النهار

الأحكام الدستوريّة تضمن تسديد الودائع بقيمتها الفعليّة... هل يفتح القضاء أبواب المساءلة الجدّية؟
المصدر: "النهار"
الأحكام الدستوريّة تضمن تسديد الودائع بقيمتها الفعليّة... هل يفتح القضاء أبواب المساءلة الجدّية؟
المودعون يطالبون بحقوقهم (أرشيفية).
A+   A-

رولى راشد 

 

بالرّغم من دفاع حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي عن خطتها للتعافي التي وضعتها في ملعب مجلس النواب الجديد، مطمئنة إلى أنها ما زالت في خضمّ مفاوضات تسعى إلى حماية أكبر عدد ممكن من المودعين، لم توفّر لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين أيّ وسيلة من أجل ضمان حصول كافة المودعين على أموالهم التي سُلبت منهم. ويبدو أن اللجوء إلى القضاء لاسترداد هذه الأموال سلك مساره، بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في البرلمان بعد توالي المواقف المؤيّدة لنسف أيّ خطّة غير ضامنة للودائع.

في أيّ مرحلة أصبحت تحضيرات لجنة حماية حقوق المودعين؟

وهل المشكلة مرتبطة بحجز الودائع أم مرتبطة أيضاً بالقرارات والتدابير المصرفيّة الإذعانيّة؟ 

ضاهر

يؤكّد رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين المحامي الدكتور كريم ضاهر "تعثّر متابعة التفاوض مع جمعية المصارف، وتوجّه اتحاد نقابات المهن الحرّة، وهي 18 نقابة، إلى المقاضاة، بالاستناد إلى أحكام القانون 2/67، وذلك لتعذّر إبداء حُسن النيّة من قبل أعضاء هذه الأخيرة، والالتزام بالنقاط الخمس التي رفعها الاتحاد إلى لجنة الرقابة على المصارف في 18/5/2022، ممّا يعني أن المصارف رفضت المضيّ في أيّ تسوية جدّيّة ترتكز على تدابير عملانيّة واضحة، وتنفيذيّة، تحدّ من معاناة المودعين، ممّا دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى التدخّل لإيجاد حلّ للمعضلة المستعصية والأزمة المتفاقمة".

ويقول ضاهر لـ"النهار": "لقد حاول الرئيس ميقاتي إيجاد المخرج الملائم بعدما تمنّى على الاتّحاد استمهال التحرّك قضائيّاً قبل إقرار قانون إعادة هيكلة المصارف المفترض أن يؤمّن حقوق جميع المودعين، ويحفظ استمراريّة القطاع المصرفيّ، الذي يُشكّل جزءاً لا يتجزأ من الدورة الاقتصاديّة. وقد وعد بالتعاون والتواصل البنّاء بالنسبة إلى مشروع القانون الجاري إعداده، لكي يتسنّى للّجنة المختصّة لدى نقابة المحامين الاطلاع عليه، واقتراح التعديلات والإضافات المناسبة بما يؤمّن الحوكمة الرشيدة والمساءلة وحفظ الحقوق.

لكن هذا القانون من المحتمل أن لا يرى النور؛ وإن جرت صياغته والتوافق عليه مع معدّيه، فهو لن يرى النور قريباً في ظلّ غياب توافق سياسيّ وسلّةٍ كاملة من الإصلاحات اللازمة. وبالتالي، ما من ضمانة جدّيّة بأنّه سيُحافظ على الحقوق ويسهّل استردادها في المدى القريب المنظور.

