أوّل تحرك قضائي يتصل بملف المصارف أقدم عليه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات في اتجاه المدعية العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، تعميم أصدره الى كل النيابات العامة في لبنان حدد فيه آلية الإستحصال على معلومات مصرفية من المصارف بطلبات بالمفرّق وليس "دوغما"، على ان يستند تقديم طلب المعلومات الى أدلة استجمعتها السلطة القضائية وادت الى وجود شبهة تستوجب استكمالها بالمعلومات المصرفية المطلوبة، على ان تكون المعلومات محصورة بالأشخاص المشمولين بالطلب من دون سواهم. وشدد على الحفاظ على سرية هذه المعلومات وعلى البيانات الشخصية الى حين صدور القرار الطني. وطلب من القاضية عون وقف تحقيقاتها في هذا الملف موقتا ريثما تبتّ الهيئة العامة لمحكمة التمييز دعاوى مخاصمة الدولة المقامة بوجهها عملاً بأحكام القانون. وكرر القاضي عويدات طلبه الى قضاة النيابة العامة إبلاغه عن الجرائم الخطرة والتقيد بتوجيهاته في شأنها.
وكان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي طلب من وزير الداخلية القاضي بسام مولوي الإيعاز الى قوى الامن الداخلي والامن العام بعدم تنفيذ الإجراءات الصادرة عن المدعية العامة الإستئنافية في الجبل. وقد وُضع هذا الطلب موضع التنفيذ، ليأتي التحرك القضائي أمس لتقييد القاضية عون لجهة الإجراءات القضائية، إضافة الى طلب النائب العام التمييزي بصفته رئيسا للنيابات العامة مراجعته في الجرائم الخطرة والتقيد بتوجيهاته. وهو طلب مكرر، فهل ستلتزمه القاضية عون؟
في تعميمه وضع النائب العام التمييزي الأطر القانونية للنيابات العامة في لبنان لآلية الإستحصال على معلومات مصرفية مطلوبة من المصارف والتقيد بها، بالإستناد الى قانون السرية المصرفية الجديد الصادر في تشرين الثاني الماضي والذي استثنى من السرية المصرفية في بنوده الأشخاص الوارد تعدادهم في بنود المادة الثانية من هذا القانون، كما حظر على المصارف التذرع بسرّ المهنة او بسرية المصارف وأوجب عليها تقديم كل المعلومات المطلوبة فور تلقّيها طلبا من القضاء المختص، مع مراعاة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضم اليه لبنان عام 1972، موضحا انه لم يعد هناك من موجب لطلب رفع السرية المصرفية في معرض التحقيقات الاولية التي تجريها النيابات العامة المختصة. ويُكتفى بالتالي بطلب الإستحصال على معلومات مصرفية، والتقيد بآلية الإستحصال طبقا للقانون الجديد حفاظا على مبدأ حماية البيانات الشخصية في الدعاوى التي هي قيد التحقيق الاوّلي، وتوجيه الطلب الى رئيس مجلس إدارة المصرف او المدير العام لديه يتضمن تحديدا لكامل هوية الأشخاص المعنيين بالطلب، وكذلك تحديد المعلومات المطلوبة سواء أكانت تتعلق بحسابات ام معلومات ام مستندات مصرفية أخرى، على ان يتضمن طلب الإستحصال على المعلومات موجزا للأفعال والإشارة الى انه يرتكز الى أدلة استجمعتها السلطة القضائية أدت الى وجود شبهة ما تستوجب استكمالها بالمعلومات المطلوبة والإشارة اليها من دون كشف مضمونها، على أن تكون هذه المعلومات محصورة بالأشخاص المشمولين بالطلب من دون سواهم، ومنح المصرف المعني مهلة زمنية كافية ومعقولة في سبيل الإجابة عن طلب الإستحصال على معلومات بعد أخذ كمية هذه المعلومات ودرجة صعوبة استخراجها في الإعتبار. ولحظ التعميم المحافظة على سرية الطلبات والمعلومات التي تم الإستحصال عليها من المصرف المعني والمحافظة على سرية البيانات الشخصية الى حين صدور القرار الظني او إحالة الاوراق على المحكمة المختصة، حفاظا على سرية التحقيق تحت طائلة المسؤولية الجزائية وإعادة المستندات التي تتضمن المعلومات المصرفية الى المصرف في حال حفظ الملف، وكذلك إخضاع الخبراء المكلفين أداء مهام في إطار التحقيقات الأولية لجهة الحفاظ على سرية البيانات والمعلومات المتعلقة بالتحقيقات، والإمتناع عن طلب معلومات لها صفة العمومية وغير متعلقة بوقائع مادية لها تأثير مباشر على التحقيق الاولي المفتوح لدى النيابة العامة طالبة المعلومات، وكذلك الإمتناع عن طلب اي معلومات مصرفية تعرّض أي شخص، على نحو تعسفي او غير قانوني.
وأخيرا طلب القاضي عويدات من قضاة النيابات العامة في جميع المحافظات والنيابتين العامتين المالية والعسكرية التقيد بأحكام المادة 16 من قانون اصول المحاكمات الجزائية والتعاميم السابقة الصادرة عنه ذات الصلة لجهة إبلاغه عن الجرائم الخطرة والتقيد بتوجيهاته في شأنها.
وأعقب النائب العام التمييزي التعميم بكتاب وجّهه الى القاضية عون طلب فيه منها وقف إجراءاتها التحقيقية والإستقصائية في ملف المصارف موقتا الى حين بت القضايا المثارة بحقها امام الهيئة العامة لمحكمة التمييز وتتعلق بدعاوى المخاصمة المقدمة من وكلاء مصارف، وذلك "عملاً بأحكام المادة 13 من قانون اصول المحاكمات الجزائية حفاظا على حقوق المودعين والنظام العام". وتوجه في الكتاب الى القاضية عون: "بما انكم تقومون بالتحقيقات الاولية مع عدد من المصارف اللبنانية، وبما انه عملا بأحكام الفقرة الثالثة من المادة 751 من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تنص على انه لا يجوز للقاضي المنسوب اليه سبب الدعوى الناشئة عن مداعاة الدولة عن اعمال القضاة، ومنذ تقديم إستحضارها، ان يقوم بأي عمل من أعمال وظيفته يتعلق بالمدعي مقدم المراجعة، ولا يشترط إبلاغ القاضي الصادر عنه القرار المشكو منه"...
وردا على القرار غردت القاضية عون "لا للإفلات من العقاب ولا لتعميم مبدأ الإفلات من العقاب. نحن دولة عضو في الأمم المتحدة ولنا حق العدالة. وكل ما يمكن ان يعيق سيرها يشكل إعتداء فادحا" على حقوق الإنسان".