ثلاثة أيام بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري عن تشكيل الحكومة لم تبدل صورة الجمود الكبير الذي أصاب المشهد الداخلي والذي استمر تحت وطأة هذا التطور والحسابات المختلفة لدى أطراف الداخل حيال طبيعة المرحلة التي بدأت الاعتذار.
ويبدو في حكم المؤكّد، في ظلّ المعطيات الواقعية البعيدة عن عامل المكابرة الإعلامية الذي يحاول فريق العهد الظهور فيه لحجب الأنظار عن المسؤولية الكبيرة والمصيرية التي يتحملها في إفقاد لبنان فرصة انقاذ حقيقية، أنّ مدّة غير قصيرة ستمر قبل تمكن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة لأنّ تحديد الموعد لن يكون متاحاً قبل بلورة اسم الشخصية السنية التي سيجري تكليفها، وإلّا لن يكون موعد لاستشارات يقاطعها المكوّن السني بثقله الأساسي تجنباً لتكرار تجربة حكومة حسان دياب الأحادية الفريق من قوى 8 آذار.
واذا كانت السمة اللافتة التي طبعت حدث الاعتذار منذ اللحظة الأولى هي مسارعة الدول المعنية بلبنان إلى إطلاق المواقف المشدّدة على إجراء الاستشارات النيابية الملزمة الجديدة فإنّ ذلك لا يعني في نظر أوساط ديبلوماسية مطلعة أنّ الضغط الدولي سينجح في ضغوطه الجديدة حيث فشل في التجربة السابقة. بمعنى أنّ الرهان على الضغوط الدولية لم يعد مجدياً كثيراً بعدما أثبتت تجربة الرئيس المكلّف السابق سعد الحريري أنّ خللاً كبيراً جداً شاب الضغوط الدولية أو أنّها لم تكن في مستوى الخطورة الحقيقية التي يشهدها لبنان فكان اعتذار الحريري إدانة ضمنية أيضاً لفشل قوى دولية في ممارسة الضغوط الكافية والجدّية والحاسمة لحمل العهد وفريقه وحليفه "حزب الله" على وقف التعطيل الذي يريدونه، إمّا لأسباب ذاتية لدى العهد وإمّا لارتباطات أقليمية لدى "حزب الله".
وتبعاً لذلك ستترقب الأوساط المعنية مسار الأيام القليلة المقبلة علماً أنّ عطلة عيد الأضحى ستشكل ذريعة أساسية لدى العهد للتذرع بمآل بطيء للاستشارات النيابية علّه "يعثر" على الشخصية التي ستقبل التكليف.
وفي سياق التحرّكات الدواخلية، أفادت معلومات أمس أنّ رئيس المجلس نبيه بري طلب من معاونه النائب علي حسن خليل عقد مؤتمر صحافي ظهر اليوم الأحد لم يكشف النقاب عن الهدف منه، وما ينوي طرحه، ولكن وفقاً لما هو قائم، فهو سيتحدث عن مفاوضات تأليف الحكومة، والعوامل التي أدّت إلى إفشال مبادرة بري من قبل فريق بعبدا، فضلاً عن موقف حركة "أمل" من كيفية السعي لتأليف حكومة جديدة.
أمّا في المواقف الدولية الجديدة، فأعرب أمس نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف خلال اتّصال هاتفي مع الرئيس الحريري، عن أمله في إجراء مشاورات مبكرة بشأن تشكيل حكومة جديدة في لبنان. وأمل، في بيان نُشر على موقع وزارة الخارجية الروسية "في قيام رئيس البلاد ميشال عون بإجراء المشاورات التي ينصّ عليها الدستور مع ممثلي الكتل البرلمانية في المستقبل القريب لاتخاذ قرار بشأن رئيس وزراء جديد، وتشكيل حكومة مؤهلة تحظى بدعم جميع القوى السياسية والطائفية القيادية في الجمهورية اللبنانية".
كما أعربت الخارجية الروسية عن أسفها لعدم تمكّن الحريري من الاتفاق مع رئيس لبنان على تشكيل الحكومة. وأشار الجانب الروسي بأسف إلى أنّه في غضون 9 أشهر منذ تولّي الحريري منصب رئيس مجلس الوزراء، لم يكن من الممكن التوصل إلى اتفاق مع رئيس الجمهورية بشأن تشكيل الحكومة التكنوقراطية الجديدة في البلاد.
في الوقت نفسه، أكّدت الخارجية الروسية استعدادها لمواصلة الاتّصالات مع جميع ممثلي الدوائر الاجتماعية والسياسية المؤثرة في لبنان من أجل تعزيز العلاقات الودية والتعاون ذات المنفعة المتبادلة.
وفي المواقف الداخلية، "أسفت" الهيئة السياسية في "التيار الوطني الحُرّ" اثر إجتماعها الدوري إلكترونياً برئاسة النائب جبران باسيل "لأن يكون الرئيس المكلّف التشكيل اختار الإعتذار بعد تسعة أشهر من تكليفه بدل الإقدام على تشكيل حكومة تواجه التحديات الضاغطة اقتصاديّاً وماليّاً على اللبنانيّين"، داعيةً "جميع القوى والكتل البرلمانية الى التعاطي مع المرحلة بأعلى درجات المسؤوليّة لأنَّ الأخطار المتزايدة تهدّد وجود الدولة ومؤسّساتها وتنذر بفوضى كبيرة إذا لم تتشكّل بأسرع وقت حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الماليّة والنقديّة والاقتصاديّة وعلى بدء المفاوضات مع صندوق النَقد الدولي على أساس خطّة تحقّق تدريجيّاً التعافي المالي والنَقدي".
في غضون ذلك بدا واضحاً أنّ مجمل الأمن الاجتماعي في لبنان صار مهدّداً بخطورة عالية وسط استعصاء الحلول الجذرية في الأزمات المعيشية والصحية إذ على صعيد أزمة الدواء والمحروقات، لم تصمد طويلاً. فالخطّة التي أعلن عنها وزير الصحة أمس لم ترض مستوردو الدواء (سيتكبدون 50% خسائر) أيّ أنّ الصيدليات ستبقى عاجزة عن تأمينه للمواطنين وستبقي أبوابها موصدة.
أمّا المازوت فشبه مفقود في على السعر الرسمي ما اضطر كهرباء زحلة إلى إعلان خطّة تقنين، فيما يرفع أصحاب المولدات والأفران، الصوت. البنزين بدوره سينفد خلال أيّام قليلة مع عدم فتح مصرف لبنان اعتمادات جديدة للبواخر (لأن المادة يتم تهريبها إلى سوريا) وقد عادت الطوابير لتطول أمام المحطات فيما عدد لا بأس به منها، لم يستقبل السيارات ورفع خراطيمه.