لا يختلف اثنان على أنّ الحراك الرئاسيّ في لبنان دخل في مرحلة جديدة، عنوانها الأساسيّ عدم الوضوح والرتابة في المشهديّة العامّة.
زيارة الموفد الرئاسيّ الفرنسيّ جان إيف لودريان الأخيرة إلى بيروت، لم تحمل أيّ تطوّرات فعليّة يمكن المُراكمة عليها لإطلاق أيّ خطوات جديدة تعمل على تعبيد المسافة بين الشغور وصندوقة الاقتراع في مجلس النوّاب.
والمشاورات الأخيرة بين الدول الـ5 المهتمّة في الملفّ اللبنانيّ، لم تقدّم بدورها أيّ جديد يمكن التعويل عليه للحديث عن الانتقال إلى مرحلة جديدة ومختلفة عن المرحلة التي أدارت فيها الدولة الفرنسيّة التطوّرات الرئاسيّة في لبنان، دون أن تتمكّن من الوصول إلى أيّ نتيجة حتّى الآن.
وفي هذا الإطار، يبدو واضحاً أنّ الدول الـ 5 قد تكون غير راضية عن أداء فرنسا وقيادتها للملفّ اللبنانيّ، لكنّها وحتّى اليوم، لم تعلن انتهاء الدور والمبادرة الفرنسيّة، كما أنّها لم تعلن صراحةً عن الدولة البديلة التي قد تخلف فرنسا في مهمّتها اللبنانيّة، على الرغم من الحراك القطريّ غير الجديد على الساحة اللبنانيّة.
وهذه المراوحة التي ينتج عنها عدم قدرة دوليّة على اتّخاذ قرار سريع وجذريّ في ما يتعلّق بالرئاسة اللبنانيّة، تقابلها مراوحة داخليّة لبنانيّة وعدم قدرة على تحديد الخيارات الرئاسيّة بشكل أكيد ونهائيّ، تعاني منها صفوف المعارضة التي تجتمع بشكل أكيد حتّى اليوم على رفض ترشيح رئيس "تيّار المردة" سليمان فرنجيّة، من دون أن تتمكّن من الاتّفاق على تقديم البدائل الجديّة والنهائيّة، تماماً كما حال "التيّار الوطنيّ الحرّ"، وهذه السرديّة قد تكون من أبرز النقاط التي تساعد في استمرار ترشيح فرنجيّة وتقدّم حظوظه عن سواه.
وفي مقابل حالة الضبابيّة الخارجيّة والداخليّة، يظهر ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، ترشيحاً ثابتاً منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، لكنّه غير معلن لأسباب عدّة منها دستوريّة ومنها سياسيّة، قد تصبح أكثر وضوحاً في خلال المرحلة المقبلة.
في هذا السياق، يؤكّد مصدر مقرّب من بنشعي لـ "النهار" أنّ "ترشيح قائد الجيش لا يشكّل مفاجأة لـ"تيّار المردة" لا من قريب ولا من بعيد، إذ أنّه على دراية تامّة بأنّ ترشيح عون هو الترشيح الجدّيّ والوحيد الممكن في وجه فرنجيّة، وذلك طبعاً إن تمكّن قائد الجيش من حصد شريحة واسعة من التأييد الداخليّ تترافق مع القبول الخارجيّ به غير الجديد وغير المخفيّ على أيّ طرف لبنانيّ".
ويضيف: "يحاول البعض خلال هذه المرحلة، الغمز من باب تراجع فرنجيّة وانسحابه من المعركة الرئاسيّة، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ "تيّار المردة" الذي يؤكّد أنّ ترشيح فرنجيّة طبيعيّ ومبنيّ على تراكمات تخلّلت عمله السياسيّ، وعلى وجوده في السباق الرئاسيّ بشكل متقدّم منذ انتهاء الولاية الأولى للرئيس السابق إميل لحّود، يؤكّد أيضاً أنّ عبارات الانسحاب أو التراجع غير واردة في قاموسه، على الرغم من أنّه لا يمكن أنّ يقف في وجه المصلحة الوطنيّة، التي لا يراها "المردة" متجلّية في أيّ ترشيح غير ترشيح رئيسه حتّى اليوم".
ويرى المصدر أنّ "محاولة البعض الترويج لفكرة انسحاب فرنجيّة وإمكانيّة دعمه قائد الجيش، لم تأتِ من عبث، إنّما من دراية ومعرفة أكيدة عند بعض الأفرقاء، مفادها ألّا إمكانيّة لأي مرشح أن يصل إلى سدّة الرئاسة الأولى دون دعم الفريق الذي يمثّله فرنجيّة، كما أنّه لا يمكن لأيّ مرشّح أيضاً أن يقطع المسافة بين مجلس النوّاب وقصر بعبدا دون دعم الفريق المعارض ترشيح فرنجيّة.
وبناءً عليه، وعلى المعادلة السلبيّة القائمة، يبدو أنّ التلاقي والحوار هما السبيل الوحيد لإمكانيّة تحويل المعادلة السلبيّة المستمرّة إلى إيجابيّة، علماً أنّ الحوار الذي يدور حوله الحراك الرئاسيّ الحاليّ غير مضمون لجهة الانعقاد كما لجهة النتائج".