مع عودة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي من إجازة في الخارج واستئناف نشاطات السرايا اليوم الثلثاء لا تبدو أي معالم جدية تؤكد ما تردد في الأيام الأخيرة من معطيات وتقديرات حول امكان إعادة تحريك ملف تاليف حكومة جديدة اذ صار واضحا ان الامر تجاوزته أولا المهل قبل أسبوعين فقط من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد وثانيا انعدام كل المعطيات السياسية للتاليف وسط القطيعة المديدة بين بعبدا والسرايا . وتبعا لذلك لم يعد أي كلام عن الاستحقاق الحكومي يقدم او يؤخر في صورة المشهد السياسي في الوقت الذي انخرط فيه جميع الافرقاء السياسيين في الاستعدادات "والتموضعات" والمشاورات المتصلة بالاستحقاق الرئاسي . وفي هذا السياق سيعقد اليوم الاجتماع الثاني للنواب ال ١٦ الذين عقدوا اول اجتماعاتهم الثلثاء الماضي في مجلس النواب واعلنوا انهم يسعون الى قيام تكتل أوسع من دون اتضاح أهدافهم الواضحة بعد ولكن وسط الظن بانهم يهدفون الى قيام تجمع نيابي مؤثر في الاستحقاق الرئاسي . وسيكون المحك العملي لهذا التجمع مرتبطا بقدرة نوابه على التماسك وعدم الانفراط تحت وطأة عدم نجاحه في تحديد وتوحيد الهدف من قيامه كما يرتبط بما اذا كان التجمع سينسق مع كل القوى المعارضة في شان الاستحقاق الرئاسي .
وفي ظل هذه الأجواء بدا لافتا الموقف الحاد الذي اطلقه امس رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع رفضا للمطالبة برئيس توافقي فاعلن في مؤتمر صحافي من معراب ان " البعض يطرح فكرة التوافق على رئيس يلتفّ الجميع حوله ولكن إذا وجد فريقان يتّخذان طريقين مختلفين فكيف سيلتفّان حول هذا الرئيس ولا سيما ان مقاربة الرئيس التوافقي وحكومات الوحدة الوطنيّة اعتمدت لأكثر من 12 سنة وهي التي اسفرت عن هذه الوضعية التي لا يصلح فيها الكلام الديبلوماسي والا نكون امام خيانة للشعب اللبناني. انطلاقا من هنا، كل دعوة ترمي إلى التفاهم مع محور الممانعة على رئيس للجمهورية ليست بمكانها ولن تؤدي الى اي نتيجة لأنها "عود على بدء"، وستستمر في اتباع السياسات القائمة باعتبار انه إذا كانت "قوى الممانعة" خلف الرئيس التوافقي يعني لنردد ما يقوله السيد حسن "تخبزوا بالأفراح". واكد ان "نقطة الانطلاق تبدأ بانتخاب "رئيس جديد فعلا جديد" يختلف عن هذه المقاربات ويعاكس كل السياسات التي كانت قائمة ويبدأ بعملية الإنقاذ المطلوبة ولا يعتمد سياسة الترقيع، فنحن نريد رئيسا يواجه ويتحدى الأزمة لا ان يتفاهم معها، باعتبار ان التفاهم مع الازمة يعني استمرارها."
أضاف: "لمن يقول لا نريد "رئيس تحدي"، نؤكد له اننا بأمس الحاجة الى هذا الرئيس، ليس بالمعنى الشخصي للكلمة، إنما إذا لم نأتِ برئيس يتحدى سياسات "جبران باسيل" و"حزب الله" فكيف سيتم الإنقاذ؟ الرئيس الذي ينقذ البلد هو "رئيس جديد"، يتمتع بمواصفات معينة، "يكون رجّال"، سيادي واصلاحي بامتياز، والا سيستمر الفساد في الدولة ولن نخرج من الازمة".
ونّوّه بالاجتماعات التي تعقد بين بعض النواب المستقلين والتغييريين والاحزاب في مجلس النواب، متمنيا ان "تستمر وتتوسع لنصل الى تصور واضح قبل الموعد المحدد للاستحقاق الرئاسي و"القوات" ستسير باي اسم جديد تراه الأكثرية مناسبا".
وتابع: "اللبنانيون جميعا يدفعون ثمن السياسيات التي شارك فيها بشكل أساسي "التيار الوطني الحر"، فكيف يمكننا التفاهم معه؟ هل المسيحيون عشيرة عليهم التوافق في ما بينهم والمسلمون عشيرة أخرى؟ المشكلة أعمق من هذا بكثير وهي متصلة بسياسات عامة في البلاد وتطال كل اللبنانيين. أتأسف ان هناك من يسأل عن صلاحيات الطوائف في وقت لم يترك من خلال ممارساته أيّاً من هذه الصلاحيات لكي يتباكى عليها".
