لطالما سمعنا بجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، التي تستهدف المدنيين خلال الحروب والعمليات العسكرية. وفيما أُعلن عن معاهدات واتفاقيات دولية لحماية حقوق الإنسان خلال الحروب، لردع هذه الجرائم، إلّا أنّها لا تزال تحصل دون محاسبة مرتكبيها.
إذن ما دور المواثيق الدولية التي تدافع عن حقوق الإنسان في المحاسبة والمراقبة؟ وهل من آليّة قانونية دولية فعّالة لمحاكمة المرتكبين؟
هناك تعريفات مختلفة لجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، يشير كل منها إلى نظام قانوني مختلف وعقوبات مختلفة على المستويين الوطني والدولي. وصُنّفت هذه الجرائم بوضوح بعد الحرب العالمية الثانية، على المستوى الدولي، في قوانين المحاكم العسكرية الدولية وفي اتفاقيات جنيف 1949 وبروتوكوليها الإضافيين 1977 وفي قوانين المحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصّتين.
بحسب تعريف جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية في المادة 7 من قانون المحكمة الجنائية الدولية، يشكّل أيّ فعل من الأفعال التالية "جريمة ضدّ الإنسانية"، متى ارتُكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجَّه ضدّ أيّ مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم: القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي، التعذيب، الاغتصاب، أو الاستعباد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، اضطهاد أيّ جماعة محدّدة أو مجموع محدّد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرّف في الفقرة 3، أو لأسباب أخرى من المسلّم عالمياً بأن القانون الدولي لا يجيزها، وذلك في ما يتصل بأيّ فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأيّ جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، الاختفاء القسري للأشخاص، جريمة الفصل العنصري، الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبّب عمداً بمعاناة شديدة أو بأذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحّة العقلية أو البدنية.
المحامي سعيد مالك في حديثه لـ"النهار"، يشرح أنّ "ما يحصل اليوم في غزة ثابت على أنّه جرائم حرب، ومحاكمة جرائم الحرب تتمّ عبر المحكمة الجنائية الدولية المنشَأة بموجب ميثاق معاهدة روما عام 1998". لكن لا يمكن اللجوء إلى هذه المحكمة، إلّا إن كان أحد الأطراف المعنيين بالنزاع عضواً في هذه الاتفاقية.
ويمكن أن يقوم أعضاء ضمن هذه المحكمة أو بمقتضى قرار صادر عن مجلس الأمن، بإحالة ملف الاعتداء الحاصل، فكلّنا ندرك أنّ هناك حق الفيتو في مجلس الأمن المُعطى لخمسة أعضاء دائمين، بالتالي، وبسبب ذلك، هناك صعوبة ضمن إطار هذه الإحالة، بالتوصّل إلى المحاكمة. وهنا نتحدّث عن الباب الأول للمحاكمة.
أمّا الباب الثاني من المحاكمة، فهو الذهاب نحو إنشاء محكمة خاصة لهذه الجريمة تحديداً، كما حصل بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، لكن أيضاً إنشاء هذه المحكمة بحاجة إلى مجلس الأمن وإلى قرار صادر عنه، دون استخدام حق النقد الفيتو من قِبل أي من الأفرقاء الدائمي العضوية الذين يملكون هذا الحق. والثابت أيضاً أنّ هذه الخطوة متعذرة.
ويبقى الباب الثالث الذي يمكن الذهاب إليه، والذي يقضي بتوجّه أهالي الضحايا إلى محاكم خاصة في إحدى الدول الأوروبية أو في أميركا اللاتينية، حيث نظام البلد يجيز الادّعاء بجرائم حرب وإن لم تحصل داخل حدودها، مثل بلجيكا.
في النتيجة، الحلّان الأول والثاني محكومان بقرارات مجلس الأمن، والحل الثالث بحاجة إلى دراسة ومتابعة، بحسب مالك. وبرأيه، اعتراف منظمة العفو الدولية بجرائم الحرب، لا يشكّل سوى مادة تُرفع إلى مجلس الأمن، وعلى هذا المجلس إحالة الجريمة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ماذا عن دور مواثيق حقوق الإنسان في ردع جرائم الحرب؟
من جهته، وفيما يشدّد المحامي والباحث القانوني شكري حداد في حديثه لـ"النهار"، على أنّه يمكن محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، شرط أن تكون الدول الأطراف في النزاع موقّعة على معاهدات تُعنى بحقوق الإنسان، إلّا أنّه يؤكّد أنّ الأطراف المعنية في الحرب في غزة مثلاً، لم تصادق على أيّ من هذه المعاهدات. "فإسرائيل دائماً ما تفلت من العقاب نتيجة عدم توقيعها على هذه المعاهدات، كما أنّ لبنان أيضاً لم يوقّع على أيّ معاهدات تُعنى بحقوق الانسان، وفلسطين قد باشرت عام 2018 بالتحرّك باتجاه التوقيع على هذه المعاهدات".
ويوضح حداد أنّ هناك أجهزة عديدة تابعة للأمم المتحدة، من مسؤوليتها اتخاذ خطوة إحالة هذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن الدور الأساسي، بحسب حداد، يقع على عاتق مجلس حقوق الإنسان، لكونه يحظى بدور رقابي على التجاوزات التي تطال حقوق الإنسان.
كذلك، يفنّد حداد أنّ المحكمة الجنائية الدولية تتضمّن نائباً عاماً يحق له التحرّك، عفواً، أمام حجم جريمة حرب كبرى تنتهك حقوق الإنسان، ضمن صلاحيات المحكمة، إذا ما رأى أنّ على المحكمة التحرّك، بغض النظر عمّا إن كانت الدولة المتّهمة منتسبة إلى هذه المعاهدات أم لا، ويصبح الأمر متعلقاً بقابلية تنفيذ المحكمة للقرار الذي سيصدر عنها.
وتتجلّى صلاحيات المحكمة هذه في حالات أربع: جريمة مجزرة، جريمة ضد الإنسانية، جريمة حرب، جريمة تعنيف.
لكن حداد يلفت إلى أنّ "الإدانة والمحاكمة تطال أيضاً الدول الشركاء في هذه الجرائم، أي المحرّضين والمموّلين والمساعدين والداعمين سياسياً". بالتالي، "الدول الخاضعة لهذه المعاهدات في حال ثبوت ضلوعها في هذه الجرائم، يجب أن تُساءل وتُدان"، وفق حداد.