في بلد تسير فيه الحياة السياسية بطريقة أبسط ما يقال فيها إنها "غير سليمة" حيال التعاطي مع المواعيد الدستورية والقفز فوق مندرجاتها، من الانتخابات النيابية وتأليف الحكومات الى رئاسة الجمهورية التي تشغل اللبنانيين اليوم، وقبيل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون تكثر الاجتهادات من هنا وهناك ويجري التعاطي معها من زاوية مصلحة كل فريق. ويبقى الرأي الغالب عند خبراء الدستور ونواب مشرّعين حقيقيين من أيام "الزمن الجميل" في ساحة النجمة حيث يجمعون على أن على رئيس البلاد عند إتمام ولايته أن لا يبقى دقيقة واحدة في القصر الجمهوري. ويأتي مصدر هذا الحكم من نائبين سابقين ومرجعين مخضرمين كانت لهما صولات وجولات في الساحة البرلمانية هما حسن الرفاعي وإدمون رزق، حيث لا يتعاطيان مع الدستور على طريقة "غب الطلب" أو إطلاق فتاوى دستورية تخالف روحية الطائف.
يعود الرفاعي الى الوراء ويقول إن "ما حصل في نهاية عهد الرئيس أمين الجميّل أنه مارس بحسب ما يعتبر أن النص يمنحه حق قبول استقالة الحكومة وإقالتها وعيّن مكانها حكومة اعتبرها بحسب رأيه مكتملة الصلاحيات. وكلنا يعلم أن من عطّل الانتخابات آنذاك هو العماد عون الذي كان مؤتمناً وحكومته على إتمامها. وتبقى النقطة المهمّة وهي أن الجميّل عندما عيّن عون رئيساً للحكومة كان يعتبر أن حكومة الرئيس رشيد كرامي مستقيلة وأصدر مرسوماً أعلن فيه قبول الحكومة التي يترأسها الرئيس سليم الحص. وكان الجميّل يقوم بسلسلة من الزيارات للرئيس السوري حافظ الأسد ومن الأهون عليه أن يبقى في قصر بعبدا لأن حكومة الحص هي حكومة تصريف أعمال وبالتالي أمام هذا الواقع كان بوسع الجميّل أن يبقى في بعبدا الى أن تتم الانتخابات ولكنه لم يفعل هذا الأمر لمعرفته بضرورة واجب إخلاء بعبدا في اليوم الأخير من ولايته. وتحفّظت آنذاك فور اغتيال الشهيد كرامي على مرسوم تعيين الحصّ رئيساً بالوكالة عن ميت وطالبت بأن يعيّن بمرسوم جديد بالأصالة لأنني تيقنت أنه قد يأتي يوم ويدّعي (الجميّل) أنها حكومة مستقيلة فيقوم بتعيين بديل منها".
ويضيف الرفاعي أن "أبطال التعطيل اليوم هم أنفسهم سنة 2014. وأمام هذه الحالات يجب توفر مستوى معيّن من رجال الدولة. وبالتالي من واجبات النواب بعد انتخاب برلمان جديد، أن لا يتوجّهوا الى تعطيل الانتخابات وأن لا يسهموا في التعطيل بغضّ النظر عن الاسم الذي يُنتخب ولتأخذ الديموقراطية مجراها. من ناحية أخرى، على رئيس الجمهورية وفريقه الاستشاري إن كانوا لا يريدون أن لا تنتقل صلاحيات الرئاسة الى حكومة تصريف الأعمال فما على عون إلا أن يبادر الى توقيع التشكيلة المعروضة عليه من الرئيس المكلف ويضعها هكذا أمام ثقة المجلس. ويبقى في جميع الأحوال إذا خيّرنا الرئيس بين أن يبقى في بعبدا بعد انتهاء ولايته خلافاً لنص المادة 49 من الدستور التي تحدّد مدة ولايته بست سنوات وبين انتقال صلاحيات الرئاسة الى حكومة مستقيلة نختار حتماً الخيار الثاني الذي ينسجم مع نص المادة 62 من الدستور. ولكن من نشأ على التعطيل من سنة 1988 ومن سنة 2014 الى 2016 يقدر أن يعيد التعطيل نفسه. ولا بدّ هنا من الالتفات باهتمام كلي الى غبطة البطريرك بشارة الراعي وقوله إن التعطيل هو الخطة الأخيرة على طريق الانقلاب على النظام. ويجب هنا على المعنيّين أن يتدبّروا الأمر ويعرفوا من هو الفريق الذي يعطل والوقت لا يزال يسمح والعلة في الرجال وليست في النصوص".
رزق
ولا تختلف منطلقات الرفاعي هنا عمّا يقوله رزق صاحب التجارب النيابية والوزارية الطويلة حيث يركز نائب جزين الأسبق على "مبدأ أساسي في التعاطي الوطني المسؤول. وإن أمكن التنافس والتزاحم على الخدمة العامة، فإن مجرد التفكير في التعطيل هو نوع من المروق على المبادئ الأساسية للممارسة الديموقراطية. وإن الممانعة جائزة والمعارضة ضرورية ولازمة ولكن التعطيل (الانتخاب) هو خيانة. ومجرد التفكير في وقف التداول الحرّ والديموقراطي هو سقوط من المواطنة، ويمكن أن تعارض بكل الوسائل المتاحة الاخلاقية والحضارية ولكن اللجوء الى التعطيل هو خيانة كما قلت".
هل لاحظتم أو خشيتم كنواب هذا الأمر في الطائف؟
يجيب "كنا في الطائف بصدد بناء دولة وتأكيد وطن ولم يخطر إطلاقاً في بال أحد الموجودين والمشاركين أن يأتي يوم ينبري فيه طلاب أو قنّاصو سلطة الى تفتيت الوطن تحقيقاً لمآرب شخصانية أو خيالية، وإن تعطيل الحكم في لبنان يعتبر خيانة وطنية".
وكيف ترى من يلجأ عمداً الى التعطيل؟
يجيب "أرى من يفعل ذلك خيانة والحكم على مستوياته كافة غير مؤهل اليوم لتولي السلطة وهو عاجز عن ممارستها ويقتضي التوجّه الى التنحّي لقيام سلطة وطنية صحيحة".
ويعارض رزق بقاء عون في القصر عند انتهاء ولايته "فالدستور واضح ولا يمكن لرئيس الجمهورية البقاء دقيقة واحدة عند انتهاء ولايته. وإذا حصل العكس نصبح أمام حالة خيانية. وإن لم تحصل الانتخابات ففي إمكان حكومة تصريف الأعمال أن تتسلم إدارة البلد بحسب ما ينصّ عليه الدستور والحكومة الحالية تبقى قائمة".