لم تستثنِ السهام التي أطلقها رئيس التيار "الوطني الحر" جبران باسيل من باريس حليفه "حزب الله"، فأجّجت النار بين أطراف الفريق الواحد، وزادت من عمق الانقسام الموجود والذي يتمثّل بعدم الاتفاق على مرشّح وحيد بعد، فيما وجّه رسائل صريحة تؤكّد رفضه لترشيح سليمان فرنجية وعدم إمكانية السير بخياره، رغم "الضمانات" التي كشف عن تلقيها.
إذ عاد باسيل وأكّد أن الأمين العام للحزب حسن نصرالله "ما بيمون عليي" بمسألة انتخاب فرنجية، وهو موقف كان قد ذكره في وقت سابق، وجاء بعد الجلسة الشهيرة التي جمع فيها نصرالله باسيل وفرنجية قبل الانتخابات. وكان لافتاً حديث باسيل عن تقديم ضمانات له متعلّقة بحصوله على حصص وازنة في الحكومات المقبلة، بالإضافة إلى وعد لانتخابه لرئاسة الجمهورية في ما بعد.
ثلاثة احتمالات أمام باسيل
لا يُمكن غض النظر عن "المعادلة" التي شدّد عليها باسيل، الرئاسة تمر عبر "التيار"، ولا رئيس من دون موافقته. يرى باسيل ثلاثة احتمالات، تتوافق مع مصالحه وتياره. الاحتمال الأول والأكثر ترجيحاً، تمديد الفراغ والضغط على الجميع، بما فيهم "حزب الله"، للسير بمرشّح آخر غير فرنجية، يرضى عنه "التيار الوطني الحر".
الاحتمال الثاني والذي يتخوّف منه، إصرار "حزب الله" على فرنجية، ما سيضطر باسيل للخضوع لمشيئة حارة حريك. وهو سيناريو كان قد اختبره باسيل في العام 2016، حينما ألزم الحزب حليفيه فرنجية وحركة أمل بميشال عون. وهذه الحال، ربما تدفع بباسيل إلى الرفع من سقف التحدّي لضمان المكتسبات في المرحلة المقبلة.
أمّا الاحتمال الثالث والأخير، والذي قد يُراهن عليه باسيل، تبدّل الظروف الداخلية والخارجية لطرح نفسه مرشّحاً. فالرهان داخلياً على استمرار الشغور الرئاسي، إضافة إلى العوامل الاقتصادية والأمنية غير المشجّعة، والفراغ الطويل، بالتزامن خارجياً مع جهود باسيل لترتيب أوراقه دولياً ورفع العقوبات عنه.
لا تراجع عن قرار رفض فرنجية
النائب السابق ماريو عون يرى أن "باسيل لن يتراجع عن موقفه الرافض لانتخاب فرنجية رئيساً، وانطلاقاً من معرفتي به، لن يتنازل رغم المكتسبات أو الضمانات التي قد تُعطى له للتراجع عن قراره، خصوصاً وأنّه يتسلّح بموقف موحّد صادر عن كتلة نيابية وازنة".
وفي حديث لـ"النهار"، لا يستبعد عون ألا يمون نصرالله على باسيل في هذه المسألة، مشيراً إلى أنّ "باسيل لن يكون جزءاً من عملية تفاوضية لإيصال فرنجية إلى الرئاسة نسبةً لرفضه هذا الموضوع، وهو موقف مقتنع به، علماً أنّه قادر على تحصيل المكاسب من دون المقايضة في هذا الملف".
وعن الركون إلى مرشّح آخر غير فرنجية يحظى بالحد الأدنى من التوافق، يلفت عون إلى أن "باسيل على يقين أن التفاهم بين الأطراف مختلفةً لن يحصل في المدى المنظور، فيطرح نفسه كأنّه المسهّل لإنجاز الاستحقاق، وهو يدفع بمرحلة "المراوحة في الحلقة المفرغة" قدماً إلى أن تتبدّل الظروف، وفي هذا الإطار، فإن الفراغ سيطول كثيراً".
هل يترشّح إلى رئاسة الجمهورية؟
وبالعودة إلى الاحتمال الثالث، وهو ترشيح نفسه إلى رئاسة الجمهورية، من الضروري العودة إلى تجربة ميشال عون، حينما أصرّ "حزب الله" على ترشيحه وفرضه على اللبنانيين من خلال الفراغ والتعطيل الذي استمر لسنتين وراهن على لعبة عض الأصابع.
انطلاقاً من هذه المسألة، يقول عون، "باسيل عينه فيها وتفو عليها"، ويُشير إلى أنّه "يعتبر نفسه الأكثر أحقية لهذا الموقع انطلاقاً من كونه الأكثر تمثيلاً في الساحة المسيحية والرجل الأقوى في طائفته، والمشهد نفسه سيتكرّر في حال حصل هذا السيناريو، حينما طرح ميشال عون نفسه في العام 2014 للرئاسة".
لكن عون يؤكّد أن "أجواء مجلس النواب ليست مواتية لانتخاب باسيل رئيساً للجمهورية في الوقت الحالي، والتيار "الوطني الحر" لن يخوض معركة تُلحق به خسارةً مدوّية، لكنّه يُماطل عسى أن تتبدّل الظروف الداخلية والخارجية كما حصل في العام 2016، وقد يطرح نفسه مرشّحاً في حال كانت معركته رابحة".