واللجنة تتابع اليوم الإجراءات العمليّة، بالتنسيق الكامل مع كلّ النقابات وتحديد لكلّ منها مكان التقدّم بالدّعوى، بالتزامن مع إعداد الدراسات ونماذج الإنذارات الخاصّة بجميع المودعين. لكن للأسف، إن تواصلنا المباشر أو غير المباشر في الآونة الأخيرة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف لم يُحرز أيّ تقدّم أو حلحلة. صحيح أننا لا نعارض قانون إعادة هيكلة المصارف، خصوصاً إن كان يساعد على استعادة الحقوق والحفاظ على القطاع بشرط تنقيته وتحفيزه، علماً بأن الرئيس ميقاتي نقل إلينا موافقته المبدئيّة على أنه لا توزيع للديون التي يسمّونها خسائر من دون إجراء المحاسبة والمساءلة المسبقة، وبعد تحديد المسؤوليّات؛ وهذا ما نصرّ عليه، إذ مَن ارتكبَ عليه تسديد الثمن وردّ الأموال المهرّبة والمنهوبة، أو المكتسبة بصورة غير مشروعة. وهذا يكون أولاً عن طريق تطبيق القوانين النافذة، ومنها قانون الإثراء غير المشروع، والقوانين المصرفيّة والتجاريّة التي تحدّد المسؤوليّات، وثانياً، عبر وضع خريطة طريق تحدّد كيفيّة ومدّة ردّ أموال المودعين على عكس طرح قسم من المصارف، الذي بات واضحاً تواطؤه مع بعض أركان الدولة".

ويصرّ ضاهر على "ضمان حقوق كلّ المودعين، وليس استرداد الأموال فقط؛ وهذا يتلازم مع معالجة الفجوة في حسابات مصرف لبنان والمصارف عن طريق التمييز بين ما هو مشروع من ودائع وما هو غير مشروع، ويقتضي شطبه أو استرداده عملاً بالقوانين المصرفيّة والتجاريّة والجزائيّة بالنسبة للقطاع المصرفيّ، بالإضافة إلى القانونين 189 تاريخ 16/10/2020 (المتعلّق بالتصريح عن الذمّة الماليّة والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع) و214 تاريخ 8/4/2021 (قانون استعادة الأموال المتأتّية من جرائم الفساد) بالنسبة إلى الموظّفين العامّين، بالإضافة إلى خريطة الطريق المحدّدة، سواء في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وقرار مجلس الوزراء (حكومة الرئيس دياب) رقم 17 تاريخ 12/5/2020".

و"عملاً بالأحكام الدستوريّة، لا سيّما المقدّمة والمادتين 15 و89، على الدولة الالتزام تجاه المودع بضمان وديعته وتأمين إعادة تسديدها بقيمتها الفعليّة على مراحل، وفقاً لما تسمح به الظروف والإمكانيّات... فالدستور اللبنانيّ لا يسمح باقتطاع جزء من الودائع أو تحويلها قسريّاً إلى العملة الوطنيّة بأسعار صرف أدنى، عملاً بأحكام الفقرة (و) من مقدّمة الدستور لجهة كفالة الملكيّة الخاصّة، وكذلك المادة 15 منه التي تنصّ على "أن الملكية في حمى القانون، فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه إلا لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عليها في القانون، وبعد تعويضه عنه تعويضاً عادلاً"".

مجزرة تعدّد سعر الصّرف

 

في سياق مواز، يدعو خبير مصرفيّ إلى توقيف المجزرة القائمة اليوم في تعدّد سعر الصّرف التي هي 5 أو 6 أسعار.

وقال لـ"النهار": "صحيح أن بعض أصحاب المهن الحرّة استفاد في مرحلة ما من تسديد القروض على السّعر الأدنى للدولار أي 1500 ليرة لبنانيّة، وهذا ربّما استنزف ملاءة بعض المصارف وليس جميعها، إلا أنّ ذلك لا يعني أن قسماً من المصارف لم يقم بالمخالفات وتجاوز القوانين".

ولفت إلى "أنّه في عام 2020، طالب صندوق النقد بتوحيد سعر الصّرف كتدبير سريع؛ وخلال اللقاء ببعض أعضاء الصّندوق في عام 2021 سمعت منهم أهميّة اتّخاذ القرار بتوحيد سعر الصّرف في لبنان. في الأثناء، لا يجوز إغفال موضوع تآكل موجودات المصارف بهذه الطريقة؛ فالبعض من كبار رجال الأعمال يجني الأرباح الخياليّة في الخارج حيث يفتح الحسابات المصرفيّة على عكس ما هو حاصل في مصارف لبنان التي تنشط في إقفال الحسابات".

