إرهابية تستهدف مراكز عسكرية وأمنية، وتجمعات دينية ومدنية مختلفة.
هذا المعطى الأمني يطرح أسئلة مشروعة بشأن ما اذا كان هناك خلايا داعشية ما زالت تنشط في لبنان؟ ولماذا؟ وهل أصلا تنظيم داعش ما زال موجودا، وأين؟ وما دلالات توقيت هذا الإعلان اليوم؟
المتخصّص في الحركات الإسلامية وناشر موقع "البديل"، أحمد الأيوبي يقول لـ"النهار": "تنظيم "داعش" فقد مركزيته، بمعنى، لم يعد هناك توجيهات واضحة وتسلسلية من التنظيم للخلايا في البلدان والمناطق، قد يكون هناك اجتهادات تصدر عن مجموعات منفردة، بحيث تتصرّف كلّ مجموعة وفق ما تراه مناسباً، لكن، لا خطر حقيقياً يشكله تنظيم "داعش" أو غيره من التنظيمات الإرهابية لفتح مواجهة في لبنان، إنّما قد يكون هناك اختراقات جانبية لهذا التنظيم تدفع ببعض مجموعاته إلى التحرّك في لبنان".
ويضيف: "تَحوَّل تنظيم "داعش" إلى "سوبرماركت" للأجهزة ولبعض الدول، ووسيلة تستخدمها بحسب مصالحها. من هنا، السؤال المطروح، كيف يستطيع هؤلاء العناصر "الداعشية" اجتياز الحدود بين لبنان وسوريا، فيما تخضع هذه الحدود لسيطرة كاملة من قبل النظام السوري ومجموعات "حزب الله" والحرس الثوري، وحتى روسيا تمتلك أبراج مراقبة في كثير من المناطق على الحدود اللبنانية السورية؟ وبالتالي، كيف يتحركون من لبنان إلى سوريا والعراق والعكس صحيح؟ وكيف يمكن لمجموعات من الشباب اللبناني، الالتحاق بتنظيم "داعش" الموجود في سوريا والعراق؟ هناك علامات استفهام كبيرة على التسهيلات غير المنظورة التي تحظى بها هذه المجموعات".
الدلالات
يعتبر الأيوبي أنّه "مع الدخول في مرحلة الفراغ الرئاسي، سنشهد تهويلاً كبيراً على عدّة مستويات، من أجل رضوخ القوى السياسية لمشيئة "حزب الله"، فيحضر عندها شبح الإرهاب والتخريب والفلتان، وبالتالي استحضار الإرهاب في فترة محدّدة هو جزء من مرحلة الفراغ".
النائب السابق مصطفى علوش، يرى بدوره، أن العمل الاستباقي للأجهزة الأمنية عمل جيد، وقد يكون هناك مجموعات كثيرة من "داعش" تنتشر في لبنان، لكن لا تتوفر اليوم المعطيات الكاملة لمعرفة هوية هؤلاء ومن يحرّكهم، وما اذا كان الهدف هو الاستغلال السياسي، لكن الأكيد، أن هذه المجموعات لا تزال موجودة، وإمكان استغلالها من قبل أجهزة استخباراتية معينة أمر وارد، والدليل مجموعة "فتح الإسلام"، التي تحوّلت إلى جيش كامل، وكانت تحركها المخابرات السورية. من هنا، هناك احتمال أن تكون هذه الخلايا التي تم اكتشافها هي من بقايا "داعش" وتعمل ضمن مفهوم خلايا صغيرة، بانتظار أن تكشف التحقيقات ما اذا كان هناك من يستثمرها في الداخل اللبناني".
الأمن الاستباقي
بدوره، ينوّه الأيوبي بالعمل الاستباقي الذي تقوم به الأجهزة الأمنية، لكنّه في الوقت نفسه، يشدّد على ضرورة أن يكون هناك تلازم بين الأمن والقضاء، بين القبضة الأمنية المطلوبة، والقضاء العادل، خصوصاً أن الكثير من الأشخاص مكثوا طويلاً في السجون تحت تهم الإرهاب، وتبيّن لاحقاً أنهم أبرياء.
الأيوبي لا يرى وجود أيّ ارتباط بين اكتشاف الخلايا الإرهابية في لبنان ومعادلات المنطقة، ويشير إلى أن لا شيء في المنطقة يؤكد ان تنظيم "داعش" استعاد زخمه مجدداً، لا في سوريا، ولا في العراق، ولا في أيّ مكان آخر، وبالتالي اذاً، لماذا يريدون إحياء مشروعهم في لبنان، الذي يُعتبر من أكثر البلدان التي أفشلت مخططاته".
ولفت الأيوبي إلى أن هذه التنظيمات تعاني من عدم القدرة على استقطاب الشباب اللبناني، لأنّ الإعلان عن تجارب من سبقوهم وما اكتشفوه من تضليل لقضايا مخادعة وشعورهم بالخيبات واستغلالهم جعل جزءا كبيرا من الشباب السني أن يرفض الانزلاق وبات مدركاً لخطورة الالتحاق بهذه التنظيمات، حتى ولو ان وجع الفقر يدق بابهم. من هنا، هناك يقظة جيدة من الأجهزة الأمنية، لكن لا يجب تخويف الناس، فـ"داعش" مش راجع".