قدّم تسعة نوّاب هم إبراهيم منيمنة وأسامة سعد وإلياس جرادة وبولا يعقوبيان وحليمة القعقور وسينتيا زرازير وفراس حمدان ومارك ضو وميشال دويهي اقتراحيْ قانون أعدّهما "ائتلاف استقلال القضاء" لإعادة الانتظام العام للدولة.
ووفق بيان للائتلاف، فقد جاء هذان الاقتِراحان بـ"مثابة ردّ على ممارسات انتهجها عدد من القوى السياسية والنافذة لتعطيل أيّ ادّعاء يقدّم ضدّ أيّ من أعيانها بما يُلغي تمامًا مبدأ المحاسبة وحقوق الضحايا في التقاضي، وهذا الأمر تمّ من خلال استغلال نصوص في قانون أصول المحاكمات المدنية تسمح لأيّ مدّعى عليه بتعليق الملاحقة الجزائية المقامة ضدّه بمجرّد تقديمه دعوى بردّ القاضي الناظر في قضيّته أو مخاصمة الدولة على خلفية أعماله أيًا كانت جديّة هذه الدعوى".
وأكد النواب أنّ "الملاحقة تبقى معلّقة حتى بتّ دعوى الردّ أو المخاصمة من المحكمة المختصّة. في البدء، استخدم نافذون مدّعى عليهم هذه النصوص في قضية المرفأ ممّا أدى إلى تعطيل التحقيقات في إحدى أخطر الجرائم التي شهدها لبنان لفترات متقطّعة. لكن سرعان ما تمّ تعميمها في اتجاه تعطيل التحقيقات في كمّ من القضايا الهامّة منها قضايا المصارف أو قضايا الفساد والإثراء غير المشروع. وإذ عمد هؤلاء إلى تقديم دعوى ردّ تلو الأخرى لضمان أطول تعطيل ممكن، فإنّ المخيّلة السياسية القانونية تفتّقت عن آلية تخوّل المدعى عليهم في هذه الدعاوى تعطيل الملاحقة ضدّهم بمجرّد استعداء القضاة، ليس لفترة وجيزة أو فترات متقطّعة كما حصل بداية، بل بصورة دائمة وإلى أجل غير مسمّى".
وأضاف البيان: لم نعد نتحدّث عن تعليق التحقيقات في قضية المرفأ أو قضايا المصارف، إنّما أصبحنا نتحدث عن تجميدها. تمّ ذلك من خلال تعطيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز من خلال تعطيل تعيين بدائل عن غالبية أعضائها السابقين الذين بلغوا سنّ التقاعد. فإذا كان قانون أصول المحاكمات المدنية يرتّب على تقديم دعوى مخاصمة تعليق الملاحقة حتى يتسنّى لهذه الهيئة بتّها، فإنّ تعطيل هذه الهيئة يؤدّي إلى تأبيد هذا التّعليق طالما أنّها تبقى عاجزة تمامًا عن بتّها. هكذا بكلّ بساطة، يصبح بمقدور أيّ مدّعى عليه أن يعطّل أيّ ملاحقة ضدّه، ومعها حقوق الضحايا والمجتمع برمّته. وعليه، وبدل أن تدفعنا فداحة الجرائم المرتكبة على مدى العقود الماضية (والتي حوّلت المجتمع اللبناني إلى مجتمع من الضحايا) إلى إسقاط الحصانات كافّة، إذ بنا نمنح حصانة فعليّة لكلّ مدّعى عليه، فلا تسير الملاحقة ضدّه إلّا برضاه وموافقته. ومؤدّى ذلك هو عمليًا إلغاء سلطة القضاء بالكامل، ومعها مبدأ فصْل السّلطات في اتّجاه اختزالها بالسلطات السياسيّة، ومعها أيضًا وأيضًا حقّ اللجوء إلى القضاء ومبدأ المحاسبة والمساءلة وحكم القانون. وبنتيجة إلغاء هذا الحق، تصبح حقوق الإنسان المكرّسة دستوريًا وفي المواثيق الدولية والتي يفترض أن تكون القيمة العليا لأيّ مجتمع ولأيّ دولة، كلّها مجرّد حقوق نظرية مجرّدة من أيّ ضمانة فعلية في ظلّ إفلات معمّم من العقاب".
وتابع بيان الائتلاف: "هذه هي حقيقة ما وصلنا إليه بفعل استغلال أصول المحاكمات المدنية وتحكّمها غير القانونيّ بالتعيينات القضائيّة. وتباعًا، رحّب المناوئون للمحقّق العدلي في قضية المرفأ، الواحد تلو الآخر، بهذا الاستغلال، ليرحّب من بعدهم حماة المصارف به وليتضامنوا ويتكاتفوا في تقويض النظام الدستوري والقانوني برمّته. وقد شهدتْ هذه الممارسة تحوّلًا في درجتها بعدما اعتبر النائب العام التمييزي المحقق العدلي مغتصبًا للسلطة لأنّه قرّر وضع حدّ لتجميد التحقيق؛ لتشهد بعد ذلك تحوّلًا في طبيعتها حين تبنّاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي طالبا من وزير الداخلية منع الضابطة العدلية الاستجابة لأي طلب من قاض مكفوفة يده سندا للمادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية. وبذلك، تحوّلت هذه الممارسة إلى ممارسة حكومية يتمّ فرضها بالقوّة ضد أيّ قاض قد يجد من واجبه أن يجتهد لوضع حدّ للعبث الناتج عنها".
وندّد "ائتلاف استقلال القضاء" بهذا الواقع، داعيًا "القضاة إلى الاجتهاد لوضع حدّ لهذا العبث، داعيّا نقابتيْ المحامين إلى التدخّل لوضع حدّ لتعسّف بعض أعضائها في تعطيل القضاء (فحق الدفاع انوجد للدفاع أمام القضاء وليس لتقويضه). وبعد تحوّل هذه الممارسة إلى ممارسة حكومية، ارتأى أن ينتقل للتعاون مع حضرات النوّاب لتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية على نحو يمنع الاستغلال. فلا توقف دعوى الرد أو المخاصمة الملاحقة الجزائية بإرادة المدعى عليه، ولكن فقط في حال تثبّتت المحكمة المختصّة من جدّيتها. تعديل بسيط وشبه بديهي ولكنه على بساطته وبداهته يشكل شرطًا لإحداث خرق في جدار الإفلات من العقاب".
وختم قائلاً: "لم ينجح نظام الحكم في استصدار قانون للعفو العام يعفي أركانه وأعيانه من عقود من الفساد. لكن ما يحصل من تعطيل للقضاء هو أخطر من أي قانون عفو عام، طالما أنّ من شأنه أن يعطّل ليس فقط محاكمة جرائم الماضي ولكن أيضًا جرائم الحاضر والمستقبل. فلنتحرّك لوقف هذا العبث. لإعادة الانتظام العام".