شكّلت خسارة نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي في الانتخابات النيابية مفاجأة للمتابعين، لأن الرجل حرص على الإيحاء دائماً أنّه من بين الثوابت، ومن بين العائدين الأساسيين إلى المجلس النيابي، وفق ما أعلن أكثر من مرّة عبر وسائل الإعلام.
وبالرغم من أنّ في كلّ انتخابات مفاجآت، كانت أغلبيّة المتعاطين بالشأن الانتخابي في منطقة البقاع الغربي مقتنعة بأنّ مقعد الفرزلي مقعد حاصل، ولا إمكانية للخرق فيه؛ وذلك تبعاً لأسباب عدّة، أهمّها أنه يحظى بدعم واضح من رئيس مجلس النواب؛ وهذا الدعم كان واضحاً عبر فرضه على لائحة النائب المنتخب حسن مراد، بالرغم من الاختلافات الكبيرة بين الرجلين، والسبب الثاني أن للثنائي الشيعي فائضاً من الأصوات يُمكن تجييرها لأيّ حليف فتُمكّنه من الفوز المريح.
ولكن إذا كان فرضه على اللائحة قد تمّ بالفعل إلاّ أن استكمال عناصر الفوز لم يكملها الحليف كما كان يتوقّع البرلمانيّ العريق.
فالجميع يعلم أن لائحة تحالف مراد - حركة "أمل" – "التيار الوطني الحرّ" يمكنها تحقيق ثلاثة حواصل لا أكثر؛ وبما أنّ مراد ومرشّح حركة "أمل" قبلان قبلان يحجزان مقاعدهما بسهولة، نظراً إلى حضور الأول على مستوى الخدمات والتوظيفات والمؤسّسات التي استطاع عبرها بناء شبكة مؤيّدين ثابتة، فيما الثاني فيتّكل على "بلوك" أصوات شيعيّة يتجاوز العشرة آلاف صوت من الصعب اختراقه، فضلاً عن ضعف المنافسين في الدرجة الثانية.
وفي هذه الحالة، يبقى التنافس على الحاصل الثالث الذي ستحصده اللائحة بين الفرزلي ومرشّح "التيار الوطني الحرّ" شربل مارون على الأصوات التفضيلية، التي تقرّر هُويّة الفائز والداخل إلى "جنة البرلمان". وبما أنّ مارون هو مرشّح حزبيّ، ولدى حزبه حضور في المنطقة - بغضّ النّظر عن التراجع الذي حلّ به - ولا يزال يملك ماكينة انتخابية منظّمة وشبكة علاقات مع مفاتيح ورؤساء بلديّات ساهم في وصولهم "أيّام العزّ"، وجميعهم جرى استنهاضهم في الأيّام الأخيرة، بقي الفرزلي بحاجة إلى دعم بالأصوات التفضيليّة من خارج الإطار المسيحيّ، فاتّكأ على أمرين، أوّلهما مجموعة أصوات من الثنائي، وثانيهما أصوات سنيّة توقّع الحصول عليها نتيجة وقوفه في المرحلة إلى جانب الحريري، ودفاعه عنه، وتموضعه إلى جانبه بمواجهة جبران باسيل؛ وهذا ما نجح فيه بشكل جزئيّ إذ استطاع نيل أكثر من ألف صوت من الطائفة السنيّة، لم يكن كافياً لمعالجة الخلل في التوازن الانتخابي؛ أولاً بسبب مقاطعة أنصار "تيار المستقبل" بدرجة كبيرة، وثانياً بسبب رفض عدد كبير من المنتفضين على قرار الحريري السنة من الاقتراع للائحة تضمّ حسن مراد ومرشّح "التيار الوطني الحر".
أما بالنسبة لأصوات الثنائي، وهنا كانت المفاجأة أن الفرزلي لم يحصل عليها أبداً، وحصل على ما مجموعة 200 صوت من أكثر من11 ألفاً و500 صوت اقترعوا. وهنا كانت الضربة القاضية، حين لم تعوّض الأصوات السنيّة عن أصوات المسيحيين الذين تفوّق فيهم مرشّح "التيار الوطنيّ الحر" على الفرزلي، وبلغوا أكثر من 2500 صوت، فحصد الحاصل الثالث.
إلى ذلك، لا يُمكن استبعاد سبب تقدّم لائحة "المجتمع المدني" ووصولها إلى الحاصل بمفاجأة أيضاً. ويُمكن اعتباره من بين الأسباب التي ساهمت في "تعميق جراح" دولة الرئيس، خصوصاً أنّه كان يُمنّي النّفس بنيل اللائحة التي كان في عدادها أربعة حواصل، وبالتالي يفوز مع المرشّح العونيّ. وهذا ما حاولوا العمل عليه، أثناء فرز صناديق المغتربين، بمحاولة احتساب أحد الصناديق المشكوك بأمرها المُرسلة من سوريا ورفع الحاصل الانتخابي، لإبعاد اللائحة المدنيّة، وضمان أربعة حواصل للائحة الفرزلي، وهو ما لم ينجح أيضاً. والمفارقة في هذا الإطار أن الضربة القاضية كانت من ابنة بلدته جب جنين القاضية سحر الحاج، التي رفضت الإذعان للتدخّلات الكبيرة معها، وأصدرت النتائج مثبتة حصول اللائحة المدنيّة على الحاصل الانتخابيّ، والإبقاء على 3 حواصل للائحة مراد – الثنائي - التيار حصدها شربل مارون، وقبلان قبلان، وحسن مراد.