يتفاعل الإشكال الذي وقع في أحد الملاهي في مار مخايل، على اثر مهاجمة مجموعة "جنوب الربّ" احتفالاً كان يُقام في الملهى الذي يُعرّف عن نفسه بأنّه صديق للمثليّين.
الإشكال الذي أعاد هذه المجموعة إلى الواجهة، بعد غياب طويل عن ممارسة نشاطات علنيّة، فتح من جديد باب النقاش في قضيّة الحرّيات، وتعاطي مجموعات غير رسمية وتدخّلها في الحياة الفرديّة والعامّة للناس في أيّ منطقة من لبنان، عبر تحديد ما هو مُتاح وما هو غير مُتاح، وفرض نظمَ قوانين خارجة عن الانتظام العامّ، تحت شعار الدين والإنجيل وكلام الله، بما يشبه مجموعات دينيّة أخرى تأسّست في مناطق مختلفة، وتحوّلت لاحقاً إلى ميليشيات منظّمة، وهو ما بات مصدر قلق لكثير من الناس، وخصوصاً في المناطق التي تمتّعت بهامش كبير من الحرّية واعتادت عليه.
يجمع المراقبون على أنّ تأثير هذه المجموعات لا يزال محدوداً، ولا بيئة كبيرة حاضنة لهم مسيحيّاً، بحكم أنّ هذه المجموعة أو التشكيل أو التنظيم، تأسّس منذ مدّة طويلة ولم يلقَ تعاطفاً وتجاوباً من ضمن البيئة الموجود فيها، لكن في الوقت عينه، هناك من يُبدي خشية وفي ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة المتردّية، وزيادة أحزمة الفقر في هذه المناطق، من تمدّد هذه الظاهرة، وخصوصاً أنّها تعتمد على الدين الذي يُسهّل من خلاله خلق بيئة حاضنة في هذه المناطق.
أضف إلى ذلك أنّ رفع شعار محاربة المثلية يلاقي آذاناً صاغية ضمن هذا المجتمع المسيحيّ، وعكس ما يُقال عن أنّها مناطق آمنة للمثليّين، فهذا غير صحيح، وخصوصاً في السنوات الأخيرة مع الحملات التي ترافق هذا الأمر، أكانت تحذيريّة أم ترويجيّة، لتترك قلقاً لدى عدد كبير من العائلات، وهذا أيضاً يمكن أن يؤسّس نوعاً من المقبوليّة لهذه المجموعات، وهو ما ظهر في عدد كبير من التعليقات على وسائل التواصل، وأن يفتح باب السؤال عمّن يقف خلف هكذا مجموعات، وعن مؤسّسها وداعميها.
تبرّأت القوى السياسيّة كافّة من هذه المجموعات حتّى من أُشير إليه أنّه يدعمها، أي رئيس مجلس إدارة بنك "السوسييتيه جنرال" أنطوان الصحناوي، الذي أصدر بياناً نفى فيه أيّ علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد، وذهب إلى أبعد من ذلك، فاستنكر ما حصل في مار مخايل، مؤكّداً على قضيّة الحرّيات.
وكما الصحناوي كذلك النائب نديم الجميّل، الذي ربط البعض "جنود الربّ" بمجموعة أسّسها منذ مدّة تحت اسم "عيون الأشرفيّة"، وهي عبارة عن شبّان يتناوبون على الحراسة الليليّة في أحياء الأشرفيّة، وهم على تواصل دائم مع القوى الأمنيّة، مؤكّداً عبر "النهار" أنّه لا علاقة له بها كليّاً، وهي مختلفة عن مبادرة عيون الأشرفية.
وعن الحادثة الأخيرة يقول لـ"الجميّل": "بغضّ النظر عمّا كان يحدث في مار مخايل، أقانونيّاً كان أم غير قانونيّ، لا يحقّ لأيّ جهة في لبنان أن تنصّب نفسها كـ"وليّ على الشعب اللبنانيّ"، أو كشرطة آداب أو أخلاق، وتفرز الناس بين قدّيس أو راهب أو منحرف".
ويضيف: "هناك قوانين ونظم تُفرض على جميع الناس، والدولة تسهر على تنفيذها، ولا يحقّ لأحد فرض نُظُمه وقوانينه الخاصّة على الناس من تلقاء نفسه، كما فعل وزير الثقافة عبر منعه فيلم سينما، أو كما يفعل أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصرالله عبر تحريم وتجريم أمور حياتيّة، أو أن يأتي آخر ويمنع الغناء وآخر يمنع الفنّ، فنحن نرفض أيّ رقابة، أفكريّةً كانت أم ثقافيّةً أو اجتماعيّةً، أو أيّ رقابة أكانت خارج إطار الدولة أم أتت من جهة خاصّة".
ويؤكّد الجميّل أنّ "هناك جهات مختلفة تحاول فرض إرهاب فكريّ وحضاريّ وثقافيّ، وهذا ما سنقاومه، فلبنان منذ تأسيسه بُني على الحرّيات الفرديّة وحرّية التفكير والرأي، وهذه الأمور أيضاً ارتبطت بالذات في الوجود المسيحيّ، وعندما نمسّ بهذه المسلّمات نكون فقدنا حضورنا ووجودنا".
لا يتوقّف الجميّل عند الحديث عن اعتبار الأشرفيّة مناطق آمنة للمثليّين، مشيراً إلى أنّ هناك قوانينَ واضحةً وأجهزةً أمنيّةً موكلةً من قبل الدولة بتنفيذ هذه القوانين، وهم الوحيدون الذين يقرّرون إن كانت هناك مخالفات أم لا، ويحاسبون عليها، مشدّداً على أنّ "شعارنا "الأشرفية حرّة"، يعني أنّ الحرّية أساس وعلينا تنفيذ كافّة أسس هذا الأمر من حرّيات ثقافيّة ودينيّة واجتماعيّة وفكريّة، وهذا ما نريده ونحافظ عليه".
بدوره نائب رئيس الحكومة الأسبق، نائب الأشرفيّة غسّان حاصباني يقول لـ"النهار": "لا يجوز اعتبار الأشرفيّة مكاناً لمخالفة القوانين بأيّ شكل من الأشكال، أو للتطرّف والإخلال بأمن وسلامة وراحة المواطنين".
ويضيف: "كنّا قد طالبنا مع الأهالي مرّات عدّة وزير الداخليّة والمحافظ ووزير السياحة ضبط مخالفات الحانات القائمة في الجمّيزة ومار مخايل، التي تُلحق بالسكّان الأذى والإزعاج المفرطَين، وتتمّ حول بعضها ممارسات مخلّة بالآداب العامّة. كما حذّرنا من إمكان حصول احتكاكات وإشكالات من قبل جهات مختلفة، إمّا مفرطة بالتطرّف أو مفرطة بالتحرّر".
ويؤكّد أنّ ردّة فعل الجهات المختصّة على حادثة مار مخايل لم تكن على قدر التطلّعات والحاجة، ما جعل المخالفات تستمرّ، وأعطت البعض شعوراً بأنّ كلّ أنواع التصرّفات متاحة، أكانت متطرّفة أم ليبيراليّة.
في ظلّ الأوضاع الراهنة، "علينا التركيز على الأولويّات، والطلب من جديد من القوى الأمنيّة أن تتشدّد في فرض القانون في هذه المنطقة تحديداً، وهي الوحيدة المخوّلة بذلك، منعاً من حدوث احتكاكات من هذا النوع"، وفق حاصباني.