تستمرّ تداعيات حادثة الكحّالة في البروز تباعاً، وسط زحمة مواقف سياسية، أضحت عادية ترافق أيّ حدث، ما تلبث أن تهدأ في الأيام القليلة التي تليها، لكن يبقى الصامت الأكبر حتى اللحظة "حزب الله" الذي اكتفى في بيان ليلة الحادثة، تاركاً التعليقات لأمينه العام السيد حسن نصرالله الذي يطلّ ليل الاثنين في ذكرى انتهاء حرب تموز.
وعلى الرغم من الصمت الرسمي من المسؤولين في الحزب، إلاّ أنّه بحسب مقرّبين منه، لهذه الحادثة وقع مختلف وهي بمكان ما تلامس الخطورة الحقيقية، لأنّها تمسّ المقاومة بخطوط إمدادها، وهذا هو الخطّ الأحمر الذي لا يُسمح بتخطّيه، فأيّ أمر يتعلق بالمقاومة يختلف بشكل مطلق عن أيّ نقاش سياسيّ، لا بل هو خارج أيّ نقاش، فخطوط الإمداد مثلها مثل خطوط الاتصالات مثل مسارات الدعم اللوجستي التي تُعتبر من أساسيات عمل المقاومة، وأيّ مسّ بها هو مسّ بالمقاومة وُجب الدفاع عنه.
ولا ينكر المقرّبون أنّ هناك بعض الإشارات بدأت تشكّل نوعاً من القلق للحزب، وخصوصاً الحديث عن إقفال طرقات رئيسية وحمايات مناطقية تتعرّض "للغرباء" وتمنع دخولهم إلى مناطق معيّنة، والذي يمكن أن يؤدّي إلى مكان لا تُحمد عقباه.
ويشير المقرّبون في هذا السياق إلى أنّ في السياسة لدى "حزب الله" سقوفاً تقف عند السلم الأهليّ والابتعاد عن الاقتتال الداخليّ، أمّا في موضوع المقاومة فلا سقوف، وكان لهم تجارب معنا في السابق من خلال المسّ بشبكة الاتصالات، ألزمتنا بردود قاسية.
إلى ذلك يعترف المقرّبون بتراجع الحاضنة الشعبية للمقاومة في الأوساط الطائفية الأخرى، ومردّ ذلك إلى ما يجري على صعيد الانتخابات الرئاسية، والتصوير أنّ "حزب الله" يفرض رأيه على المسيحيين بانتقاء رئيس لهم وهذا الموضوع غير دقيق، بالإضافة إلى التجييش الإعلاميّ الذي تقوده بعض الأحزاب المسيحية وتصوّر "حزب الله" كشرّ مطلق، وهو السبب في جميع الأزمات، وبالطبع من دون إغفال الخلاف مع "التيّار الوطنيّ الحرّ" الذي كان جزء من قاعدته متقدّماً على قيادته في دعم المقاومة، لكن في المقابل ينظر المقرّبون بعين الرضى إلى ردود فعل جمهور "التيّار" أو جزء منه من حادثة الكحّالة، على الرغم من أنّ مناصراً لهم أطلق النار على أحد شباب المقاومة وقتل في الحادثة، إلّا أنّ جزءاً منهم تعاطى بعقلانية لا بل بتأييد المقاومة، والمقاومة تنظر بعين الرضى إلى هذا الأمر، ما يًسهّل الحوارات القائمة ويحرّكها بعد طيّ صفحة الحادثة.
وعن كلام النائب جبران باسيل والذي أوحى أنّ "التيّار" وحده يشكّل غطاء مسيحياً للحزب، وأنّه عليه العودة للتفاهم، يعيد المقرّبون موقفهم أنّ كلَّ شيء ممكن في السياسة ولكن ضمن الثوابت، إنّما في موضوع المقاومة ولوجستيّاتها فهي قابلة للابتزاز بأيّ شكل.
في المقابل وعلى صعيد المعارضة التي رفعت من سقوفها بعد الحادثة متحدّثة عن مواجهة مختلفة، فأشارت مصادرها إلى أنّ المواجهة لن تكون بالطبع بالسلاح أو التسليح أو بالميليشيات، "فمن يقاتل لبناء دولة لن يؤسّس ميليشيات".
وأشارت إلى أنّ الجميع أضحى مقتنعاً بأنّنا لم نعد في لحظة سياسية تقليدية، فعلى "حزب الله" أن يقرّر إذا كان يريد العيش مع باقي اللبنانيين تحت سقف الدستور والمساواة أم لا، مشدّدة على ألّا فائدة من جميع النقاشات السياسية التقليدية التي تحوّلت إلى ملهاة عن القضية الأمّ، وهي استعادة قرار اللبنانيين ودولتهم".
وكشفت أنّ جميع الحلول اللا عنفية مطروحة في المستقبل، من النظام إلى العمل مع القوى الدوليّة والعربيّة المهتمّة بشأن لبنان، إلى تحرّكات في الداخل أثبتت في السابق نجاحها، ولا زال لدينا العديد من الأوراق بين أيدينا سنبدأ في استعمالها.