لم تدهشني مكابرة السيد نصرالله ولا تناقضات خطابه الأخير، إذ يقول حرفيّاً في الجملة نفسها:
"نريد رئيسًا قويًّا "يغطّي المقاومة"، لا نريد رئيس جمهورية يحمي المقاومة. المقاومة في لبنان ليست بحاجة الى غطاء ولا الى حماية"!!
يريد غطاء للمقاومة ولا يريد! والغطاء ليس حماية! إنّه التأكيد في معرض النفي.
على كلٍّ اعتدنا على تقلّبات الخطاب وتناقضاته. وهذا يحيلنا إلى الحليف وانقلاباته التي لا تحصى. الحليف الذي فرضه نصرالله رئيساً بقوّة التعطيل، ويعتبره مثال الأمانة والشجاعة: "فهذه المقاومة كانت آمنة الظهر لـ6 سنوات لأنّ في بعبدا رجلًا شجاعًا لا ببيع ولا بيشتري ولا بيطعن بالظهر".
لن أعلّق على الشجاعة، لكنّ الصحيح أنّ من يطعن في الظهر ليس "حزب الله" إنّما الشعب اللبنانيّ بأسره. أمّا في ما يتعلّق بالبيع والشراء فربما لم تصل إلى أسماع نصرالله الفيديوهات المتداولة من أعضاء سابقين في التيّار يشيرون الى حقائب أموال إيرانية كانت تصل إلى الرابية في صناديق الإغاثة.
على كلّ لو أنّ السيد يهتمّ بالفساد والفاسدين لكان التفت إلى مصدر ثروات المحيطين به من كلّ حدب وصوب. ناهيك عن ثروات طبقة التعطيل التي يحميها برموش العين طالما تغطّي سلاحه ومصدر رزقه.
ولكان وفّر على نفسه تكرار اتهاماته لثوار 17 تشرين بالعمالة وبالتسبّب بالانهيار، لو تنبّه أنّ الثورة اندلعت بسبب بوادر الانهيار والأزمة الاقتصادية وليس العكس. ولكان سأل نفسه من جعلنا بدون كهرباء بدل أن يتقبّلها كمسلّمة بديهية ويمنّن اللبنانيين بأنّه لولا حصار الأميركيين والعقوبات وقانون قيصر لكان وفّر لهم 10 ساعات كهرباء بالمازوت الإيراني!!
كأنّ طاعون الكهرباء المستعصي على الحلول منذ استلام صهر حليفه، الشجاع الذي لا يبيع، واجب وطني. ولكان اعترف أنّه المسبّب لعدم مساعدة دول العالم والدول العربية لنا، لأنّه استعداها جميعها واعتدى على الكثير منها.
وهو عندما يتواضع وينفي تحكّمه بلبنان من خلال عون، ويطالب برئيس توافقي، يترك لنوّاب حزبه مهمّة التهديد "بالرئيس الذي نريد".
هدف الحزب الحصول على ضمانات مطمئنة. ومن الذي سيؤمّن له ضمانة "رئيس لا يأتمر بالقيادة الأميركيّة الوسطى"؟ سوى الشيطان الأكبر نفسه؟ على غرار ضمانه للترسيم!
فعندما ينسب "شرف" الترسيم "للمقاومة"، ويخبرنا أنّ المسيّرات جاءت به، لا يشكّل الأمر أكثر من دعاية قبلت بها إسرائيل وأميركا كي يجد غطاء وذريعة للحزب أمام جمهوره، لتغطية قبوله باتّفاق تجاريّ وأمنيّ مع إسرائيل وتهدئة الجبهة، نتيجة لصفقة سمحت لإيران بتصدير براميل إضافيّة. وسبب كلّ ذلك الحرب الأوكرانية والحاجة الماسّة إلى الطاقة على ما اعترف السيد نفسه حيث قال: "عملنا الاتّفاق لتجنّب الحرب، لأنّ الإدارة الأميركيه لديها أولويات مختلفة. لم يقبل الترسيم من قبل. مصلحته تطلّبت الترسيم لكنّ "حزب الله" حصل عليه بقوّته!".
فكيف يكون حصل عليه بقوّته ما دامت مصلحة أميركا تحقّقت، وهذا ما أرادته الآن فقط!
إن الذي يقلق نصرالله، اعتراض اللبنانيين المتزايد على السياسات التي فرضها بقوّة سلاحه وتسبّبت بالانهيار. لذا يشيطن ثورة تشرين ويعتبرها مؤامرة أميركيّة، على غرار المؤامرة الدائرة الآن في مدن إيران وشوارعها.
