لعبة خلط أوراق جديدة تشهدها الساحة اللبنانية، التي تميل فيها الأوضاع السياسية والأمنية عامة إلى الانفجار بشكل متنقل وغير شامل، وذلك في محاولة لخرق جدار الصمت المتمادي والمتمثل في عدم قدرة الاطراف اللبنانية والخارجية على إنتاج رئيس للجمهورية، يعيد رفع العلم اللبناني في القصر الرئاسي في بعبدا، معلناً إعادة انتظام الحياة الدستورية، وإطلاق صفّارة خروج البلاد من مستنقعها الاقتصادي.
ففي الأمس، وعلى وقع أخبار ضبط المراكب غير الشرعية والخجولة، والمرشّحة في الوقت نفسه للتزايد بفعل التدهور الاقتصادي، الذي حوّل لبنان إلى ملاذ اقتصاديّ غير آمن، ظهر إلى العلن تصريح الموفد الفرنسي الرئاسي إلى لبنان جان إيف لودريان، الذي تحدث عن مرشح ثالث، كما ظهر إلى العلن قرار رئيس مجلس النواب نبيه بري سحب مبادرته الحوارية في ظلّ الرفض الشديد الذي جوبهت به.
لذلك، وأمام هذا الواقع المستجد، يبدو جلياً أن مرحلة جديدة غير واضحة المعالم دخلها السباق الرئاسي في لبنان؛ فهل تكون هذه المرحلة هي الأكثر سخونة، فتضع حدّاً لفراغ سدّة الرئاسة الأولى، أم تكون سخونتها حركة تحضيريّة لدخول البلاد في دوامة الفوضى المفتوحة على كلّ الاحتمالات؟
ننتظر ما سيبلغنا به لودريان رسمياً لنبني على الشيء مقتضاه
في هذا السياق، وتعليقاً على آخر المستجدات السياسية، أشار عضو "كتلة التنمية والتحرير" النائب قاسم هاسم لـ"النهار" إلى أن "الرئيس بري، منذ اللحظة الأولى لإطلاقه مبادرته الحوارية، كان يريد منها أن تكون جامعة وشاملة لمختلف الأطراف السياسية في لبنان، وذلك بهدف أن يكون الحوار منتجاً وبعيداً عن الصّور البروتوكولية التي سئم منها الجميع".
ويضيف: "الرئيس بري في دعوته إلى الحوار، أكّد أن الحوار سيكون متلازماً مع جلسات انتخابية متتالية، ومهلة الـ7 أيام من الحوار التي تضمنتها المبادرة، كان من الممكن اختصارها بحال تلمّس جوّاً جديّاً للاتفاق، أو بحال التأكّد من عدم إمكانية الاتفاق بين القوى السياسية الفاعلة في لبنان".
وبالتالي، يقول هاشم "إنه بغضون يومين من الحوار، كان من الممكن أن ننتقل إلى المرحلة الثانية، ألا وهي مرحلة الجلسة الانتخابية المفتوحة. لكن - مع الأسف - مواقف البعض الرافضة كلياً للقاء والحوار، ومواقف البعض الآخر المتقلّبة، أدّت إلى سحب المبادرة، ودخول البلاد في مرحلة من المراوحة والمماطلة، بالإضافة إلى الإرباك والتخبّط".
وأكّد هاشم أن "الرئيس بري لطالما رحّب بالمبادرات الخارجية وسعى إلى تسهيلها. لذلك، لا يُمكن الربط بين سحب الحوار من التداول وبين انطلاق الحراك القطريّ في لبنان، إذ إنّنا نقدّر ونثمّن هذا الحراك كما مختلف محاولات الخارج مساعدة لبنان من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسيّ".
وعن الكلام الواضح للموفد الفرنسي الرئاسي إلى لبنان جان إيف لودريان بضرورة التوجه إلى الخيار الثالث، قال النائب هاشم "كما هو معلن، سيعود لودريان إلى بيروت في غضون أيّام قليلة، أيّ في مطلع الشهر المقبل. وهنا نؤكّد أنّ من انتظر ما يقارب السنة، يمكن له أن ينتظر بعض الأيام لتحديد الموقف من النتيجة التي آلت إليها المبادرة الفرنسية. لذلك، نحن بانتظار ما سيبلغنا إياه لودريان مباشرة وبطريقة رسمية حول المبادرة الفرنسية والصيغة التي انتهت إليها وحدودها وآلياتها، علماً بأن المواقف والنتائج قد تتبدّل بين ليلة وضحاها، نظراً إلى أهمية إنجاز الاستحقاق الرئاسيّ في لبنان".
وأضاف: "ننظر إلى الاستحقاق الرئاسي من بابه الوطني، ومن مسؤولية الداخل في إنجازه بأسرع وقت ممكن. من هنا كانت مبادرة الرئيس بري. لكننا في نفس الوقت نشكّر كل المساعي الخارجية التي لا يجب أن نعتمد عليها ونراهن بشكّ مطلق، بل يجب أن ننظر إليها كعامل مساعد لانتخاب رئيس للجمهورية".
وعن إمكانية البحث عن مرشح ثالث يشكل نقطة تلاقي عند كل اللبنانيين، أكد هاشم أنه "حتى هذه اللحظة، الدعم الكليّ مستمر لرئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، إذ إن دعمنا لترشيحه لم يأت من باب أي تقاطع ظرفيّ قد يتبدّل بين لحظة وأخرى، إنّما من باب الثواب والخيارات السياسية والحضور الوطني الذي يتمتع به فرنجية؛ لذلك قد يكون الحديث عن إقدام فرنجية على الانسحاب من المعركة هو نوع من الأحلام تترجم عبر بنات أفكار جهات معيّنة في لبنان".
