مرحلة انتقالية مرتقبة ستحلّ مع انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتولي نائبه الأول وسيم منصوري، المنصب بالوكالة. ولا يُمكن إغفال الانتماء السياسي والطائفي لمنصوري، وهو الشيعي المدعوم من قبل الثنائي الشيعي، وحركة "أمل" بشكل خاصّ، وبالتالي سيكون أداؤه تحت مجهر المراقبة، نسبةً إلى موقع الحاكمية الحسّاس.
لا يُخفى على أحد رغبة الثنائي الشيعي، و"حزب الله" تحديداً بالسيطرة على مصرف لبنان والسوق المالي والنقدي في لبنان، لإحكام قبضته أكثر على البلاد، ولكن بطريقة غير مباشرة لأسباب عديدة، قد يكون منها إبعاد نفسه عن شبهات الفساد والسياسات الفاشلة من جهة، و"حماية" هذا القطاع من العقوبات الدولية من جهة أخرى، ليستمرّ بأداء دوره الذي يستفيد منه الحزب.
في المرحلة المقبلة، سيكون ثنائي "أمل" و"الحزب" في قلب حاكمية مصرف لبنان حتى انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية، وفي هذا السياق، ثمّة أسئلة عديدة تُطرح حول سياسات منصوري، وإذا ستكون مشابهة لسياسات سلامة التي يُعارضها "حزب الله"، أو مختلفة عنها، وهو أمر سيحمّل الحزب مسؤولية تبعات هذه السياسات على الاقتصاد والنقد.
وقد يكون السؤال الأبرز، هل يُشرّع منصوري مؤسسات "حزب الله" المالية والنقدية، وبشكل خاصّ جمعية "القرض الحسن" التي يتوسّع دورها وينمو؟
مصادر متابعة عن كثب لملفّ مصرف لبنان تُجيب عن السؤال، وتُشير إلى أنّ "منصوري سيتمتع مبدئياً بكافة صلاحيات حاكمية مصرف لبنان، لكنّ ترخيص المؤسسات المالية والمصرفية، أو بمعنى آخر شرعنة "القرض الحسن" على سبيل المثال، ليس قراراً مرتبطاً به فحسب، بل بالمجلس المركزي الذي يضمّ نوابَ الحاكم والمديرين العامّين لوزارتي المالية والاقتصاد".
وفي حديث لـ"النهار"، تشرح المصادر آليّة ترخيص مؤسسة مالية أو مصرفية، وتلفت إلى أنّ "المؤسسة تتقدّم بطلب رسميّ إلى حاكم مصرف لبنان، والأخير يعرض الملفّ على المجلس المركزي الذي يتخذ قراره بناءً على مواصفات دولية يعتمدها "المركزي"، منها حجم الرأسمال، مدى التزام المؤسسة بتعاميم مصرف لبنان، تقيّدها بقواعد الامتثال كمكافحة تبييض الأموال، على ألّا تكون المؤسّسة معرّضة لعقوبات دولية".
وفي هذا السياق، لا بدّ من التذكير أنّ جمعية "القرض الحسن" مُدرجة على لوائح العقوبات الأميركية، وثمّة شبهات كثيرة حول نشاطها في تبييض الأموال، وفي هذا الإطار، تستبعد المصادر "موافقة المجلس المركزي على طلب ترخيص "القرض الحسن"، في حال تقدّمت الأخيرة به أساساً"، لكنّها تقول إنّ "المؤسّسة المذكورة أقرب لأن تكون ماليّة وليست مصرفية في حال التقدّم بطلب والموافقة عليه، نسبةً لشكل نشاطها".
في السياسة، من المستبعد أيضاً أن تتقدّم جمعية "القرض الحسن" بطلب ترخيص لجملة من الأسباب، أولاً منصوري ليس مقرّراً بل المجلس المركزي، والأخير لن يتغيّر في مصرف لبنان بين ولايتي سلامة ومنصوري، بل سيبقى نفسه المقرّر، ولو أراد "حزب الله" ترخيص مؤسسته من خلال المجلس نفسه، لكان تقدّم بطلب خلال عهد سلامة.
ثانياً، إن نشاط المؤسسة المالي غير الشرعي مستمرّ وآخذ في النمو، وفتح الفروع الجديدة في مناطق مختلفة خير دليل على ذلك، وبالتالي فإنّ شرعنة عمل المؤسسة في ظلّ انهيار القطاع الماليّ والمصرفيّ لن يصبّ في صالحها، بل سيُفقدها الثقة المفقودة بكلّ المؤسسات المماثلة الشرعية في لبنان، هذا بالإضافة إلى أنّ على المؤسسة إيداع مبالغ في المصرف المركزيّ، ما سيُعدّ خسارةً لها.
ثالثاً، إنّ "القرض الحسن" يضمن بقاءه واستمراريته وحتى أمنه بمواجهة الحكومة ومؤسساتها الرقابية والأمنية بفضل "فائض قوّة" الحزب ومن خلفه رجال الأعمال الذين يدعمونه من أفريقيا وأميركا اللاتينية، بالإضافة إلى دعمه من إيران، وبالتالي فهو في غنى عن شرعنة لن تمنحه أمناً، وهو الذي يوسّع نشاطه "غير الشرعي" تحت أنظار الحكومة والقضاء دون الخوف من التعرّض إليه.
في المحصّلة، فإنّ شرعنة عمل "القرض الحسن" خلال عهد منصوري مستبعدة، لأنّها لا تصبّ في صالح "حزب الله" بل على العكس، إذ إنّها تلعب دور مؤسّسة رديفة للمصارف التي تعاني الانهيار، وبالتالي لن تنتقل من موقعها لتكون جزءاً من منظومة متعثّرة، لكن ذلك لا يعني أنّها لن تكون شرعيّةً يوماً ما، خصوصاً وأنّ ما ينتظر لبنان على الصعيد الماليّ مُبهم، ومُقلق في ظلّ سيطرة "حزب الله" على مفاصل البلاد.