تبدو البلاد وسط إجازة عطلة الأضحى كأنها امام إجازة سياسية لا افق لنهايتها بعد انقضاء العطلة الرسمية اذ ان المعطيات السياسية المتصلة بأزمة تشكيل الحكومة تزداد قتامة وجمودا في مشهد باتت فيه القطيعة السياسية ابرز معالم الشلل الذي يطبع هذه المرحلة الانتقالية الى نهاية العهد الحالي . ولم يعد خافيا ان استبعاد تشكيل حكومة جديدة قبل نهاية العهد صار الاحتمال الأكثر ترجيحا لدى معظم القوى الداخلية الأمر الذي يدفع اكثر فاكثر في تكريس الشلل الذي يزحف على محور الجهود التي يفترض بذلها لايجاد تسوية تضمن تاليف حكومة جديدة . ولكن التعنت الذي طبع اخر موجة من موجات الاتصالات والمشاورات السياسية قبل بدء عطلة الأضحى سرعان ما فعل فعله في ترك الملف الحكومي عرضة للشلل والازمة المستفحلة بين بعبدا والرئيس المكلف نجيب ميقاتي وهي ازمة تقول أوساط معنية انها مرشحة في افضل الأحوال للتمدد بلا حلحلة ولو ان ما بعد عطلة الأضحى قد يشهد محاولة إضافية لكسر القطيعة وتخفيف التوتر بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي في لقاء ثالث محتمل بينهما مخصص للبحث في التشكيلة الحكومية من دون ضمان أي تقدم او نتيجة إيجابية لهذا المسعى . وفي ظل هذا الانسداد بات التوغل في مناخات واجواء الاستحقاق الرئاسي امرا بديهيا ما دام العد العكسي لبدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية المقبل صار عند مشارف شهر وعشرين يوما فقط من نهاية آب التي تشكل بداية المهلة الدستورية . وفي ظل هذه المعطيات الضاغطة توقف المراقبون امس عند الموقف الجديد للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي حدد فيه تفصيليا مواصفات بكركي للرئيس المقبل وهي مواصفات يمكن قراءة دلالاتها البارزة بانها تطرح مواصفات لرئيس من خارج الصف السياسي التقليدي القائم بما يسلط الأضواء باهتمام ودقة عليها باعتبار ان من يحدد هذه المواصفات هو رأس الكنيسة المارونية التي يتبعها أي رئيس للجمهورية .
وقد تناول البطريرك الراعي في عظته امس في الديمان ما وصفه ب" المراوغة واللامبالاة المستمرة في موضوع تشكيل الحكومة" وقال:" إن عدم تسهيل تأليف حكومة جديدة كاملة الصلاحيات الدستورية، وتتمتع بالصفة التمثيلية وطنيا وسياسيا وميثاقيا لهو عمل تخريبي. فإن ترك البلاد بلا حكومة في نهاية عهد وعشية الاستحقاق الرئاسي، يؤدي حتما إلى إضعاف الصفة التمثيلية للشرعية اللبنانية كمرجعية وطنية للتفاوض مع المجتمع الدولي. فتبقى قوى الأمر الواقع تتحكم بالقرار الوطني وبمصير لبنان. من شأن ذلك أن يزيد انهيار الدولة وغضب الناس، كما من شأنه أن يجعل صراعات المنطقة وتسوياتها تتم على حساب لبنان كما جرت العادة في العقود الأخيرة".
وأضاف الراعي :"ونرفض أيضا مع شعبنا التلاعب باستحقاق رئاسة الجمهورية. نتمسك بضرورة احترام هذا الاستحقاق في وقته الدستوري، وانتخاب رئيس متمرس سياسيا وصاحب خبرة، محترم وشجاع ومتجرد، رجل دولة حيادي في نزاهته وملتزم في وطنيته. ويكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب، ولا يشكل تحديا لأحد، ويكون قادرا على ممارسة دور المرجعية الوطنية والدستورية والأخلاقية، وعلى جمع المتنازعين الشروع في وضع البلاد على طريق الإنقاذ الحقيقي والتغيير الإيجابي. وتقتضي ظروف البلاد أن يتم انتخاب هذا الرئيس في بداية المهلة الدستورية لا في نهايتها ليطمئن الشعب وتستكين النفوس وتنتعش الآمال".
في سياق متصل بالاستحقاق الرئاسي كان لرئيس حزب "القوات اللبنانية " سميرجعجع موقف متشدد مجددا من توحيد المعارضة حول مرشح واحد لرئاسة الجمهورية فاكد في حفل تسليم بطاقات الى منتسبين جدد الى "القوات " ان "المفترق الاساسي الذي سيحدد مصير لبنان للسنوات الست المقبلة هو انتخابات رئاسة الجمهورية التي بتنا على قاب قوسين منها، باعتبار ان المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس تبدأ في الأول من أيلول" وشدد على ان "الموضوع يتوقف عند مدى إمكانية توحيد المعارضة على اسم معين". وأوضح استعداد "القوات" للحوار مع كل اطراف المعارضة وتأكيدها ان كل قنوات الاتصال مفتوحة معها للتوصل الى اتفاق حول اسم مرشح واحد، لأن تعذّر ذلك سيسهل على الطرف الآخر الإتيان برئيس محسوب عليه، ما يعني اننا سنعيش ست سنوات إضافية في جهنم الذي وضعونا به مع فرق واحد ان هذا الجهنم سيكون اعمق واصعب" . ورأى ان "المطلوب من النواب الذين انتخبوا على اساس انهم من ضمن فريق المعارضة التصرف على هذا النحو لا الاكتفاء بالكلام والتصريحات، اي اتباع خطوات تؤدي الى احداث تغيير ما، اساسه في الوقت الحاضر معركة رئاسة الجمهورية". وتوّجّه الى افرقاء المعارضة قائلا: "دعونا لا نفوّت هذه الفرصة كما حصل في انتخابات نيابة الرئاسة وأعضاء هيئة المجلس او في خلال تسمية الرئيس المكلف، والا سنكون قد خنّا الأمانة التي منحها الشعب لنا وأسمعناه كلاما معسولا لم يفضِ بنتيجة، فلنتعلم من التجارب السابقة ولنتحمل كمعارضة مسؤوليتنا في هذا الاستحقاق المهم".
وفي غضون ذلك رأى وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري أن "لا إمكان لتشكيل حكومة جديدة خلال هذه الفترة القصيرة، لأنها ستكون انتقالية مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي وستتصارع عليها مختلف القوى"، معتبرا أن "تعويم حكومة تصريف الأعمال وأعطاءها الثقة مرة جديدة هو الحل الأفضل". واعتبر أن "من مصلحة الجميع تشكيل حكومة يكون لكل فريق فيها السلطة الأكبر، لأن الجميع يدرك أن لا انتخابات رئاسية". ولاحظ أن "الرئيس المكلف نجيب ميقاتي استفز التيار الوطني الحر بحجب حقيبة الطاقة عنه في التشكيلة الحكومية التي قدمها"، لافتا إلى أن "العلاقة بين تيار المردة والتيار الوطني الحر تحسنت بعد اللقاء الذي جمع رئيسي التيارين سليمان فرنجية وجبران باسيل"، وكاشفا عن اتصالات بين الجانبين. وقال: "فرنجية كما باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وقائد الجيش جوزف عون، كلها أسماء مطروحة لرئاسة الجمهورية".