وحول لقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع "حزب الله" والتقارب بينهما، شدد جعجع على ان "القواتيين أصدقاء مع الرفاق في "الحزب الإشتراكي" وهناك تلاقٍ في سياسات كبرى كثيرة والعلاقة مستمرة بيننا، ولكن لا تلاقي في مقاربة مسألة رئاسة الجمهوريّة، باعتبار ان جنبلاط لديه طريقته ونحن لدينا طريقتنا التي نرى فيها ان "الأخذ والرد" في الملف الرئاسي مع "حزب الله" في أحسن أحواله "عود على بدء"".
وردا على سؤال، علّق جعجع: "وليد جنبلاط لم يصبح في "حضن" "حزب الله" وهو لم يكن يوماً في "حضن" أحد إنما دائما في "حضن" وليد جنبلاط."
وردا على سؤال حول الأطر التي وضعها جبران باسيل للاستحقاق الرئاسي والعودة الى الرئيس القوي والأكثر تمثيلا، قال جعجع : "لو قام باسيل بأي امر إيجابي في السنوات الست الأخيرة لكنا اليوم بغنى عن أطروحاته التي لن أرد عليها. نحن في مكان آخر والمطلوب رئيس قادر على الإنقاذ من خلال اعتماد سياسات معاكسة لتلك المعتمدة في هذه المرحلة. والقصة ليست قصة رئيس قوي او ضعيف، فاذا كان الرئيس الحالي يمثّل "الرئيس القوي" فـ"شفنا القوة وين صارت طلع أضعف رئيس بتاريخ لبنان"".
وعن التسريبات الإعلامية حول سعي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الى اجتماع يضم جعجع وباسيل للاتفاق على اسم رئيس، أكد جعجع "ان "معراب لن تلدغ من الجحر مرّتين، وحتى في المرّة الأولى ما كانت لتلدغ لو لم يتم تحضير الجحر ولم يعد هناك مفرّا منه."
في المقابل عبّر المكتب السياسي لـ"حركة أمل" عن "قلقه من استسهال البعض وقوع المؤسسات القيادية في الدولة في حالة الشلل والفراغ ربطاً بما يحصل الآن من انهيار طال المؤسسات جميعها وهو يطرق ابواب القطاعات الامنية والعسكرية". واعتبر في بيان، بعد اجتماعه الدوري، أن "المسؤولية الوطنية تتطلب انجاز الاستحقاق الرئاسي الدستوري من أجل إخراج لبنان من حالة الانهيارات المتتالية في شتّى القطاعات والمرافق في ظل التعطيل المتعمّد لتشكيل الحكومة".
في غضون ذلك قام وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين بزيارة لدمشق وبدا لافتا انه اصطحب معه وفد حزبيا ضمّ عضو المجلس السياسي ومنسّق الملف السوري في "الحزب الديمقراطي اللبناني" لواء جابر، ومستشاره الإعلامي جاد حيدر، والتقى وزير الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف، المكلّف بملف النازحين السوريين، ووزير الداخلية اللواء محمد الرحمون.
وبحث شرف الدين مع مخلوف الخطة الموضوعة من قبله لعودة النازحين السوريين إلى ديارهم وفق جداول زمنية محددة من قبل الجانبين.
واعلن مخلوف في تصريح عقب الاجتماع "أن هناك توافقاً في الرؤية بين الجانبين السوري واللبناني لجهة عودة جميع اللاجئين وليس فقط 15 ألف نازح شهرياً كما ورد في الخطة التي قدمها الجانب اللبناني"، لافتاً إلى "أن مراسيم العفو التي صدرت شملت جميع السوريين إضافة إلى تسهيل وتبسيط الإجراءات في المناطق الحدودية وتأمين الخدمات للعائدين من نقل وإغاثة ومساعدات إنسانية وطبابة وتعليم وغيرها لتوفير إقامة آمنة ومريحة لهم."
ونوه شرف الدين "بالتوافق والتعاون الذي أبداه الجانب السوري تجاه خطة عودة النازحين السوريين المتواجدين في لبنان"، وقال:" تم بحث الخطة بتفصيل ودقة وأبدت الدولة السورية استعداداً لاستقبال جميع الراغبين بالعودة مع التعهد بتوفير جميع متطلباتهم من مساعدات وخدمات وإقامة وطبابة وتعليم وغيرها"، معبراً عن "شكره للقيادة السورية على إصدار مرسوم العفو الرئاسي الأخير".