استحوذت قضيّة نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب وعلاقته بـ"التيار الوطني" على الاهتمام في الأيام القليلة الماضية بعد تسريب خبر طرده من "التيار الوطني الحر" على خلفية عدم التزامه بقرار القيادة بالتصويت للمرشّح الرئاسي جهاد أزعور.
حتى الساعة لم يعلن أي قرار في هذا السياق من "التيار الوطني الحر"، مع تأكيد مصادر "التيار" أن بو صعب حزبي ولديه بطاقة وعدم مشاركته في الانتخابات التمهيدية للتيار كان بسبب قراره عدم الترشّح للانتخابات النيابية الذي عدل عنه لاحقاً.
وسياق الأحداث يؤكد أن القرار قد اتخذ، فعادةً يجري تسريب الخبر الى جهة معيّنة قبل تبلّغ صاحبه، ولاحقاً يصبح واقعاً، بالإضافة الى أن مصادر "التيار" تتحدث عن استدعاء لـ"بو صعب" أمام المجلس التحكيمي، وهذا ما يرفضه بو صعب في الأساس، ما يعني تلقائياً التمرّد على النظم الداخلية وبالتالي الفصل.
في كل الأحوال لم يعد نفي الأخبار أو تسخيفها كما يفعل بعض مسؤولي "التيار" وإعلامه لأيّ حدث يمرّ على أحد وخصوصاً في مسألة "دولة الرئيس" الذي افتتح عهده بـ"طعنة" كما يصفها عندما لم يأخذ صوت أيّ حزبي أو مقرّب في الانتخابات وتُرك لمصيره وخصوصاً أن ترشّحه كان بطلب من الرئيس السابق ميشال عون بعد إعلان قراره عدم نيّته العودة الى النيابة، وأتى القرار في الأيام الأخيرة قبل إقفال باب الترشيحات ما أثر على حملته الانتخابية التي لم يقم بها، بحسب مقربين منه، لا بل اتكل على "التيار" الذي صبّ عمله وضغط على حلفائه من "حزب الله" وغيره للتصويت فقط لإيدي معلوف، ما جعل الأخير متفوّقاً بالأصوات ووضع بو صعب في أسفل لائحة الفائزين، وهذا ما لم يبلعه بو صعب حتى الساعة.
وبعد الانتخابات النيابية توالت الافتراقات بين بو صعب و"التيار" فترشُّح الأول لانتخابات رئاسة المجلس لم يكن برضى رئيس الحزب، الذي بقي متحفظاً حتى اللحظات الأخيرة مع محاولة تسويقه للنائب جورج عطا الله ولكن عندما أقفل الطريق أمامه، ورفض الرئيس نبيه بري التصويت لعطا الله وحشد المرشح المقابل غسان سكاف عدداً كبيراً من الاصوات، رضخ باسيل واقترع لـ"بو صعب" على طريقة "مكرهٌ أخاك لا بطل".
يمكن تعداد عشرات الافتراقات بين بو صعب و"التيار" في فترة السنة والنصف التي مضت من عمر المجلس، حتى إن المواقف المنسجمة قليلة للغاية من مسألة "الساعة" وانتقاده لطريقة باسيل في التعاطي معها الى مقاطعة بعض المحطات التلفزيونية التي بقي بو صعب ضيفها الرئيسي، الى "لقاء النواب الخمسة" الشهير من ضمن تكتل التغيير والإصلاح الى طروح الانتخابات النيابية المبكرة، ولم تنته بالافتراق الرئاسي بعدم التزام بو صعب بجهاد أزعور.
وبالأمس ظهر افتراق جديد في ما يتعلق بمركز قائد الدرك الماروني في قوى أمن الداخلي، العميد مروان سليلاتي، الذي أحيل على التقاعد وخاض بو صعب معركة تعيين بديل له بالتكليف من الطائفة الأرثوذوكسية أنتجت بالفعل تسلّم العميد ربيع مجاعص الضابط الأعلى رتبة في الدرك، مهام القيادة بالتكليف بعكس ما كان يطالب به باسيل بضرورة تعيين الضابط الماروني الأعلى رتبة في طائفته أي العميد جهاد الأسمر.
وفي المدّة الأخيرة، لم تبقَ الهجومات على بو صعب محصورة بالمقرّبين من باسيل التي في العادة تكون على شكل تسريبات صحافية أو عبر ندوات حزبية مغلقة وضيّقة توجّه فيها الاتهامات لبو صعب المتمرّد حتى وصلت الى تسميته بـ"زلمة بري"، فقد وجّه له رسالة علنية قاسية في عشاء هيئة المتن في "التيار" الذي أقيم قبل أسبوع بحضور العماد عون بقوله: "قاعدة التيار صلبة لم تهزمها الصعاب والأزمات. وهذا التيّار هو للمناضلين وللمضحّين والمقاومين. قد يمرّ فيه أصحاب مصالح ومتسلقو مناسبات وقانصو مواقع، لكن إن لم تكن طينتهم طينة نضال ومقاومة فهم لن يستمروا في التيار".
وهذا ما فهمه بو صعب الحاضر في الاحتفال وغير الموجود على طاولة الشرف ما أدى الى انسحابه باكراً من العشاء.
وتبقى النقطة الأخيرة والأبرز هي إقناع باسيل عمّه الحاضن لبو صعب لكونه "شريك الانتصار" في قضيّة الترسيم كما يقول عون، بضرورة دعم القرار الحزبي باعتبار أي استثناء سيفتح أبواباً واسعة عليه، وأن قرارات بحق نواب ووزراء اتُخذت في السابق لنفس سبب مخالفة قرار القيادة وكان آخرها بحق النائب السابق زياد أسود وبالتالي يجب اعتماد المساواة في هذا الأمر وخصوصاً أن باسيل افتتح ولاية حزبية جديدة ويجب بدؤها بعيداً عن المناكفات.
في المحصلة يبدو أن التدرّج الذي بدأ به نائب رئيس مجلس النواب من مقاطعته الهيئة السياسية للتيار الى حضور اجتماعات تكتل "لبنان القوي" سينتهي بقطع العلاقات نهائياً بين الفريقين قريباً.