 

أسئلة برسم المسؤولين!

صحيح أنه قد لا يعني صندوق النقد أيّ خطّة تتضمّن شطب ديون الدولة ولكن الإسراع في توحيد سعر الصّرف بالاتفاق مع صندوق النقد، الذي هو مسؤوليّة الحكومة ممثلة بوزير المال إلى جانب حاكم مصرف لبنان، أصبح حاجة ملحّة لا بدّ منها.

ومع التطرّق إلى هذا الملفّ الحسّاس الذي يقرّر مصير شعب واقتصاد بلد، يطرح أيّ مراقب سلسلة أسئلة، منها:

كيف تصرّح الحكومة بأن همّها حماية حقوق المودعين، خصوصاً الصّغار منهم، وهي تتمادى في تسديد نفقات الخزينة وتعديل الرواتب من أموالهم؟

كيف تحمي الحكومة أموال المودعين، وهي لا تعمل بأقصى توصيات صندوق النقد المرتبطة بتوحيد سعر الصّرف، الذي من شأنه حماية الودائع من التسييل لمصلحة كبار التجّار والمدينين؟

ألا يعني تطبيق الكابيتال كونترول إلزام المَدينين الذين هم الدولة وأصحاب المصارف والتجّار وقف هذه المجزرة؟ 

كيف يحمي مصرف لبنان أموال المودعين وهو لا يتوقّف عن صرف احتياطيّاته من جيوبهم، بعدما صرف منذ عام 2022 على الدّعم ما يُقارب 22 مليار دولار من أموال المودعين؟

لماذا لا تطالب جمعيات المودعين الدولة بالاعتراف بديونها عوضاً عن ملاحقة طواحين الهواء؟

هل يكتفي فعلاً أصحاب المصارف ومديروها بالمبالغ المحدّدة لسقف السّحوبات شهريّاً والمفروضة على العملاء للعيش بهذا الترف الذي ينعمون به مع بعض المحظوظين والمقرّبين منهم؟

هناك إجماع من معظم الخبراء الاقتصاديين على أن "المسؤوليّات في الوصول إلى هذا الإفلاس تتوّزع كالآتي:

1-   الدولة أي الحكومات المتعاقبة وما ضمّته من سياسيين وقوى نافذة.

2-   المهرّبون الذي استفادوا كغيرهم من قوى الأمر الواقع، بعد خروج ما يناهز 40 مليار دولار من لبنان إلى سوريا منذ عام 2011.

3-   مصرف لبنان الذي سمح بهدر نحو 22 مليار دولار على الدعم منذ عام 2020.

4-   كبار المدينين الذين أقفلوا حسابات ديونهم وقروضهم للمصارف على سعر 1500 ليرة للدولار، علماً بأن رؤوس أموالهم موجودة وموظّفة في الخارج.

5-   أصحاب المصارف الذين هرّبوا رساميلهم إلى الخارج".

 

قضيّة الودائع والديون تتابع فصولها بين الأخذ والردّ وتقاذف المسؤوليّات من دون التوصّل إلى الحدّ الأدنى من الحلول. ويُفترض بالسّلطة أن تكون حريصة ومؤتمنة على الحقوق، التي هي مقدسّة، لكنّها تعيش في حالة من النكران الشديد لهذه المأساة التي تسبّبت بها الحكومات المتعاقبة على مدى السنوات الأخيرة بالدرجة الأولى. وهي اليوم تكتفي بالإعلان عن ضمانتها لردّ الأرصدة التي لا تتجاوز الـ100 ألف دولار لأصحابها الذين يشكّلون وفق حساباتها نسبة 90% من المودعين في المصارف، بعد أن قدّرت حجمها بـ34 مليار دولار، مع غياب الدقّة اللازمة في الأرقام.

 

اقرأ في النهار Premium