أثار هذا الاتهام حفيظة النائب المهادن ابراهيم منيمنة فقال: "من قوّض الدولة يا سيّد هو من استعمل سلاحه في الداخل وفي المنطقة، ومن ترك الحدود سائبة، ومن عطّل الاستحقاقات الدستورية من الانتخابات الرئاسية إلى تأليف الحكومات، ومن حمى المصارف والفاسدين في الدولة. ومن قوّض الدولة يا سيّد هي معادلة سلاحكم مقابل فسادهم، وارتهانكم كلكن يعني كلكن لأجندات ومشاريع خارجية".
على قول المصريين: "كل ده كوم وافتتاحية خطابه كوم"، في خطابه بمناسبة يوم الشهيد. ففي الوقت الذي قبل فيه الهدنة مع إسرائيل، بعد أن أوقف جميع الأعمال العدائيّة ضدّها منذ صدور القرار 1701 عام 2006؛ نجد "شهداءه يموتون على أرض عربية يحارب فيها دفاعاً عن إيران ومصالحها. من سوريا الى اليمن مرورًا بالعراق.
ويفتخر بمصنعه لفبركة الشهداء ويشجع على ّاستمراريّته!!
أمّا عزاؤه لأهالي الشهداء المفقودين فوعد بالبحث عن بقاياهم لإعادتهم؛ متباهياً أنّهم من كلّ المناطق والفئات والشرائح والعناوين والأعمار، وأغلبيتهم من الشباب طبعًا. ولديه شهداء في الجوّ والبحر والبرّ.
"الملفت في شهدائنا عندما رؤيتنا عائلات شهيدة أي الزوج والزوجة والأولاد، العائلة كاملة، أو الزوج والزوجة دون أولاد، أو الأخ والإخوة: شهيدان 3 أو 4 من بيت واحد، كلّ الشباب في العائلة شهداء: بكونوا 3 بالبيت وكلّهم شهداء، 4 وكلّهم شهداء. لكن ما أريد التوقّف عنده : الابن والأب والجدّ. حالات عديدة، الشاب شهيد وابن شهيد وجده شهيد".
إنّها معركة الأجيال بالنسبة إليه، وهي نقطة القوة لأنّها ليست فقط "تاريخ شهداء وحاضر شهداء بل ومستقبل شهداء. نتحدّث عن مقاومة مستمرّة ونتحدّث عن أجيال يواصل بعضهم مع بعض كتفًا الى كتف، الأب والابن، الجدّ والحفيد، ويسلّم الشهيد الراية لابنه والابن للحفيد وهكذا".
قد يكون منطقه مقبولًا بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال. لكن أن يستمرّ في التشجيع على مسيرة الشهداء في بلد منهار يهاجر شبابه أو ينتحر يأساً؟ بعد أن فقد قضيته وهادن العدوّ، فأمر مستغرب حقّاً!! أين سيجعلهم يستشهدون؟ وضدّ من يريد تعبئتهم؟
السؤال متى يقول له شيعته يا سيد أمّن للبنانيّ كرامة عيشه قبل أن تطلب منه كرامة موته.
يبقى خوفه على الشبيبة من التيه والمخدرات! بينما تُحمى الحدود الفالتة مع سوريا لتهريب جميع أنواع المخدّرات بعد أن حوّلها النظام مصنعاً عالميّاً للمخدرات.
وليطمئن، فأخلاقيات الجيل الثالث المعرّض لخطر ثقافة التفاهة والميوعة والانفلات الاخلاقي والتفكّك الأسريّ، لم تُستورَد جميعها من الغرب اللعين! "فدود الخلّ منو وفيه" وهو أدرى بما يعنيه ذلك. إنّ أسباب الانهيار والتفكّك والضياع وفّرتها السلطة التي يحميها.
ومن يعاين الغرب عن قرب، سيجد أنّه يتمتّع بقيم وأخلاق أكثر مما ندعيه هنا. وانّ المواطن الغربيّ يعمل بجدّ ويتعب لتحصيل رزقه وإنتاج جميع ما نستهلكه. ويسكن عموماً شققاً صغيرة ومتوسّطة، ويهتمّ بالعائلة ويرعاها بإشراف حكومات تحميه وتحفظ حقوقه الأساسيّة وتوفّر له رفاهية الصحّة والطبابة والتمتّع بالدفء والتعليم الجيد والعمل والشيخوخة المحتشمة.
إنّ الترفيه عن النفس تبعاً للثقافة والقيم، لا ينبغي أن يكون موضع تشهير وذمّ عندما تختلف عن ثقافتنا وقيمنا.
كفانا التشهير في العلن، في الوقت الذي نستجدي رضاهم في السرّ.
فحبذا لو أنتجنا نصف ما ينتجون، بدل طاحونة الموت التي نمجّدها.
*نشر أيضاً في "الحرة"