وختم مؤكّداً أن "المرحلة الحالية هي مرحلة انقسام سياسي واضح المعالم في ظل التوازنات التي باتت واضحة لمختلف الأفرقاء. لذلك نعيد ونكرر أننا محكومون بالتلاقي والحوار كسبيل وحيد لإنجاز استحقاقاتنا".
ربط لبنان بمحور الممانعة يجعله ساحة مفتوحة أمنياً
وفي ظل حالة المراوحة السياسية التي تعيشها البلاد، بدأ الحديث عن المخاطر الأمنيّة يصبح أكثر جدية خلال هذه المرحلة. وفي هذا السياق، أكّد عضو "كتلة الجمهورية القوية" النائب زياد حواط في اتصال مع "النهار" أن "الأمنيات والتطلّعات تصبّ في خانة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اليوم قبل الغد. لكن هدفنا المشار إليه وعلى يبدو يتعارض مع الطرف الآخر الذي يربط لبنان بموازين القوى الإقليمية والدولية، ممّا يجعله مع الأسف ساحة متفلّتة لتصفية الحسابات؛ وذلك على غرار ما شهدناه في "مخيّم عين الحلوة". لذلك قد تكون الهواجس الأمنيّة محقّة وواقعية، لا سيما أنّها تترافق مع نوع من انسداد الأفق السياسي".
وأضاف: "الفريق الآخر لم يكتف بتحوبل لبنان إلى ساحة تصفية حسابات، إنما حوّله إلى بؤرة للفساد على مختلف الصعد، ممّا نزع من لبنان دوره الأساسي الذي وجد من أجله، وهو أن يكون نقطة اتصال وتواصل بين الشرق والغرب. واليوم، ومع الأسف، باتت إسرائيل هي نقطة الارتكاز في العلاقة المشار إليها".
وعن اتهام القوى المسيحية بإجهاض الحوار الذي كان قد دعا إليه الرئيس بري، قال حواط "اعتادوا أن يضعونا أمام أمر واقع، واعتدنا أن نرفض الأمر الواقع. ومحاولة قوى الممانعة فرض الحوار قبل الذهاب إلى الخيار الدستوري المتمثل بعقد جلسة انتخابية ودورات متتالية للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية، يمكن وضعه في إطار فرض أمر واقع لم يتمكّنوا من بلوغه".
وأضاف حواط: "المطلوب اليوم هو أن يقدم الرئيس بري على توجيه دعوة سريعة لعقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، وعندها فليتحمّل كل نائب مسؤوليته الدستورية والوطنية. وإن انتهت الجلسات إلى انتخاب رئيس يمثّل طموحاتنا فعندها ننجح في وضع البلاد على السكّة الصحيحة للخروج من كبوتها، والعكس هو الصحيح".
وتابع: "على النواب أن يختاروا في الانتخابات الرئاسية بين محور الممانعة الذي أوصل البلاد إلى ما هي عليه اليوم من فقر وقتل وخروج عن الدستور، وبين محور الإنماء والاقتصاد والتطوّر الذي نسعى إلى تثبيت حضوره في لبنان".
وختم النائب حواط معتبراً أن "التنسيق مستمرّ مع كلّ قوى المعارضة، ومع مختلف الموفدين الدوليين، من أجل تشكيل ضغط يدفع إلى انتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن".
الكتل المسيحية أجهضت الحوار ولا بدائل عن فرنجية
وأمام المشهديّة المستجدّة على صعيد الانتخابات الرئاسية في لبنان، يبدو واضحاً أن "حزب الله" سيدخل في مرحلة أكثر تشدّداً في دعمه ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، وذلك لعدة اعتبارات منها داخليّة ومنها دوليّة وإقليميّة.
وفي هذا المجال، أشار مصدر مطلع على أجواء "حزب الله" لـ"النهار" أن "الحزب ينظر بإيجابية مطلقة إلى كل المحاولات الخارجية من أجل مساعدة لبنان ودفعه إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكنه لم يقل يوماً إنه يعوّل بشكل نهائي على المبادرات الخارجية، وذلك تاكيداً منه على دور الداخل الفاعل والأكيد في مجال إنتاج أجواء ملائمة تؤدي إلى إنهاء الفراغ الحاصل في سدّة الرئاسة الأولى".
وعن خيارات "حزب الله" الرئاسية جزم المصدر معتبراً أن "تجربة الحزب في السياسة اللبنانية تؤكّد أنّه لا يظهر إلى العلن بحديث أو رأي، ويتصرف من تحت الطاولة في سياق مختلف. لذلك لا مكان عنده للحديث عن خطة "ب" أو "ج" أو "د" أو غيرها من الخطط المتنقّلة والمختلفة".
وأشار المصدر إلى أن "القوى المسيحية، وتحديداً "التيار الوطني الحر"، و"حزب القوات اللبنانية"، هما من يجب أن تلقى على عاتقهما مسؤوليّة فشل الحوار وتبعاته التي ستتمثل في مرحلة من المراوحة، يتخلّلها زيارات وفود متعددة وجوجلة أسماء كما شهدنا في مراحل سابقة".